شهداءنا الأبطال-الداعیة الشهید الشیخ البطل أحمدظاهر أسلمیار رحمه الله

الحمد لله مكرم عباده الصالحين بجنات النعيم التي غرس كرامتهم بيده والصلاة والسلام على القائل عن الجنة : ” فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ” وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين .

الجنة أمنية المشتاقين ، ومنتهى آمال القاصدين وهي التي تهوّن على العبد أعباء التكاليف وصعوبة الحياة الدنيا ، وهي المقام الأمين ودار النعيم ودار الحبور والسرور قال عليه الصلاة والسلام : ” من يدخل الجنة ينعم لا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ” رواه مسلم .

هي جنة طابت وطاب نعيمها 
فنعيمها باق وليس بفان
دار السلام وجنة المأوى ومنـ
ـزل عسكر الإيمان والقرآن  

فمن هذا المنطلق نری عباد الله الصالحین یشتاقونها، ویتفادون في سبیل الله أغلی ما یمتلكون من المهج والأرواح، ویقصدون من وراء ذلك إحدی الحسنیین؛ إمّا النصر وإمّا الشهادة.

یقول الشیخ الشهيد ابو یحیی حسن القائد رحمه الله: (فالحدیث عن الشهادة والشهداء، حدیث عن الحیاة والأحیاء .. حیاة لا كالحیاة البئیسة المنكدة مهما ازیّنت في أعین طالبیها، والحریصین علیها، و أحیاء لا كالأحیاء الذین لم یعرفوا طعم محبة الله، ولم یستلذوا بالشوق الصادق إلی لقیاه، فهو حدیث تستطیبه النفوس الذكیة، وتنشرح له الصدور الصافیة، وتحیا به القلوب المؤمنة.

فالشهید في رحلة الروح والریحان، والتنعم والرضوان، من أول لحظات وداعه للدنیا حتی یستقر في دارالسلام، والملائكة یدخلون علیهم من كل باب سلام علیكم بما صبرتم، فنعم عقبی الدار.

فالناس یحرصون علی الحیاة خوفاً من الموت، والشهید یطارد الموت طلباً للحیاة، فلحظة فوزه التي یترقبها، ویركب الأخطار والأهوال لینالها حین یسقط مجندلاً في سبیل الله ولسان حاله یقول فزت ور الكعبة).

من الذين وفت لله بيعتهم
فأخلصوا العهد إيمانًا وأيمانا

باعوا نفوسهم من ربهم فجُزوا 
خُلد الثناء وخُلد الفوز أثمانا

فأشرقت سُبُل الدنيا بهديهمُ 
والأرض قد شرِقت كفرًا وأوثانا

نری معظم المسلمین في العصر الراهن في طلب الدعة والراحة والاستثمار والتزیین والأموال الفانیة، فیسعون في كل مكان. لایمیزون بین الحلال والحرام ولایعرفون الغث من السمین والدسم من البرسمین، كمالایفرقون بین الصدیق والعدو.

ولكن مع ذلك هنالك من المؤمنین الصادقین الذین قد نذروا بعمرهم للدعوة والجهاد، فطائفة منهم یكافحون الغزو الفكري الحدیث بالقلم واللسان، ویوقظون المسلمین عما یكید علیهم أعدائهم، وینقذونهم كي لا یقعوا في فخهم.

وطائفة أخری من هؤلاء المؤمنین الصادقین شهروا أسلحتهم في وجه أعداء الملة من الیهود والنصاری والمرتدین والعملاء، وترسوا صدورهم للإسلام وبتتوا الترفیه والتنعم والملذات.

ولكن قلیلون هم الذین جمعوا بین هاتین الفكرتین في حین واحد سیماً في العصر الراهن, عصر التأویلات والخوف والجبن.

وحقاً لقد كان الشیخ الأستاذ أحمد ظاهر أسلمیار رحمه الله من هؤلاء المجاهدین والدعاة الذین قد جمعوا بین هاتین الفكرتین، الذي كان بحق قدوة في هذا المضمار، سیماً للدعاة والعلماء الذین لم ینشقوا الأعفرة والأبخرة في سبیل الله حتی الآن.

لقد أبصر النّور الشیخ الأستاذ أحمد ظاهر أسلمیار بن  محمد ظاهر عام 1395 هـ.ق في مدينة  كابل، فتعلم العلوم الابتدائیة والمتوسطة في مسقط رأسه، حتی سطع نجمه من بین أقرانه نظراً إلی ما كان مرهف الذهن ویقظ الفؤاد فدخل جامعة كابل؛ ولكن مع ذلك لم تفارق جامعة كابل بینه وبین ما یغرم من العلوم الشرعیة التي تسرّب إلی سویداء قلبه، واستقرت بفؤاده مكاناً.

فحزم حقائبه نحو كلیة الإمام أبي حنیفة للغة العربیة بمدینة بیشاور – باكستان، فلمّا أتم دراسته هنالك ونال درجة ماجستر عام 1993م، رحل إلی جامعة المدینة المنوّرة في قسم الأدب واللغة، كما أنه رحمه الله قد ساهم في كثیر من المؤتمرات.

وكان الشيخ احمد ظاهر في تلك الجامعة یتعلم حتی نال بشهادة بكالوریوس عام 1421ه.ق فرجع إلی باكستان، فأخذ یعلّم أبناء المسلمین العلم والأدب ویساهم في مضمار الأدب أیّما اهتمام.

ولایخفی علی أي شاهد احتلال الأجانب التي قد دسّت السمّ في العسل لأبناء المسلمین، عندما سیطروا بصلف وغرور علی ثری الأبطال والشجعان، ووسعوا دائرة مكایدهم وحیلهم علی الشعب المضطهد الأفغاني تحت شعارات براقة خدّاعة مزخرفة كالدیموقراطیة، وحقوق المرأة، والمدنیّة، والحضارة، والشعبیة وغیرها مالاعدّ لها ولاحساب، ولم یكونوا یقصدون وراء ذلك سوی اصطیاد الشباب بهذه الفخاخ الممیتة.

ولكن من سنّة الله سبحانه تعالی قد جعل الأمّة المؤمنة لم تزل ولوداً ناتقاً، تقدّم إلی أجیالها أبناء بررة، وشباباً أكفاء، ولدیها رصید ضخم من الشباب الذین قد فقهوا الإسلام قلباً وقالباً یذودون عن حماه جمیع ما یمكر الأعداء، وكان الأستاذ الشهید من ضمن هؤلاء الدعاة المبصرین الذین قد فقهوا عما یدور في خلد العدوّ من كید، ثم یكشف القناع عنه حتی یضئ الدرب.

فلأجل هذا الهدف المیمون أقام بدورات شرعیة للمجاهدین في أماكن عدّة یبین خلالها مدی مؤامرات العدوّ ویفضحهم، كما أنه رحمه الله تعالی لایتوانی أن یساهم بنفسه في میادین القتال.

وهذا ما سیدفعني أن أسألك ما الذي دعاك يا شیخنا لتترك ذاك النور الرباني، وتلك الدرر النفيسة وذاك البحر الرائق الذي يحوي أجل السبائك، وتقبل على ميادين الحر والقرّ، ومواطن العرق والدموع والدماء؟

أيا ترى خاطبتك نفسك معاتبة متعجبة أيّ علم ذاك الذي تبحث عنه جاهداً تفني سني عمرك بين اليراعة والقرطاس .. لقد أنّت أدراج المكتبات من ثقل ما حُمّلَ عليها وبُحّ صوتها وهي تردد أين العاملون ؟ 
أين العاملون .. ؟

وما أرى سوى النداء قد طرق أُذنيك فنفرت ملبياً داعيه ..

أجل؛ بعدما قضی شیخنا وقتاً طویلاً في الجهاد والرباط، وموعظة الناس، وترشید المجاهدین قضی نحبه في سبیل الله لخمس وعشرین خلون من محرم عام 1432هـ.ق مع ثلة مباركة من أحبابه إثر قصف جويٍّ شدید في إحدى جبهة القتال , فرحمك الله يا استاد المجاهدين وقائدهم واسكنك الفردوس الأعلى.

إیه یا كابل!

لیس علیك أن تبكي لهذا البطل الضرغام، والشیخ الهمام، فلقد كان – طیب الله ثراه – أكبر من كل هذا، فهو شهید الإسلام – بإذن الله – وقدوة الأجیال، ومن ورثة الأنبیاء الصادقین.. رحمه الله وأعلی مقامه في علیین.

ولانشك في هذا بأنّ هذه الدماء التي سالت تنفخ في قافلة الأحرار والأبطال روحاً جدیدة، وعزماً أكیداً، غلب علیها النعاس، ودبّ فیها الیأس.

إنّ هذه الدماء، دماءالشهداء أكدت أننا مازلنا علی العهد، وأنها «لاتزال طائفة من أمتي منصورین لایضرهم من خذلهم حتی تقوم الساعة»

أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت

وأنّ هذه الشهادة ستفتح للشباب طریقاً معلوماً واضح المعالم، مشرق السمات والقسمات، یتابعونه، ویسیرون علی نهجه في الإصلاح والكفاح، والصبر والجهاد، والثبات علی المبدأ والثقة بالله وبنصره المبین في الدنیا والدّین.

وما أحسن الإمام الشهيد عبد الله عزام رحمه الله عندما قال::- (إن الناس كلهم يموتون ولكن الشهداء هم الذين ينفذون بالمجد في الدنيا وبالفوز في الملأ الأعلى، إن الشهادة اختيار من رب العزة لصفوة خلقه {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء} إن الأمم تحيا برجالها الذين يضحون في سبيل نصرة مبادئها وارتفاع رايتها وصيانة مقدساتها وحماية أعراضها، ولا خير في أمة تهضم حقوق مستضعفيها، وتداس قيمها وتهدر دماءها ولا تحمى نساءها وظعائنها …. وكثير من القبائل أحيا ذكرها شاب ذو نخوة وحفظ لها وجودها وأدخلها سجل التاريخ … .

لقد نامت الأمة طويلا وغطت في سبات عميق ولا يمكن أن تستيقظ هذه الأمة إلا على صوت السلاح وسيلان الدماء، فدماء هؤلاء الشباب الأطهار تحيى الأمة من جديد وتعيد الحياة إلى عروقها التي كادت تجف، إن شجرة هذا الدين القويم لاتنبت ولا تترعرع إلا إذا رويت بدماء الصادقين وبعرق المخلصين، فطريق هذا الدين طويل مفروش بالاشلاء مروي بالدماء وإن أقرب طريق إلى الجنة هوالشهادة في سبيل الله، وإن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله … هؤلاء الشهداء صُناع التاريخ، بناة الأمم صانعو المجد، سادة العزة … هؤلاء يبنون للأمم كيانها، يخطون للأمة عزتها، جماجمهم صرح العزة،

أجسادهم بنيان الكرامة، هم دماؤهم ماء الحياة لهذا الدين وإلى يوم الدين … هم شهداء يشهدون أن المبادئ أغلى من الحياة، وأن القيم أثمن من الأرواح، وأن الشرائع التي يعيش الإنسان لتطبيقها أغلى من الأجساد، وأمم لا تقدم الدماء لا تستحق الحياة، ولن تعيش {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

وأخیراً:

إنها كانت مسیرة عالم داعیة و مجاهد مرابط في سبیل الله، لتحریر الوطن من لوث الاحتلال، ولتحریر فكر شعبه المنكوب من الجهل، والتخلف، ولإعمار ضمیرها بالعقیدة الصحیحة، والخلق القویم، والرجولة والشهامة.

إنها مسیرة عالم مجاهد عاش في ضمیر أمته، وعاشت أمته في ضمیره.. ألیس كذلك؟