
وما النصر إلا من عند الله
محمد ولي
يوم قامت أمريكا بجبروتها وصلفها وغطرستها وغرورها، وقامت معها أروبا والحلف الأطلسي كله على ساقيه، وزحفوا إلينا بقضّهم وقضيضهم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، يحدوهم التعصّب الأعمى، ويدفعهم الحقد الذي يأكل الأكباد، وحطّوا بثقلهم على أفغانستان، وزلزل هنالك المسلمون، وبلغت القلوب الحناجر؛ حينها قام موسى القوم، ونادى بأعلى صوته، فما أرهبه جبروت الأعداء ولا جيوشهم الجرارة، ولا الصواريخ المدمّرة، ولا الطائرات الفتاكة، ولا البارجات التي كانت تدك أرض الأفغان دكّا بالصواريخ التي لم تجرّب قبل ذلك في حربٍ من الحروب، فعلا صوت الإيمان، وظهرت كرامة المسلم المجاهد الذي لم تقهره الماديات في يومٍ من الأيام، ولم تغلبه شهوات الدنيا ومتاعها الفاني، ونادى بكل قوة: “إنّ الله وعدنا بالنّصر، ووعدنا بوش بالهزيمة، فسننظر أيّ الوعدين ينجز”. وقف أمام الطغيان، لم يدع بدعوة الجاهلية ولا نادى بشعائر الكفار، بل رفع راية القرآن الذي أنزله رب العالمين، خالق السماوات والأرضين، فانتصر على أعدائه لأنه ضرب بسيف محمد صلى الله عليه وسلم، وسيف محمد صلى الله عليه وسلم لا يكل ولا ينبو، وسيف محمد صلى الله عليه وسلم لم يضرب به أحد إلا انتصر.
انتصر لأنه قاتل والتف حوله شباب نشؤوا في طاعة الله، وباعوا لله نفوسهم وأرواحهم، أعرضوا عن وسواس الشيطان ومحبوبات النّفس، وزخارف الدنيا، ومغريات الجمال والمال والجاه والمنصب، وهاهم أعداء الملة والدين ينسحبون من كثير من قواعدهم العسكرية ويخربون بعضها، ويذهل المرء وهو يرى نعمة الله ويبصر التفسير العملي الواقعي لقوله تعالى: (مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ).
وقبل أعوام قليلة عندما كنتُ تحت قصفٍ شديد، كنتُ أستعجل النّصر فأقول في نفسي: متى نصر الله؟ هل سيزول جيش الكفر في يومٍ من الأيام من أرض الإيمان؟
أجل؛ لقد كان هذا الأمر أبعد من الخيال، وقد كان هذا حلمًا يداعب الخيال، وما كان أحد يظنّ بأنه سيكون في يوم من الأيام شاخصًا في عالم الواقع، ولكن أصبح الآن حقيقة بأمر الواحد المتعال.
ربما يتساءل المرء: كيف تنسحب أمريكا من القواعد ولها فيها مصالح حيوية، ومنافع ضرورية للغاية؟ وأمّا الجواب فعند خالد بن الوليد رضي الله عنه: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا).
إنّ بأس الكفار لا يكف إلا بالسيف والقتال، ولقد صدق السلاح المجاهدين، وصدق المجاهدون السلاح:
كأنّ الظبا مما لزمن أكفهم *** مخالبهم أو هن منهم جوارح