مقالات الأعداد السابقة

العالمية الإسلامية في مواجهة العولمة الحالية (1-3)

إن الصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر يظل مستمراً لا يكل ولا يمل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولن يتوانى أهل الحق الصادقون فى الدفاع عنه والذود عن حماه، كما لا يتوقف أهل الباطل والزيغ والضلال عن الكيد للحق وأهله (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا…… البقرة: 127).

والفعل “لا يزالون” فى الآية الكريمة يفيد التجدد الاستمراري وهذا يعني أن الكيد للإسلام وأهله قديم قدم هذا الدين ومستمر ما استمر المسلمون في تمسكهم بعقيدتهم وتجدد فى الأسلوب ليتوافق مع التطور الزماني والمكاني.

ومن المفاهيم الجديدة التي تطرح فى هذا العصر وتحديداً منذ العقد الأخير من القرن الماضي.

مفهوم (العولمة) الذي اقترن ظهوره بانتهاء الحرب الباردة وابتداء بما اصطلح عليه بـ (النظام العالمي الجديد).

وموضوع بحثنا يدور حول النقاط التالية:

أولاً: مفهوم العولمة وأنواعها ومظاهرها ووسائلها واخلاقياتها وغاياتها.

ثانياً: مفهوم العالمية الإسلامية وأنواعها ومظاهرها ووسائلها وأخلاقياتها وغاياتها.

ثالثاً: طرق مواجهة العالمية الإسلامية للعولمة الحالية.

أولاً: مفهوم العولمة وأنواعها ومظاهرها ووسائلها وأخلاقياتها وغاياتها:

“العولمة” مصدر على وزن “فوعلة” نسبة إلى كلمة العالم وهي في دلالتها اللغوية: جعل الشيء عالميا، بما يعني ذلك جعل العالمي كله وكأنه في منظومة واحدة متكاملة، وهذا هو المعني الذي حدده المفكرون باللغات الأوروبية.   فعبروا عنها في الإنجليزية والألمانية بمصطلح (GLOBLIZATION) في حين عبروا عن ذلك بالفرنسية بمصطلح: (MANDIALISATION ) ومن هنا جاء قرار مجمع اللغة العربية بالقاهرة بإجازة استعمال “العولمة” بمعنى جعل الشئ عالمياً.

فمهما تعددت السياقات التى ترد فيها “العولمة” فإن المفهوم الذي يعبر عنه الجميع في اللغات الحية كافة، هو اتجاه السيطرة  على العالم وجعله في نسق واحد – وهذا هو المعنى الذي كتبه المعجم العالمي الشهير (WEBSTER’S) مقابل كلمة (GLOBLIZITION) وهو إكساب الشئ طابع العالمية  وخاصة جعل نطاق الشئ أو تطبيقه عالمياً، أوبعبارة أخرى إزالة الحواجز والمسافات والسدود بين القارات والشعوب والأمم بحيث يصبح العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه كأنه بلد واحد.

ولكن وجد فى الواقع المعاصر اليوم أن المعنى اللغوي المذكور شديد البراءة بالغ الحيدة، فهو لا ينسجم في عمقه مع دلالة اللفظ ومفهوم المصطلح كما يشاع ويتردد فى العالم اليوم.

ولذلك فإن المفهوم السياسي والثقافي والاقتصادي للعولمة لا يتحدد بالقدر اللازم – إلا إذا نظرنا إليه في ضوء رؤية عامة تدخل في نطاقها جميع المتغيرات السياسية والثقافية والاقتصادية التي يعيشها العالم منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين.

لقد اعتنى  المفكرون، من شتى المشارب سواء عن العالم الإسلامي أو من مختلف أنحاء العالم، بالتأصيل والتنفيذ والتنظير وعلى أنها قد قامت مع تطورين أساسيين هما:

انهيار دول المعسكر الاشتراكي وتزعم الفكر الاقتصادي الرأسمالي.

الثروة الصناعية الثالثة التي تمثلت في التطور الثقافي الهائل في مجال الاتصالات والمعلومات. 

