مقالات الأعداد السابقة

أفغانستان بعد 12 عاماً؛ هل ربحت فيها أمريكا؟!

 کانت أحداث 11 من سبتامبر يوما تاريخيا خطيراً في خارطة العالم، حادثة هزّت كيان العالم، وأثّرت في عقلية العالم البشري، وتغيير مصيره.

عقب أحداث 11 من سبتامبر ظهر بوش على شاشة التلفزيون ليعلن أنه لا فرق بين الإرهابيين الذين تولوا هدم المبنى التجاري العالمي وبين من آواهم من الإرهابيين، وعليه فيجب ملاحقتهما جميعاً.

ومن هنا احتشدت أمريكا وأوربا لغزو العالم الإسلامي بعلة استئصال الإرهابيين، وتوفير الأمن في العالم كمايدعون ، فصرفت من الأموال ما الله به عليم، وجاءت بالآليات المدمرة، والأسلحة الكيمياوية لتصبها على رؤوس الأبرياء من البشر الذين لا ناقة لهم في القضايا ولا جمل.

قام هذا الأخطبوط الاستعماري الذي أصابه مس من الجنون بكل غطرسته وقوته مصحوباً بغباء ممزوج ليفرض السيطرة على العالم الإسلامي، ويستعبد شعبه وصفوته، ويستغل موارده وممتلكاته، ووصل به الاستفزاز والكبرياء على أن يمثّل دوره الفرعوني ويقول بلسان حاله: أنا ربكم الأعلى.

كان العالم الإسلامي آنذاك قد غزي بغزو فكري كاسح من أقصاه إلى أقصاه ، وكان العالم الأميركي والأوربي على اطمئنان تام لما سيحوزون من النصر والغلبة، ولما يحصلون من الذخائر والمعادن في البلاد الإسلامية بعد غزو عسكري شامل، ولما سينجحون في صهر المسلمين في بوتقة الحضارة المسيحية المحرفة، خاصة وقد سقط آخر معقل للمسلمين ألا وهي الدولة العثمانية، وبالأمس القريب استوطن اليهود فلسطين فلم يحرك ذلك من المسلمين ساكناً وغير ذلك من الأحداث الجسام، والأوضاع المأساوية التي مرت في العالم الإسلامي، فكان غزو أفغانستان والعراق والبلاد الأفريقية طعماً سائغاً لهذا الأخطبوط،وكان المتوقع أن يسير كل شيء وفقاً لمخططاته المدروسة، ولكن هيأ بي لندرس الأوضاع بعد اثنتي عشرة سنة، ونجيب عن هذا السوال الذي لا يزال منقوشاً على جبين كل معني بأوضاع العالم، وهو هل نجحت أميركا وحلفائها في فرض السيطرة على المسلمين، وهل ربحت في هذا الغزو، وهل اكتسبت المعركة، وما هو مدى تأثر المسلمين بهذا الغزو، هل تركوا دينهم وانصهروا في بوتقة الحضارة الغربية؟؟.

فأما عن مدى تأثر المسلمين بالغزو وذوبانهم في بوتقة الغرب، فإن أمريكا قد باءت بالفشل حيث بالتزامن مع حملاتها انتفض العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وظهرت طلائع الحركات الجهادية في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي بكل قوة وحماسة، وأخذ المسلمون يعودون إلى الإسلام زرافات ووحداناً، وينقمون على أميركا فرض سيطرتها على بلادهم، وكانت النتيجة هي جهاد أفغانستان وهزيمة الحلف الصليبي الغاشم فوق هذه البقعة الجهادية المباركة .

وأما عن مدى ربح أمريكا وخسارتها ومدى نجاحها وإخفاقها في مخططاتها فالجواب أنها قد خسرت نهائياً ولم تظفر بشيء، لا في العراق، ولا في أفغانستان ولا في البلاد الإسلامية الأخرى.حيث قتل في أفغانستان والعراق من الجنود الأميركيين آلاف مؤلفة، وهذا بالأضافة إلى الخسائر المادية التي أدت إلى أزمة اقتصادية حادة في أمريكا.وانتحار الجنود الأميركيين في حصونهم المنيعة وعند العودة إلى بلادهم إلى حد الكثرة هي الأخرى من المآزق التي وقعت فيها أميركا.

ولا شك أن ما أنفقته أمريكا في أفغانستان من الأموال كان من أهم أسباب دخول أمريكا في الأزمة الاقتصادية، يقول المؤرخ الأمريكي بول كنيدي في كتابه “نشوء وسقوط القوى العظمى: “إن الحروب ونفقاتها الباهظة لعبت دوراً أساسياً في سقوط كثير من القوى العظمى خلال الخمسمائة سنة الماضية”.

ومنذ أن دخلت أمريكا إلى أفغانستان رأى أكثر المحللين السياسيين والخبراء العسكريين أن هزيمة الأمريكان في هجمتها هذه من الأمور الحتمية ولكن أمريكا برغم ذلك كانت مصرة على موقفها لسببين رئيسين: 

1- إثبات قدرتها للعالم على تدمير ومحو من يعاديها.

