الأرض تميد تحت أقدام العملاء

عرفان بلخي

 

مضى الشتاء ببرده القارس وسخونة معاركه، وذاق العملاء طعم الهزيمة في كل الميادين. والمؤشرات تدل على أن الربيع هذا العام سيكون ربيع النصر والفتح بإذن الله؛ لأن الأبطال الأشاوس قد بذلوا جهودهم لتحرير البلاد والعباد، وهذه سنة الله في الكون أنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. فإنه لا يغير نعمة أو بأساء، ولا يغير عزاً أو ذلة، ولا يغير مكانة أو مهانة ولا العبودية أو الحرية، إلا أن غيّر الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، حينها يغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم.

قلنا إن العملاء انهزموا على جميع الأصعدة. فقد بات الجيش الأفغاني ينخره الفساد ويستولي ضباط فيه على رواتب لآلاف “الجنود الوهميين”، ويبيعون أحياناً الأسلحة إلى حركة طالبان الاسلامية. وفي هذا الصدد، قال المفتش العام لمنظمة (إعادة إعمار أفغانستان) جون سوبكو: أن قادة عسكريين أفغاناً غالباً ما يستولون على رواتب تمولها الولايات المتحدة لجنود لا وجود لهم إطلاقاً إلا على الورق. وأضاف: إن هؤلاء”الجنود الوهميين” عددهم كبير جداً، وقد يبلغ على الأرجح عشرات الآلاف. وعلى صعيد آخر، وفق الأنباء الموثوقة، انضم آلاف من الجنود إلى صفوف المجاهدين، وقد رحب المجاهدون بهم أيما ترحيب.

وعلى صعيد متصل، أشار تقرير أميركي رسمي إلى أن الخسائر التي مُنّي بها الجيش الأفغاني خلال المعارك عام 2016م تفوق تلك التي تكبدها عام 2015م، ولا سيما في قتاله المجاهدين منذ انسحاب قوات التحالف أواخر 2014م. وكان العام 2015م موجعاً للقوات الأفغانية التي خسرت خمسة آلاف قتيل و15 ألف جريح، معظمهم في المعارك ضد المقاومة الإسلامية، لكن خسائر السنة 2016م سجلت مزيداً من الارتفاع، حيث قُتِل بالإجمال 5823 عنصراً من قوات الأمن، وأصيب 96851 جنديا.

وعند تسويد هذه الأسطر، قرأنا خبراً ساراً يفيد بأن ثلاثة جنود أمريكيين قتلوا وأصيب خمسة آخرين منهم يوم الأحد 19 مارس، بعدما فتح جندي أفغاني النار عليهم في قاعدة شوراب بإقليم هلمند بجنوب البلاد.

و استشهد الجندي المجاهد برصاص الأمريكيين بعد إطلاقه النار عليهم في القاعدة الجوية في نحو الساعة الثالثة مساء بالتوقيت المحلي. وتمثل الهجمات التي ينفذها الجنود الأفغان الأبطال على الجنود الغزاة والمعتدين أو على زملائهم العملاء؛ هزيمة نكراء للمحتلين والعملاء على حد سواء.

هذا والحق يُقال أن كل من التحق بالقوات الأمنية في البلاد المحتلة وتحت إدارة الاحتلال ليس بالضرورة بائع لوطنه عميل ومخلص للعدوالمحتل، وإنما لأن العدو لم يترك له فرصة للعمل والعيش بعد هلاك الحرث والنسل في البلاد إلا بالالتحاق بالقوى الأمنية العميلة؛ ولهذا يتم تسجيل أعداد من المواطنين في سلك الشرطة والجيش الوطني والحرس، فهو كما يسمونه التحاق المضطر، وعندما تحين الفرصة المواتية يكون هو نفس مجاهد الأمس، قاتل أعداء البلاد والعباد، ينتظر الفرصة السانحة ليعمل عمل المجاهد البطل، وينخر الجيش من داخله بأفظع الهجمات. وإن تصاعد الهجمات التي يشنها الجنود الأفغان على رفاقهم الجبناء، تكتيك نموذجي لكسر شوكة الجنود وانهيار معنوياتهم، فعلى سبيل المثال:

نشرت وكالات الآنباء خبراً مفاده أن ثمانية عناصر من الشرطة من عائلة واحدة قُتِلوا، في أول حادثة من العام الجاري 2017م برصاص زميل لهم، وعاد المهاجم -فيما بعد- إلى معقله السابق. وأوردت الوكالات أن “أربعة شرطيين مع أربعة متدربين من الشرطة تم تخديرهم من قبل زميلهم، حيث قام بعد ذلك بإطلاق النار عليهم، على حاجز للشرطة في إقليم المار”، في ولاية فارياب شمال البلاد. وأضافت: بعد أن تمكن الجندي من قتل ثمانية أشخاص، التحق بقوات الإمارة الإسلامية.

ويعود آخر حادث من هذا النوع إلى نهاية سبتمبر 2016م، عندما قام جنديان أفغانيان بإطلاق النار على 12 من رفاقهم خلال نومهم في ثكنة في ولاية قندوز، وأخذا معهما جميع الأسلحة والعتاد.

كما أُعلِن بتاريخ 28 فبراير 2017م، أن شرطياً أفغانياً أطلق النار وقتل 11 من زملائه عند حاجز في ولاية هلمند جنوب البلاد، ووقع الهجوم في وقت متأخر من الليل بينما كان الشرطيون نائمين في ثكنتهم في لشكرجاه كبرى مدن الولاية.

وقال مسؤول محلي لوكالة فرانس برس حينذاك: «إن شرطياً مرتبطاً بطالبان أطلق النار على 11 من زملائه، مما أدى إلى مقتلهم جميعاً»، وتابع المسؤول: «أخذ منفذ الهجوم معه كل الذخائر والأسلحة النارية». وقال ضابط من مركز قريب: «إن جثث الشرطيين التي غطتها الدماء كانت منتشرة حول الحاجز، ومعظمها تعرض لإطلاق نار من مسافة قريبة».

لا جَرَم أن قوات الأمن العميلة تواجه صعوبة في التصدي لقوات الإمارة الإسلامية، وتعجز عن تفادي مثل هذه الهجمات، كما أنها تسجل خسائر كبيرة وعمليات فرار من صفوفها حيناً بعد حين.

وتسيطر قوات الإمارة الآن على أغلب مناطق البلاد، لاسيما إقليم هلمند، بما فيها مناطق في العاصمة لشكرجاه، وقد تكبدت القوات البريطانية والأميركية أكبر خسائرها في الحرب في الإقليم خلال سنوات من القتال. وتسيطر قوات الحركة الآن على 12 من أصل 14 إقليما في ولاية هلمند جنوبي البلاد، وقد فرضت قوات الإمارة الإسلامية يوم 24 مارس سيطرتها على منطقة “سنجين” الاستراتيجية في ولاية هلمند جنوبي البلاد.

وفي واقعة أخرى بتاريخ 10مارس بإقليم زابل، في جنوب شرق البلاد، أفادت الأنباء بأن شرطيين منشقين قتلا ثمانية من زملائهما، وانضما إلى حركة طالبان الإسلامية.

وفي هذا المضمار، قتل شرطي أفغاني، يوم الخميس 24 مارس، 9 من زملائه في ولاية قندوز شمال البلاد. حيث قتل زملائه أثناء تواجده على رأس عمله في مخفر بمنطقة قازاك التابعة للولاية المذكورة. ثم خرج من المخفر مصطحباً معه أسلحة جميع زملائه.

ويشكل أسلوب الهجمات من الداخل، أي عندما يستخدم جنود أفغان أو عناصر من الشرطة السلاح ضد زملائهم أو ضد القوات الأجنبية، مشكلة كبيرة للقوات الأفغانية خلال الحرب المستمرة منذ 16 عاماً، وساهم هذا الأسلوب في خفض معنويات أفراد الجيش والشرطة وأشاع جواً من انعدام الثقة فيما بينهم.

وعلى الصعيد نفسه، حذر الحلفاء والأمريكيون، من أن القتال سيتصاعد في أفغانستان هذا العام مع تصعيد حركة المقاومة الإسلامية والذي يجعل الحكومة لا تسيطر إلا على أقل من 50% من أراضي البلاد.

كما طلب الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية، أخيراً المزيد من القوات الأمريكية للانضمام إلى زهاء 8400 جندي أمريكي في أفغانستان.

لاشك أن شعبنا شعب مقاوم، قاوم أشرس أعداء الإنسانية وأعتى قوة في العالم، والتي تملك بين يديها الحلف الأطلسي، خلال أكثر من عقد ونصف من الزمن. ولاشك أنه شعب غيور على دينه وبلده، لم يتزعزع إيمانه من خوف أو موت، وهذه أرضه التي رواها بدمه الزكي مراراً، ولا يزال يقدم المزيد من الجماجم والدماء والأرواح والشهداء لاسترداد الحرية واستتباب الأمن والاستقرار. وهو الشعب الذي أذاق الطواغيت والجبابرة قبل ذلك مرارة المنايا والخسائر الفادحة، واليوم عندما يعيد التاريخ نفسه، فليس عجباً أن الشعب كله يقاتل ضد الغزاة و يقاوم المعتدين، فكلٌ يقاتل في جبهته و خندقه، حتى سلط الله على جند الأعداء رفاق دربهم في الحرب والقتال.

لقد أراد الاحتلال والعملاء أن يكسبوا الحرب بالآلة العسكرية، ومن المعلوم أن كسب الحرب في ميدان الأفكار والمعتقدات لا يكون بالبطش والجبر والآلة العسكرية، ولا بالحرب المدمّرة ولا بإلقاء القنابل العملاقة واستخدام طائراتٍ من دون طيار ولا بتلفيق التقارير الكاذبة المختلقة والترهات الباطلة، فإن شعبنا الأبي مسلح بسلاح الإيمان، ومن ثم بالعزّ الذيْن لا يتوفران في مخازن أسلحة أمريكا الحديثة ولا في مخازن حلفائها الأنذال، ولا يملك العدو وسائل دفاع أمام ذلك السلاح الفذ العجيب. ونحن على يقين أن سلاح الإيمان سينتصر في النهاية على سلاح المادة بمشيئة الله عز وجل كما انتصر قبل ذلك مراراً في أحقاب التاريخ.