وهل يهاب المنتصرُ المهزومَ
أبو فلاح
في (17 يناير 2021) تم في كابل اغتيال قاضيتين على يد مجهولين، ولم تقم حتى اللحظة أي مجموعة أو أفراد بتبنيّ عملية الاغتيال، ولكن سفير الولايات المتحدة، روس ويلسون حذا حذو الإدارة العميلة، ووجه أصابع الاتهام نحو مقاتلي الإمارة الإسلامية، وهددهم قائلا: “إن هذه الاغتيالات الهادفة التي تقوم بها طالبان، ستثير غضب العالَم”.
ليت شعري لماذا يقوم الرجل بهذه التهديدات الهوجاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع! لعله يريد أن يخفف من قلق الإدارة العميلة إثر انسحاب أو هروب ألفي جندي أميركي تقريبا من أفغانستان تنفيذا لاتفاق السلام الذي وقّعتْه واشنطن والإمارة الإسلامية في قطر رُغما عن الإدارة العميلة. أو ربما يتجاهل الرجل أن الرجال الذين وُلدوا في العواصف ونشأوا بين البروق والرعود لا يخافون هبوب الرياح أبدا، وهل يهاب البط أمواج البحر العاتية؟ وهل تخاف هذه الحركة المتكونة من الرجال الحقيقيين والأبطال البواسل والفرسان المغاوير، هل تخاف هذه الحركة من غضب العالَم الذي يهددها به السفير الأميركي؟
يريد الرجل أن يخوّف أبطال الإمارة من غضب العالَم! كأن العالم لم يغضب فيما سبق، إن العالَم قد غضب عليهم فعلا قبل عشرين عاما من غير حق، أجلبَ عليهم بخيله ورجله، جمع الشياطين والطواغيت والجبارين من أنحاء المعمورة وغزا بلادنا وشعبنا تحت حجة مكافحة الإرهاب، ولكن العالَم الغاضب لم يستطع أن يقهر هذا الشعب الأبي، وأن يُخضع هذا الوطن الأبي، لم يستطع أن يطفئ نور الله بفمه، لم يستطع أن يخمد جذوة الإيمان والجهاد والصمود في صدر هذا الشعب المؤمن، وهل من المعقول أن يهدد أحدٌ قوةً منتصرةً بقوة فاشلة مهزومة وهي في طريقها إلى بلادها؟ وأما عملاؤها الذين نصّبتهم بقوة الحديد والنار فهم في طريقهم إلى نهايتهم المحتومة بإذن الله، والشعب سيطرد هؤلاء العملاء ويتخلص منهم عما قريب.
صحيح أن أبطال الإمارة أقل عددا وعتادا، بل أغلب معداتهم العسكرية هي الغنائم التي يأخذونها من الأعداء في الحروب، ولكنهم يدينون بدين لا يعدّ الموت في سبيل الحق والعقيدة والمبادئ هزيمةً، هو دين لا يعدّ الموت دفاعا عن الأرض والعرض والمستضعفين فشلا، وإنما يعدّه استشهادا ومفخرة وكرامة من عند الله، وهل يخاف هؤلاء الرجال من غضب العالَم؟ صحيح أنهم يُقتلون ولكنهم لا يستسلمون، بل يزيدون إيمانا بالله وبنصره، وتسليما لله وشرعه، يقولون عند كل تراجع وانسحاب: “هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله”.
هل ينهزم رجال يؤمنون بعقيدة كهذه؟ هل ينهزم رجال جبلوا على الوفاء والعطاء، رجال عقيدتهم الولاء والبراء؟ هل ينهزم رجال يكرهون الهزيمة، رجال خُلقوا للفوز والانتصار؟ كأن ربهم خلقهم لينتصروا وينصروا الإسلام ويبذلوا في سبيله أغلى ما يملكون من دمائهم وأشلائهم وجماجمهم، رجال رسالتهم نصر الإسلام، ومهمتهم نصر الوطن، وواجبهم الذود عن المستضعفين؟ هل ينهزم هؤلاء؟ كلا وألف كلا! هل يتراجع عن نصر الإسلام رجال ورثوا حب الإسلام عن آباءهم وأمهاتهم، ويلقنون هذا الحب أبناءهم وأحفادهم، ويسلكون هذا الطريق حتى النفس الأخير؟ رجال يستمدون قوتهم من عقيدتهم ووحدتهم وولائهم وبرائهم، رجال يعدون الصمود في وجه العدو شرفا لا يدانيه شرف، والوقوفَ بجانب دينهم مفخرة لا تضاهيها مفخرة.