معتقل (بغرام) الأمریكي والتلاعب بمصیر 4500 معتقل مسلم
حین نتحدث عن (معتقل بغرام) الأمریكي یكون هدفنا هو الحدیث عن مصیر4500 معتقل مسلم یقبعون منذ سنین لدی الجیش الأمریكي في أكبر معتقل أمریكي خارج أمريكا في ولایة (بروان) الأفغانیة علی بعد 60 كیلومتراً من العاصمة (كابل). وبدل أن تفكر أمریكا في حقوق هؤلاء المساجین الأبریاء ظلّت تلعب بمصیر هؤلاء وتستغل قضیة هذا السجن كورقة الضغط واللعب في الألاعیب السیاسیة والإعلامیة بكل قساوة ولا إنسانیة.
منذ فتره طویلة یتحدث الإعلام العالمي والمحلي عن معتقل (بغرام) الأمریكي في أفغانستان وعن مصیر المعتقلین فیه، وهناك مساومات بین أمریكا والحكومة العمیلة في (كابل) علی امتلاك زمام أمور هذا المعتقل، وبعد مشاجرات تصنّعیة رضیت أمریكا بتسلیم ملفات بعض المعتقلین إلی إدارة (كرزای) العمیلة.
والهدف من جمیع أطوار هذه اللعبة هو إظهار أمریكا عمیلها (كرزای) للعالم والشعب الأفغاني في صورة رئیس یتمتع بالاستقلال والسیادة الكاملة، لأنه یستطیع أن یطالب أمریكا بتسلیم إدارة هذا السجن إلی الحكومة الأفغانیة العمیلة.
وفي نفس الوقت ترید أمریكا الهاربة من أفغانستان أن تُظهر بهذه المسرحیات أن (عملیة نقل السلطة) إلی الحكومة الأفغانیة مستمرّة، وأنّ الإدارة المهترئة في(كابل) تقدر علی استلام زمام مثل هذا السجن الشهیر عالمیاً.
ولكن ضحیة هذه اللعبة المنافقة هم أولئك المساجین الذین یبلغ عددهم إلی 4500 سجّین في هذا السجن الجائر.
كان معتقل (بغرام) فیما سبق یشتمل علی جناحین باسم ( مین فلور) و (كسپین)، وكان فیهما قرابة (650) معتقلاً فقط، إلا أنّه تم توسيعه مؤخراً أكثر مما كان یتوقع، وقد أوجد فیه الأمريكيون 9 أجنحة أخری، ووُضع فیها 4500 سجیناً.
وتعترف حكومة (كرزای) العمیلة مثل بقیة المؤسسات العالمیة بأن معظم معتقلی هذا السجن هم من الأبریاء وعامة الناس الذین ساقتهم القوات الأمریكية من مناطق الحرب لإرواء غلیل الانتقام من المجاهدین الذین یحاربونهم في أرجاء أفغانستان، والذین یوجد فیهم الأطفال الذین لا تزید أعمارهم عن 12 سنة، كما یوجد فیهم الشیوخ الذین یبلغون من العمر 70 سنة. وكثیراً ما یحدث أن یكون الأمريكيون قد داهموا بیتاً من بیوت عامة الناس وساقوا معهم جمیع رجال تلك العائلة إلی هذا السجن. ولذلك تجد كثیراً من مساجین هذا السجن لم یبق في بیوتهم من الرجال أحد.
معتقل (بغرام) من المعتقلات الأمریكیة التي لا تخضع لأي قانون، ولا یملك المعتقلون فیه حق طلب المحاكمة وحق طلب المحامي، كما لا یملكون حق اللقاء المباشر مع ذویهم، ولا حق السؤال عن مصیرهم.
یقول المعتقلون في هذا السجن بأن هذا السجن هو أسوأ بكثیر من سجن (غوانتانامو) السیئ السمعة عالمیا، لأن سجن (غوانتانامو) فیه فرصة العرض علی المحكمة ولو شكلیاً. أما سجن (بغرام) فلا یوجد فیه حق طلب المحاكمة ولا حق طلب تعیین المصیر.
وقبل فترة حین زار وفد من إحدى مؤسسات رعایة حقوق المساجین في (كابل) هذا المعتقل فكانت المطالبة الوحیدة لـ (2700) سجّین هي أن یقدَّموا للمحكمة لیتعیّن مصیرهم. وكان معظم المساجین في هذا المعتقل قد قالوا لذلك الود بأنهم لا یعلمون لماذا سجنوا؟ وما هي جریمتهم؟
كان من مساجین هذا السجن أحد رعاة الغنم من ولایة (قندهار) وهو رجل كبیر في العمر. أمضی هذا الشیخ الراعي 6 سنوات في معتقل (بغرام)، وكان هو أیضاً من الأبریاء الذین لا یدرون لماذا سجنه الأمريكيون؟
یحكي هذا الشیخ قصته ویقول: ((كنت أرعی قطیع غنمي في بعض صحاري ولایة (قندهار) أصابني عطش شدید، وفي هذا الوقت تراءی لي في الصحراء رتل للدبابات الأمریكیة، وبما أنّ العطش كان قد بلغ مني مبلغاً فتوجهت صوت الرتل الأمریكي لعلي أصیب منهم ماءً للشرب. وحین ذهبت إلیهم بدل أن یسقوني ماءً عصبوا عینيّ واعتقلوني وأخذوني إلی سجن (بغرام).