2- جعل العالم تحت قيادتها وخاصة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن .

ترى! ماذا حققت أمريكا في أفغانستان في المجال الإداري والسياسي والأمني والعسكري والاقتصادي والاجتماعيبعد هذا کله؟

الجواب إنهم لم يحقّقوا سوى الإتيان بحكومة عميلة متزلزلة، ولكن هل يكفيهم الإتيان بحكومة عميلة في أفغانستان؟

لقد استخدم الإنجليز شاه شجاع عام 1886م عميلاً لهم وقت هجومهم على أفغانستان ، وكذلك الروس الشيوعيون استخدموا ببرك كارمل عميلاً لهم وقت غزوهم لأفغانستان عام 1978م ولكن لم يستطع الإنجليز ولا الروس حراسة عملائهم أو توفير الأمن لهم ، حيث قتل شاه شجاع من قبل المجاهدين وأطيح ببرك كارمل وأزيح عن السلطة.و لیعرف الأمريكان أنه لن يكون العميل كرزاي أوفر حظًا من أسلافه “شاه شجاع” أو “ببرك كارمل” .

وما يزيدأخیرا من معدلات الإحباط للأمريكا تزايد العمليات الجهادية والهجوم المتكرر اليومي على قواعدهم ومعسكراتهم ، وارتفاع معدل سقوط الطائرات التابعة للجيش الأمريكي ، وقد اضطروا كثيرًا في الفترة الأخيرة بالاعتراف بالهجمات التي يشنها المجاهدون ولكن يمنعهم الكبر من ذكر أعداد القتلى والجرحى في صفوفهم.

يقول بول كيندي : “أعتقد أن ما تواجهه الولايات المتحدة هي صعوبات لا يستهان بها في أفغانستان.

إن أمريكا أصبحت اليوم لا تملك من أمرها شيئاً، ولا تستطيع أن تسيطر على جزء صغير من الأرض، إنها قد باءت بالفشل في جميع ميادينها، لقد قامت بدعايات ـ بعد أن فشلت في ميدان العنف والقمع ـ واسعة النطاق عبر وسائل الإعلام لتشويه سمعة المجاهدين،فزادهم الله شرفا وعزاً، فلما أخفقت لجأت إلى التطميع، وأنفقت من الأموال لتجلب قلوب المجاهدين وتغريهم بالمال، فلما خابت في ذلك أخذت تدعو الحركة إلى الحوار، والجلوس في طاولة المفاوضة، فلما لم تنجح بدأت تدرّب الجيش الأفغاني لتحويل المسؤولية إليهم، والخروج من أفغانستان نهائياً، فوضى في فوضى! لا يخرجون من مأزق إلا ودخلوا في أعنف منه، والحق أنهم دخلوا في نفق مسدود، لا يمكنهم الخروج منه إلا وهم متسربلون بلباس الذل والعار والهزيمة النكراء كما حدث لشقيقتهم الروس.أجل إنها بداية النهاية لأمريكا بإذن الله.

وقد حُقّ عليهم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ . الأنفال:36.

وأما مسؤولية المقاومة بعد الانسحاب:

إن القوات الصليبية ستنسحب ولا بد، وهي تجر أذيال الهزيمة والخيبة، ولكن المهم هو بعد الانسحاب، كيف تخطط الحركة، وما هي الاستراتيجية التي ينبغي للنهضة أن تتخذها؟

إن أول واجب القيادة الجهادية أن تقوم بها بعد الانسحاب تأسيس نظام قادرعلى حفظ المكتسبات الجهادية .

وكماهو معلوم للجميع أن هزيمة القوات أسهل بكثير من بناء النظام الصالح الذي ترنو إليه الأمة الإسلامية، وتتطلع إليه أنظار البشرية البائسة التي ملّت الحياة المادية الخادعة، ولتكن القيادة الجهادية على حذر تام من أن تضيع ـ لا قدّر الله ـ هذه الدماء الطاهرة التي أهريقت في هذه الأرض المقدّسة في سبيل تكوين هذا النظام المثالي .

إنها مهمة لتنوء بالعصبة أولي القوة الذين وهبهم الله تعالى فكراً صائباً، ونظراً ثاقباً، وخبرة بأحوال الأمة الإسلامية والعالم المعاصر.

وإنه لحري بهذه الفئة التي تصدت أكبر أمبراطورية على وجه الأرض بأبسط الوسائل المادية، وألحقت بها الخسارة الفادحة، لجدير بهذه الجماعة أن تنهض لتعلب دورها في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن، وأصيب العالم الإسلامي بشلل فكري، وأزمة اقتصادية وعسكرية فادحة.

لقد جاء دور أفغانستان ليمثل عهد الخلافة الإسلامية المفقودة ويحيي دور الإمبراطوريات الإسلامية الكبرى كالعثمانية والمغولية وغيرها بإذن الله تعالى، وحينئذ يفرح المؤ منون.

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173). الصافات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى