دروس من بيان أمير المؤمنين حفظه الله ورعاه

alemarahFlag

alemarahFlagازداد عيد الفطر بهاءاً ببيان التهنئة من أمير المؤمنين الملا محمد عمر المجاهد – حفظه الله – للأمة الإسلامية وللشعب الأفغاني المجاهد. ومن اطلع على البيان بعين المتأمل تيقّن كم هذه الأمة الإسلامية محظوظة بأن كان الملا محمد عمر أحد رجالاتها الأفذاذ وأحد أعلامها الفضلاء، وكم امتنّ الله – سبحانه وتعالى – على الشعب الأفغاني بأن جعل مثل هذا القائد العظيم الكريم الحكيم يقود جهاده المشرّف ويمسك بزمام الأمور فيه. صِدقاً لقد كان البيان مدرسة بحق في السياسة الشرعية، وفي الثبات على المبادىء، وفي الحكمة والكياسة، وفي تحمل المسؤولية والحفاظ على الأمانة، وفي التمسك بالأخلاق الإسلامية والتحلّي بالأخوّة الإيمانية.

وارتكز البيان في مجمله على عشرة نقاط أساسية، حرص أمير المؤمنين حفظه الله على بيانها والتأكيد عليها، وفيها تتجلى الشخصية الرائعة ومنقطعة النظير – في هذا العصر – لهذا القائد العظيم.

فالمجاهد الصنديد، الأبي، الشجاع، الساكن في أعماق الملا محمد عمر يتحدث في النقطة الأولى، ملخصاً أوضاع البلاد التي لا زالت تئن تحت ظلم الاحتلال الأمريكي ودُماه التي صنعها لتكون قناعاً يتخفّى به ليدير البلاد كيفما شاء. كما يؤكد على فرضية الجهاد العينية في أفغانستان والتي لاتزال قائمة حتى يتم أمران: 1 – طرد المحتلين المعتدين من البلاد، وتطهير كامل التراب الأفغاني من رجسهم ورجس مخلفاتهم. 2 – إقامة النظام الإسلامي في البلاد، وتحكيم شريعة رب العباد.

أما السياسي الشرعي المحنّك فيتجلى في النقطة الثانية من البيان، فيأخذ من سيرة خير البرية – صلى الله عليه وسلم – قبساً يستضيء به مسيرة هذا الجهاد الأشم الذي لازال يتوقّد إصراراً ويتضرّم أنَفة وعزة. مع التأكيد على أن طرق أبواب التفاوض مع العدو حول قضايا تعود بالخير على الشعب الأفغاني المسلم (والتي كان أحد نتائجها البسيطة تحرير القادة الخمسة من مقبرة الأحياء (غوانتنامو) بصفقة تبادل مع الأسير الأمريكي لدى الإمارة الإسلامية)، أقولُ هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال إلقاء السلاح جانباً والركونُ إلى الذلة والتبعية للعدو. فجهاد الإمارة الإسلامية في هذه المرحلة سائر على خطين متوازيين تماماً، مهتديين بهدي الشريعة الإسلامية الغرّاء: خط سياسي شرعي، وخط جهادي مسلّح، لا يطغى أحدهما على الآخر. أما قول الملا محمد عمر حفظه الله: (فلیكن جمیع المجاهدین والشعب الأفغاني علی ثقة واطمئنان بأنّني سأدافع دفاعاً قویاً عن الموقف الشرعي في كل مجال) فيغنينا عن ألف مقالٍ ومقال، وما تمنيتُ شيئاً كما تمنيتُ أن يأتي أولئك الذين يلعبون بمصير شعوبهم المستضعفة ويتاجرون بقضايا المسلمين بيعاً وشراءاً باسم السياسة ليتتلمذوا في مدرسة الملا محمد عمر حفظه الله ويثنون الركب طالبين العلم في مسائل السياسة الشرعية لا سياسة الذل والعمالات وبيع الضمائر والتضحيات.

بعد ذلك، يحدّثنا القائد الأريب، الخبير، المدرك لعواقب الأمور، في نقطة البيان الثالثة، عن أهمية وحدة الصف الجهادي وإحكام تراصّه، بل يكاد يرتقي الأمر في حال أفغانستان بالذات من الأهمية إلى الوجوب؛ لما شهدته – عياناً لا سماعاً – بداية التسعينات الميلادية من عواقب تعدد الصفوف الجهادية، حيث الاقتتال الداخلي، وضياع تضحيات المخلصين والصادقين، وتسلّط ذوي الأهواء وطلّاب المنافع الدنيوية على الشعب المنكوب، وتفشي الفوضى والظلم والجرائم…الخ

ومن أراد أن يستزيد في عواقب تعدد الصفوف الجهادية بعد دحر العدو الصائل فليمسك أي شخص من الشعب الأفغاني عاش تلك الحقبة وليسأله عن مآسيها، ولا ينبئك مثلُ خبير!

ولا ننسى أن العدو المحتل بذل جهوده، ولازال يمكر ويخطط لتمزيق جسد الجهاد في أفغانستان عبر بثّ الأراجيف والأكاذيب والشائعات التي تأنفها وتشمئزّ منها آذان المؤمنين والمؤمنات. وإنه لخلل في إيمان المرء وأمر معيب جداً في حقه أن يوكل مهمّة التفكير إلى أذنيه بدلاً عن عقله فيردد كالببغاء ما يبثه أعداء الله ورسوله ودينه من افتراءات وأراجيف يريدون بها زعزعة وفضّ الجماهير المسلمة عن الجهاد والمجاهدين.

أما المسؤول الحافظ لحقوق رعيته، المدرك لواجباته، الناظر بعين الغد الواعد بعد اندحار العدو من البلاد، فيطل علينا في النقطة الرابعة من البيان، حيث التأكيد على أخوّة الإسلام ورابطة الإيمان، لا الروابط القومية أو القبلية أو العرقية أو غيرها من روابط الولاء الجاهلية القبيحة، وأن هيكل الإمارة الإسلامية قائم على الكفاءات من جميع مناطق أفغانستان، فلا مكان للعصبيات القومية الجاهلية في جسد الإمارة وإداراتها. كما يأتي التأكيد على إقامة علاقات للتعامل مع دول العالم على ضوء الشريعة الإسلامية، بصفة أفغانستان أحد مكوّنات هذا العالم، فمن غير المعقول أن تعيش بلاد بشعبها في عزلة عن العالم دون تعاملات اقتصادية، صناعية، صحية، معدنية، زراعية، علمية… وغيرها من أنواع التعاملات البديهية لأي بلاد في العالم.

وفي النقطة الخامسة للبيان، يبرز العارف بمكر العدو، المطّلع على مكائده، ليخاطب بلغة العقل أولئك الذين يرخون أسماعهم لترّهات العدو وما يذيعه من باطل وزور حول تبعية المجاهدين لدول وأنظمة! فبالأمس القريب يدعي العدو تبعية المجاهدين لباكستان ثم يُشيع الآن تبعيتهم لإيران، والعلم عند الله أي دولة سيختار غداً ليدّعي تبعية المجاهدين لها! فمن يدري قد يخرج علينا العدو حينها ليدّعي تبعية المجاهدين له هو ذاته! ومثل هذه الترّهات المضحكة أسخف من أن تُفنّد أو أن يُلتفت إليها؛ لأن العقول الضيّقة تعجز عن فهم كيف تتغلّب العقيدة الإيمانية على الآلة العسكرية في ميدان الحرب، وتعجز عن إدراك أن الجهاد الذي ترعاه عين الحي القيوم من فوق سبع سماوات أعظم وأجلّ من كل ماديات البشر ومن آلاتهم ومن موازينهم وحساباتهم القاصرة؛ ولذلك هي ببساطة تعزو سبب انتصار المجاهدين إلى دعم دولي افتراضي. ولو أن أمثال هؤلاء أمعنوا التفكر في حال التحالف الهمجي الذي اعتدى على أفغانستان عام 2001م وتبعاته بعد ذلك، لأدركوا ضلوع الجميع في هذا العدوان الغاشم الذي تزعّمته أمريكا الدموية.

وفي نقطة البيان السادسة، يردّ المسلم العالم بأحوال بلاده وعلمائه على أحد أبرز مزاعم أعداء الله ضمن حملاتهم التي شنوها على الإمارة الإسلامية لتشويهها في أذهان العالمين، ألا وهو ادعاء أن الإمارة الإسلامية تحارب العلوم الحديثة وتمنعها، وهذه كذبة صلعاء قرعاء، مثيرة للضحك والاشمئزاز في آن واحد! فلعله غاب عن هؤلاء أن الإمارة الإسلامية ليست كنيسة أوروبية تحارب العلم وتقمع العلماء وتصارع كل محاولة للابتكار والتقدّم كما كانت تفعل الكنيسة الأوروبية في عصور ظلامهم لتستعبد البشر وتسرق الأموال وتعطي وتمنع صكوك العفو والغفران! فالدين الإسلامي حثّ على العلم وعلى العمل وهو عين ما تسير على ضوئه إمارة أفغانستان الإسلامية، قبل أن تدمّر البلاد وتقتل العباد جيوش الكفر الغازية والتي هي الآن إلى زوال واندحار بإذن الله تعالى.

أما النَفَس الأبوي العطوف والرحمة الدافئة التي أودعها الله سبحانه وتعالى قلوب المؤمنين والتي تشربت بها روح الملا محمد عمر حفظه الله فتظهر وضيئة ناصعة ساطعة في نقطتي البيان السابعة والثامنة، حيث يذكّر – حفظه الله – أبناءه المجاهدين بأمرين لا ينبغي الغفلة عنهما أبداً مادام في الروح نبض: 1 – الغاية الأعظم والهدف الأسمى من جهادهم والذي من أجله خرجوا وودّعوا أهليهم وهو إعلاء كلمة الله تعالى ونيل رضوانه وامتثال أمره. 2 – معاملة الشعب الصابر المجاهد بالتي هي أحسن، ورحمة صغيرهم، وتوقير كبيرهم، والعمل قدر المستطاع لتجنيبهم الخسائر التي قد تقع في صفوفهم، والتي لأجلها أُنشئت لجنة خاصة بهذا الشأن (لجنة منع وقوع الخسائر في صفوف المدنيين). لم تقتصر الروح الأبوية الساكنة جوانح الملا محمد عمر – حفظه الله- على الأبناء المجاهدين وعلى الشعب الصابر، بل تعدتهما حتى لأولئك الجهلة المخدوعين من الأفغان الذين اصطفوا إلى جانب الأعداء انخداعاً بحملاتهم التغريرية، فكانت دعوته – حفظه الله – للمجاهدين بالاجتهاد في إنقاذ أولئك المخدوعين من منحدرات الباطل ودعوتهم إلى الحق وتعليمهم إياه، وأن يكون الحرص على انتشالهم من الظلال أشد من الحرص على قتلهم، ولنا ولكل قارئ منصف أن نقف مليّاً ومليّاً جداً عند العبارة التالية والتي أصابتني بقشعريرة؛ لعظمة معانيها: (ولیكن فرحكم بإصلاحهم من أن یكون بقتلهم، لأنّ أُسَرَهم وأیتامهم سيبقون عناءً للمجتمع، وأنتم ستتحّملون رعایتهم في المستقبل، وإنّ الله تعالی قد مدح الذین یكظمون غيظیم ویعفون عن الناس حیث یقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))، يا الله! ومن في هذا العالم المتلاطم بالصراعات الطاحنة كان سيأبه لرعايا مخالفيه!! بل من كان سيلقي بمسؤولية رعاية من يعولهم المخالف -الذي هو في صفوف العدو- على جنوده!!. هذه الروح القيادية، المسؤولة، العظيمة التي تسكن أمير المؤمنين هي بحق روح يقل نظيرها – إن وُجد لها نظير أصلاً في هذا الزمان – وقلّما يجود بها التاريخ. وصدق القائل:

وأذكر ماجداً شهماً شُجاعا ** لأوصافِ القيادة مُستــــحِـقُّ
ومهما قلت لن أوفيه حقّـا ** ولـن يحصيــه بالأوصــافِ رَقُّ
سليلُ الخيـرِ معطاءٌ حليمٌ ** من الأمجاد قدْ ألقـــــاه عرقُ
يراه الرعبُ يحسبـُهُ المنايا ** يصيبُ الجيشُ إذْ يلقـاه فَتـْـــقُ
ويعطي أمة الإسلام عـــزا ** ودرب النصـــر في عزم يشقّ
أميُر الأسْدِ في آسـاد (كابلْ) ** أقام الدين بالهيْجــا يُحــِـقُّ
وملاّ في مواكبِهِ ليــــوثٌ ** من البشتـونِ إيمانٌ وصـدقُ

أخيراً يذكّر الابن البار، الناصح، أمته الإسلامية – في النقطتين التاسعة والعاشرة من البيان- بواجبها الذي افترضه الله عليها بالجهاد بالنفس والمال والعلم وبكل وسيلة يمكنها بها مجاهدة الأعداء الغزاة الذين لازالوا يتسلطون بكفرهم على أفغانستان برّاً وجوّاً، وأن جهادهم فرضٌ من الله – سبحانه وتعالى – تجاه أفغانستان التي هي أحد أعضاء الجسد الإسلامي الممتد في هذا العالم، كما يذكّر أمته المسلمة بواجب مشاركة المرابطين والمحتاجين والمساكين في عيدهم وإدخال البهجة والسرور على نفوسهم، وهو الواجب الذي لا منّة فيه لأحد على أحد. كما جاء تذكير المسلمين بضرورة خلع رداء الخلافات الداخلية والالتفات إلى العدو الحقيقي الذي يتربّص بهم الدوائر ويحرق أرضهم ويستبيح مقدّساتهم، والتي لا رابح فيها أكثر من العدو اللدود، ولا خاسر فيها أكبر من الشعوب المسلمة التي تُسام سوء العذابات.

كانت هذه الدروس العشر من النبع الزلال الرقراق لمدرسة الإمارة الإسلامية متمثلة بأميرها الملا محمد عمر المجاهد – حفظه الله ورعاه وثبّته – وهي جديرة بالاقتداء والسير على أثرها، حيث لا تكاد تكون مرّت بالشعوب الإسلامية نازلة إلا وقد سبقت على الشعب الأفغاني المسلم.