وفيما يلي نوجز ما توصل إليه الخبراء والمفكرون والساسة في مفهوم العولمة.

العولمة: مظلة جديدة  لهيمنة الأقوياء على الضعفاء لمظهرها الاستعماري الجديد. 

تعني العولمة سيطرة الدول الكبيرة الغنية على الدول الفقيرة أو الصغيرة وإخضاعها بنحو بطئ. 

العولمة ما هي إلا ترويج لظاهرة اقتصاد السوق الحر بعد انهيار النظام الاشتراكي في روسيا وأوروبا الشرقية ولإقامة نظام عالمي ذي قطب واحد ولفرض نموذج اقتصادي وسياسي وثقافي معين على جميع أنحاء العالم ودولة متجاوزة حدود سيادة الدولة وحقها الخاص في تنظيم شؤونها. 

العولمة ترتكز إلى مبدأ تسهيل انتقال السلع والخدمات والأموال والمعلومات والمؤسسات والناس، والتقانة، والثقافة على مستوى العالم كله، متخطية الحدود والحواجز، أي أنها تجعل الشركات العملاقة، متخطية القوميات والدولة القومية الواحدة، وتصبح هي الوحدة الأساسية بدلأ عن الدولة القومية- تدفق أنظمة تقنية لا تعترف بالحكومات والدساتير والقوانين المحلية.

العولمة هي تعميم الدول الكبرى والقوية ثقافتها الخاصة،  ومناهج تعليمها على غيرها من الدول التي تخالفها في عقائدها وفي قيمها وفي آدابها. 

العولمة: حالة تطبيع عالمي، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ويكون لوسائل الإعلام المختلفة  دور مهم فى توطيد القيم الجديدة والمرتبطة بالإطار العام لمفهوم العولمة. 

فالعولمة إذن مصطلح تعاوني رحيم فى الظاهر وعلى أنها انتصار للديمقراطية بصفتها نظاماً عالمياً بينما هي ضرر مركز فى الباطن تتضمن استيلاء واقعياً على مقدرات الشعوب والأمم. 

–  فالعولمة أربعة أنواع:

1- عولمة ثقافية:

هي تعني تغريب الثقافات الوطنية بواسطة قوى الإعلام والتقنية الجديدة، وانتشار التوكيلات التجارية فى أسواق الدول وهي بهذا المفهوم نوع من الغزو الفكري والثقافي والقيمي على مستوى العالم كله وباسم العالم كله.

وتفرض نموذجاً معيناً ونمطاً محددا فى التفكير والقيم والسلوك ذات طابع غربي.

وإذا كانت أغلب الشعوب لا تقدس قيماً معيناً إلا على أنها مجرد أعراف ومصطلحات وقيم ومنافع، فان المتضرر الوحيد هم الذين يدينون بدين سماوي وفى مقدمتهم المسلمون لانهم أصحاب ثفاقة وقيم وأخلاق وسلوكيات مرتبطة بالوحي المعصوم وهي من الثوابت التي لا تقبل أدنى تغيير: كأحكام المرأة والأولاد والأسرة والعلاقات الدولية الخارجية والداخلية.,

فالرأسمالية استغلت انهيار النظام الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة بينها وبين المذكورة أخيراً والأن تريد فرض نموذجها الثقافي المنهار خلقياً، على كافة شعوب العالم بواسطة شراسة الآلة الإعلامية الغربية فلا قيمة أمام هذا الغزو الكاسح لثقافة أحد دون ثقافة غربية وخطر هذا الغزو واضح على الهوية الثقافية لبقية شعوب العالم, لأنه يقضي تدريجيا على الخصوصيات الثقافية والتقانة الوطنية والاستقلال الوطني والدولة الوطنية. وتمييع الفوارق بين الذكر والأنثى وذلك يهدد بإلغاء وحدة ثقافة الأمة ووحدة الوطن ووحدة التاريخ ووحدة المصير.

إن العولمة الثقافية تحاول دمغ القيم حول المرأة والأسرة وحول الرغبة والحاجة وأنماط الاستهلاك في الذوق والمأكل والملبس بدمغة عالمية واحدة.