وفي (بغرام) أجروا معي تحقیقات طویلة ومستمرّة ولكنني في كلّ مرّة كنت أقول لهم بأنني راعي الغنم و قد رعیت كل عمري الغنم، ولا أدري غیر ذلك. إنّهم كانوا یسجّلون مني هذه المعلومات بشكل متكررّ، وأسئلتهم في التحقیقات أیضا كانت حول الرعي والغنم، إنهم لم یجدوا معي في التحقیقات سوی الرعي والغنم، ولم یسجلوا في ملفي غیرهما، ولكن علی الرغم من ذلك كله حبسوني في (بغرام) لستّ سنوات كاملة.
قصة الراعي القندهاري لیست هي الوحیدة من نوعها، بل هناك آلاف من الأفغان الأبریاء وُضعوا في هذا السجن لسنوات دون أن یُعرف سبب اعتقالهم أو جریمتهم.
ومن أعظم مشاكل المعتقلین في معتقل (بغرام) هو عدم إعطائهم الفرصة للقاء المباشر بذویهم، والإمكانية الوحیدة للقاء هي عن طریق الفیدیو في الانترنت لدقائق معدودة.
وبما أنّ زائري المعتقلین یجب أن يخضعوا للتفتيشات الشدیدة والمهینة من قِبَلِ إدارة السجن فلا یرغب معظم ذوي المساجین وبخاصة النساء زیارة مساجینهم وقد حدث مرارً أن زُج بالزائرین أیضا في السجن باتهامات غیر صحیحة، وهذا مما أعاق زیارات الأسر الأفغانیة لذویها في معتقل (بغرام) الأمریكي.
وإذا أرادنا أن نكتب عن المظالم والتعذیب وعن همجهیة الأمریكیین فإن المقال سیطول جداً. ومما یذكر عن هذا السجن أن هناك قسم في هذا السجن اسمه (المعتقل الأسود) الذي لا زالت كثیر من المعلومات حوله خافیة علی الناس، ویقال بأن المساجین یلقون في (المعتقل الأسود) أصنافاً من العذاب النفسي والجسدي.
أمّا ما تحدّث عنه الإعلام العالمي والمحلي من تسلیم إدارة السجن إلی الحكومة الأفغانیة العمیلة فیحكي عنه أحد المعتقلین الذین من الله علیه بالخروج منه وهو المولوي (حضرت یوسف) من سكان مدیریة ناوه في ولایة (غزنی) و یقول :
((إنّ قضیة هذا التسلیم مجرّد مسرحیة للاستهلاك الإعلامي، ولیست له أية حقیقة، لأننا رأینا حقیقة التعامل بین الجنود الأمریكیین والمسؤولین الأفغان)) یضیف المولوی حضرت یوسف ویقول:
(إنّ المعاملة التي یلقاها المسؤولون الأفغان من الأمریكیین في (بغرام) هي معاملة التحقیر والإهذانة، وإذا سلّمهم الأمريكيون بعض الصلاحیات فإنّ تلك الصلاحیات مهدّدة بالسلب منهم في كلّ لحظة)). َ
ویستدلّ المولوي حضرت یوسف لما یقوله علی قصة الدكتور (أشرف غني أحمدزی) مسؤول لجنة نقل السلطة من المحتلین إلی الحكومة العمیلة كیف ظهر عجزه أمام حارس من حرّاس السجن الأمریكیین.
یقول المولوي حضرت یوسف :(كان الدكتور (أشرف غني أحمدزی) جاء ممثلا عن الحكومة للقاء بالمعتقلین فطلب منهم أن یكتبوا له شكاویهم لیأخذها معه للحكومة الأفغانیة، فقال له المعتقلون إنكم لا تملكون مثل هذه الصلاحیات، ولكن الدكتور أحمد زی قال بتفاخر واعتزاز بأنه رئیس لجنة نقل السلطة إلی الجانب الأفغاني فكیف لا یملك مثل هذه الصلاحیات؟ وأضاف بأنهم أصحاب قرار وصلاحیة كاملة بعد الیوم، وأنه جاء إلیهم ممثلا عن رئیس الدولة حامد كرزای، فاكتبوا لي شكاویكم في ورقة وناولونیها. فكتب المعتقلون شكاویهم وأعطوها إیاه.
ولما رأی الجندي الأمریكي الورقة في ید الدكتور أحمد زی هجم علیه وأخذ منه الورقة بالقوة ومزقها، وقال له بأنك لا تملك حق إخراج أیة ورقة من هذا السجن، لأن السلطة علی السجن لنا ولیست لكم. وحین أحس الدكتور أحمدزی هوانه أمامنا انتقع لونه وأراد أن یفعل ما یعید له ماء وجهه فقال للجندي الأمریكي إن هذا البلد بلدي ویحق لي أن أفعل فیه ما أشاء.
فرد علیه الجندي الأمریكي وقال: لا شك أن البلد لكم ولكن السلطة علیه الآن لنا. وحین رأی السجناء هذا الموقف المخزي لرئیس لجنة استلام السلطة ضحكوا علیه، فقال لهم الدكتور أحمدزی : لا بأس إن ذاكرتي قویة جدا وسأنقل شكاویكم لرئیس الدولة شفهیا)).
فبالنظر إلی هذه الحادثة یدرك المرء أن المشاجرات الجاریة علی أمر السیادة بین أمریكا والحكومة العمیلة علی سجن بغرام إنما هي مجرد مسرحیة لإكساب الحكومة العمیلة وجاهة ومصداقیة. وبدل أن تلعب أمریكا بمصیر المعتقلین یجب علیها وعلی الحكومة العمیلة أن تعطیا المعتقلین حقهم الطبیعي وهو الحریة الكاملة، وأن تطلقا سراح 4500 معتقل من الشباب والشیوخ والأطفال لیعیشوا مع أهلیهم أحرارا.