إنها تحاول توحيد السلوك الفردي وتغيير الذات والقيم والسلوك والعلاقة مع الآخرين.

2- عولمة اقتصادية:

هذه هي أصل العولمة وأكثر أنواعها وضوحا وتركيزا لأنها تسعى إلى إبراز عالم بلا حدود واقتصادية وملء الساحة العالمية بنشاط اقتصادي عبر الشركات العابرة للقارات: مثل شركات السيارات في أمريكا واليابان وشركات الاتصالات العالمية كشركة {I.T.T} إن هذه العولمة ترتكز إلى مبدأ أساسي هو حرية التبادل ( التجارة) لأنها الكفيلة بتحقيق أعلى المكاسب.

ومخاطر هذا النوع أشد من الناحية المادية على وجود الشعوب الأخرى لأن العولمة في الأصل أو الأساس تكتل اقتصادي للقوى العظمى للاستثمار والظفر بثروات العالم، مواد الأولى وأسواقه، على حساب الشعوب الفقيرة والبلاد المتخلفة اقتصاديا لعدم توافر الشروط المنافسة الكاملة، فيما بين الدول الفقيرة والدول الغنية، دول الجنوب ودول الشمال.

ومن المعلوم أن الأقوى يغلب الأضعف.

وأصحاب التفوق الاقتصادي يحتلون الساحة فيزداد الأغنياء غنى، والفقراء فقراً، فهناك {20%} من دول العالم هي أكثر الدول ثراء وتستحوذ على { 84،7 %} من الناتج الإجمالي للعالم.

3- عولمة اجتماعية:

يراد بهذه العولمة احلال العادات والتقاليد والأعراف الغربية

محل الموروثات الدينية ولا سيما الإسلامية.

فلا قيمة ولا اعتبار لما يسمى بالعرض، ويروج لفردية النظام الأسري وإقرار العلاقات الجنسية الشاذة، وحرية انتهاب اللذات والشهوات والمتع الدنيوية بغير ضوابط وجعل الخيانة الأسرية من الرجل أو المرأة شيئا عاديا أو قضية فردية متعلقة بالزوج، ولا صلة لها بحق الله أو حق المجتمع في المفهوم الديني. فإن عفا الزوج عن انحراف أو فاحشة زوجية، فلا دخل للقضاء حينئذ.

وأدى هذه إلى ظهور أمثلة فاضحة مثل إنجاب أولاد بطريقة غير شرعية، ونحو ذلك من المهازل وإقرار البرلمانات زواج الذكور ببعضهم وكذلك الإناث….إلخ.

٤-عولمة سياسية:

وهي تعني الهيمنة السياسية الغربية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ومحو الإدارة المستقلة للشعوب والدول، فهي تتناقض مع وجود الدولة الوطنية المستقلة وتتطلب العولمة فتح الحدود أمامها ورفع الدولة يدها عن الحواجز الجمركية وتوفير حرية انتقال الأموال عبر البنوك التجارية وحرية تغيير أسعار الصرف بحسب أسعار السوق الدولية. وطبقاً لسياسة العرض والطلب ورفع الدعم عن المواد الغذائية وإنهاء وجود القطاع العام والإسراع في خصخصته.

وبذلك لا تكون وظيفة الدولة حماية الاقتصاد الوطني بل تشجيع الاستثمار الأجنبي وتهيئة الخدمات اللازمة، أي أن العولمة تتطلب الدولة الرخوة وليست الدولة القوية الوطنية المستقلة وحينئذ نكون أمام شمولية رأسمالية تضاهي الشمولية الشيوعية وتتعداها.

رأسمالية جارفة تسعى عبر الثقافة والتقنية وقوة المعسكر للإمساك بزمام الأنظمة السياسية من خلال نفوذها الدولي على الساحة العالمية واستغلال المنظمات الدولية. 

نقلا عن: (العولمة والعالم الإسلامي: حقائق وأرقام) بتصرف  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى