شهداءنا الابطال

الشهيد أبوعبیدة رحمه الله

 

أخذ بیدي وذهب بي إلی قائد الاستشهادیین علی ثری نیمروز القائد الحافظ غلام الله – حفظه الله لأني کنت المترجم بینه وبین الأمیر، فقال بتلطف وصوت کسیر جداً: یا أخي قل للأمیر بالله یا أمیر لا أقدر أکثر من هذا أن أبقی في الدنیا .. والله اشتقت إلی لقاء الله وزیارته .. أنشدکم بالله رتبوا عملیتي..

فلم أقدر أن أترجم فاستعبرت عیناي، وکان الأمیر ینظرني واستعبرت عیناه أیضاً فقال: ماذا یقول؟

وبعد وقفة ترجمت للأمیر کلمات الأخ، فقال: قل له لاتحزن وأبشر سأشتري لک سیّارة … لم نکن قاسي القلب عندما لم نشتر لک سیّارة طیلة هذه الأیام التي أنت منتظر متی یأتي دورک؛ بل لم یکن لدینا مال کي نشتري لک سیّارة، والحمدلله الیوم تبرّع شخص بمال في سبیل الله لبیت المال مع أنّ هناک لنا حوائج کثیرة إلا أنني سأشتري لک الیوم سیّارة کي یفخخها الأستاذ سلطان.

والله عندما سمع هذه الکلمات بعدما ترجمتها له برقت أساریر وجهه فأخذ یکبر، وبات فرحاً جذلاً إلی حد لا یوصف أصلاً، کأنما سیزفونه إلی عشیقته…

فالذکریات عن أخینا أبي عبیدة الاستشهادي رحمه الله تملأ الذاکرة، والصور تزخم الخیال، وهذه مجرد کلمة ندخل بها إلی ساحة نفسه الرحبة، وعقله الواسع، ومواهبه الذاخرة.

عندما وجد أبوعبیدة رحمه الله طریقاً إلی أفغانستان لم یتوان ولم یتردد عن ذلک؛ بل هاجر بمرافقة الشیخ أبي عبدالملک – حفظه الله – وأبي عمر – رحمه الله – وأبي یوسف، فابتلاهم الله سبحانه وتعالی في الطریق کي یعظم لهم أجرهم في الآخرة إن شاء الله، کما یروي الشیخ أبي عبدالملک الکویتي رحمه الله نبذة عن هذا السفر :

( وصلنا لأفغانستان الحبیبة، هلمند مقبرة الغزاة والمحتلین في غرّة ذي الحجة لعام 1428 هـ.ق، بعد رحلة دامت شهر

تقریباً رأینا فیها الأهوال والأحوال، والمصاعب والمتاعب، حتی کان قتْلَنا علی أیدي قطّاع طریق قاب قوسین أو أدنی لولا لطف الله بنا، حیث لم یروا بقتلنا حاجة بعد أن أخذوا منا کل غال ونفیس، وهذه المتاعب علی ما فیها من شدة إلا أنّ لها حلاوة في ذات الله نسأل الله القبول).

وعندما کان أبوعبیدة رحمه الله في برافشة كان یسعی أن یکون رجلاً مثالیاً و قدوة لإخوانه الآخرين فکان خوف الباري یغلب علیه حتی یظهر بالبکاء في الصلوات سیماً الصلوات التي کان هو یؤمها، وإذا صلی باللیل کان له أزیز کأزیز المرجل؛ لأنه کان یسعی أن یکون من الأفراد الذین بشرهم النبي صلی الله علیه وسلم في سبعة یظلهم الله تعالی في ظله یوم لاظل إلا ظله « ورجل ذکرالله تعالی خالیاً ففاضت عیناه»، وکما قال علیه الصلاة والسلام: « لایلج النار رجل بکی من خشیة الله حتی یعود اللبن في الضرع».

کان رحمه الله تعالی یحب إخوانه المجاهدین ویخدمهم ویطبخ لهم أفضل الطعام وألذه؛ لأنه أدرک هذه الحقیقة التي أصبحت حقیقة واقعیة وملموسة أن یسعی عشاق الفردوس الأعلی والحور العین إلی الشهادة عن طریق المطبخ!

کماقال الدکتور الشیخ عبدالله عزام رحمه الله : (ففي هذا المکان – أي المطبخ – تتواضع النفس إلی أقصی درجاتها فإذا کان هذا التواضع لله، ترفع هذه النفس إلی علیین).

وأذکر أنه – رحمه الله – کان یأخذني علی دراجته الناریة فنذهب إلی السوق ویشتري اللحم والأرز والفواکه ثم نرجع وفي وسط الطریق کان یمزح کثیرا ویضحکني جداً بطرائفه، ثم یذهب إلی الأساتذة والمدربین ویسترخص منهم للإخوة الجدیدین في أیام الجمعة للضیافة، ویطبخ بنفسه الطعام لمثل هذه الضیافات … فکان الإخوة في ذلک الیوم یقضون یومهم في جلسة إنشادیة جمیلة والله بقیت حلاوتها حتی الآن في ذهني .

ومن هذا المنطلق کان الإخوة الجدد لایحسون بالغربة مع أنهم کانوا حدیثي الفراق من ذویهم وأهلیهم، وکانت لهذه الجلسات تأثیر هائل طیلة الأسبوع والأیام القادمة التي یقضونها في التدریبات، فکانوا یجتهدون ویجدون في التعلم.

وکان رحمه الله خلال وجوده هنالک منضبطاً مع حدیث الرسول صلی الله علیه وسلم:« من أعظم الأجر إدخال السرور علی نفس مسلم».

وکان مع هذه الفضائل التي أوسعها الله بها متواضعاً لله، متطامناً للناس ولایفتخر في شئٍ، ولکنه مع هذا التواضع کان مهیباً وقوراً، کان الناس مدفوعین إلی إجلاله وتهیبه شأن:( من تواضع لله رفعه).

فکان لوجوده خیر عظیم في میدان الجهاد حتی جاء دوره کي ینفّذ عملیته البطولیة، وکان لایتکلف ولایستخدم العبارات الرنانة، والألفاظ المنمقة بکل سهولة وبتعابیر بسیطة تحترق حواجز قلبک وذهنک لتنفذ إلی عقلک وتخاطبه، وإلی قلبک فتحرکه؛ لأنها کلمة خارجة من القلب، ولأجل هذا أحببت أن أفرغ کلماته التي قالها قبل انطلاقه من شریط فیدیو الذي لم ینشر حتی الآن کي یکون هو المتکلم بکلماته الخالدة لقراء مجلة الصمود وهي کمایلي:

الحمدلله رب العالمین، ولاإله إلا الله الأحد الفرد الصمد الذي لم یلد ولم یولد ولم یکن له کفواً أحد، ولم یتخذ صاحبة ولا ولداً، ، کلمة الحق التي قالها إلی مریم من روحه، ومریم من إمائه الصالحات، وعیسی عبده ورسوله، وعزیر عبده ورسوله رغم أنف النصاری الضالین، ورغم أنف الیهود الملعونین، والملائکة الکرام خلق له وعبید، لم یتخذهم بناتاً، ومحمد عبده ورسوله، وخاتم الأنبیاء والمرسلین، علیه أفضل الصلوة والسلام.

أما بعد: تحتوي هذه الآیة الکریمة علی معانٍ کثیرة ولکن وقلیل من یفقهها، وقلیل من یفقهها، وقلیل من یطبقها{إن الله اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} إن الله هو المشتري اشتری من المؤمنین أنفسهم وأموالهم.

وما الثمن؟ الثمن الجنّة.

للعلم توجد عیوب کثیرة في هذه السلعة، ولکن (مع ذلک) إن الله اشتری وأسأل الله القبول… أین أنتم من هذه الآیة ؟

أین أنتم؟

لماذا لاتبیع نفسک وأموالک في سبیل الله؟

وبالأخیر الله یبشرک بأن لک الجنة … بأنّ لک الجنة.

الآن نحن المجاهدون في هذا المکان مثل محطة الباص، یأتیک ویأخذک، والباص ملک الموت، ونحن في انتظار یأتینا ویأخذنا إلی الجنة بإذن الله أین أنتم من هذا؟

أین أنتم؟

ومن الناس من یشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد.

وفي اللغة یشري أي یبیع، نفسه ابتغاء مرضات الله بهذه العملیات الاستشهادیة، وهذه – السیارة- بیعتي مع الله وتذکرتي بإذن الله إلی الجنة، أقطع تذکرتي إلی الجنة بإذن الله، إن الطائرة تحتاج إلی تذکرة للصعود، والجنة تحتاج إلی تذکرة سیارة مفخخة بإذن الله، وأسأل الله الفردوس الأعلی.

غداً نلقی الأحبــــــــــــــة                                              محمداً وحـــــــــــــزبه

اللهم اجعلنا من الشهداء یا ذا الجلال والإکرام، وتقبلنا بقبول حسن یا ذا الجلال والإکرام.

وأقول للمتخلفين عن الجهاد لمن طردتم أخواتنا في العراق، وأخواتنا في أفغانستان؟

لمن؟ لمن ترکتموهن یغتصبن؟

وحرک المعتصم رحمه الله بسبب فتاة واحدة التي کانت في سجون الکفار التي صرخت: وامعتصماه! فحرک جیشاً جراراً من المشرق إلی المغرب، حرک جیش المسلمین کلهم من أجل فتاة واحدة، حتی فک سراحها ودک الحصون والسجون وأطلقها في سبیل الله.

وقال عمر رضي الله عنه لو أنّ شاة عثرت في العراق لسألني الله عنها.

والآن أمم تتعثر في العراق وأفغانستان.

واعلموا نحن لانستعطفکم؛ لأن الله وعدنا بالنصر، وأمیرکا وأذنابها وعدتنا بالهزیمة، أمریکا قویة في عیون المنافقین، ولکنهم في أرض أفغانستان والله إنهم أذلة صاغرین، لایقاتلون إلا بالطائرات والطائرات لاتجدي لهم نفعاً ..الحمدلله الحمدلله إن الله وعد بالنصر .

وقال النبي صلی الله علیه وسلم: لاتزال طائفة من أمتي تقاتل في سبیل الله …. أنا لا أسأل علماء السوء؛ بل أسأل علماء اللغة أولاتفید هذه الکلمة معنی الاستمرار لاتزال؟

ومتی یقف هذا الاستمرار.. حتی یقاتل آخر هذه الأمة الدجال أو قیام الساعة.

نحن لو کنا اثنین أو ثلاث مجاهدین لانعبأ به أبداً؛ لأن الله وعدنا بالنصر وکفی بالله نصیراً. إن الله غني عن العالمین، ولکن الله قد وضع لکم هذا الباب أي باب الجهاد کي تدخلوا الجنة بالسلام.

یدعوکم: هیّا أقبلوا .. أقبلوا للجهاد.. أقبلوا للجنة..

إن الله أمره بین الکاف والنون إن یقل کن فیکون، فینصر عباده..

في السابق عندما کنا مع القاعدین والمتخلفین عن الجهاد والله العظیم کنا نسمع قصص الصحابة .. هذه رائحة مسک.. وهذا یتشهّد .. وهذا یبتسم .. والآن عندما أتینا أرض الجهاد رأیناها بأم أعیننا، وشممنا المسک بأنوفنا والحمدلله الحمدلله الحمدلله الذي أوصلني إلی هذا المکان.

وأقول لإخواني المجاهدین في سبیل الله أبشروا أبشروا إن الله لن یخزیکم أقسم بالله لن یخزیکم إن الله یراکم ولاتقولوا نحن قلة ولاتقولوا نحن کثرة

وتذکروا أن الله وعدکم بالنصر.. وقد رأیتم الحمدلله من الکرامات الکثیرة والکثیرة .. رأیتم أصحابکم کیف یقتلون في سبیل الله وتشمون منهم رائحة المسک وغداً یأتیک في المنام وهو لابس الحریر والحمدلله ویبشرک الحمدلله.

ولا إله إلا الله ولا إله إلا الله ولا إله إلا الله.

وأقول لکل القاعدین الذین یروني الآن: أخواتکم في أفغانستان وفي العراق لاتنسوا بأنکم خذلتموهن نحن لانستعطفکم لکن نتمنی لکم الخیر.

أقبلوا إلی الجنات أقبلوا إلی الجنات.

الآن تداعت علینا الأمم کما تتداعی الأکلة إلی قصعتها، في کل الدول جیش الکفر موجود وفي کل الدول جیش المحتل موجود، في الدول العربیة والإسلامیة یوجد جیش المحتل لماذا؟

ألا تسئل نفسک لماذا؟

لاحول ولاقوة إلا بالله العظیم.

الآن کلهم یقولون إرهاب إرهاب إرهاب إرهاب إرهاب… وکفانا فخرا بأن الله أمرنا بهذا : ترهبون به عدو الله وعدوکم..

وفي بعض الأماكن من یدنسون وجوه الشهداء ویصبغونهم باللون الأسود لکي لایبان نورهم.

الحمدلله الذي جعلنا بنعمته إخوانا وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمین.

فذهب الأخ في ربیع عام 1429هـ.ق مع سیارته المفخخة واستطاع أن یدخل في المبنی القیادي بمدیریة غورغوري وحصد من العدو جمعاً غفیراً حیث قدرت ضحایا العدو عشرات إلا أنّ التعتیم کان شعار العدوّ کعادته.

أبو عمر محمد الکویتي رحمه الله

لمّا عاد البشیر یزف لعمر بن الخطاب رضي الله عنه نبأ فتح القادسیة، وسمّی له أسماء بعض الشهداء الذین یعرفهم عمر، أضاف وآخرون استشهدوا لایعلمهم أمیرالمؤمنین، فرد علیه عمر رضي الله عنه … یکفي أنّ الله یعرفهم.

یاحبیبي أباعمر لست کاتباً فذّاً فیعرفک الکثیر، ولست شاعراً طار ذکره، وذاع صیته فملأ الدنیا، وشغل الناس، لست هذا ولا ذاک، ولکنک غیرا هذا وذاک!

فأنت شاب لم تثقلک السنون کثیراً، عرفت الله فآمنت به إیماناً کان مضرب المثل في الوعي والثبات، وأبصرت درب الهدی فسلکته منهج حیاة، وقنطرة نجاة، راضیاً به مطمئناً إلی فجره القریب – بإذن الله – غادرت نحو أرض الجهاد والرباط و القتال، بعیداً من الأهل والجیران والوطن، علی حین یسافر الشباب في مثل سنّک للتمرغ في أوحال الشهوة ومستنقع الرذیلة، وحمأة الإثم.

أنت قرأت – یاللشوق- (من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق)، فأدرکته وخرجت في سبیل الله خوفاً من النفاق، وغیرک قرأ ما قرأ فأوّل َ کیفما شاء ثم یری نفسه بریئاً من النفاق، ولاحول ولاقوة إلا بالله.

قصة التزامه:

وجدیر بنا أن نننقل قصة التزامه من قلم أستاذه سماحة الشیخ أبي عبدالملک الکویتي – حفظه الله – الذي کان أستاذه وزمیله في سفر الجهاد ما حکی عنه في مجلة طلائع خراسان:

بدأت القصة عندما دخل علي المسجد وأنا أسمّع القرآن لمجموعة من الإخوة بین المغرب والعشاء في مسجد قیس بن سعد في منطقتنا في عام 2003م، شاب وضيء الوجه، مربوع القامة، یعلوه الحیاء والبهاء، هادئ النفس، ذوصمت وفکر، ابن التسعة عشر ربیعاً، أتانا مقبلاً بقلبه وبدنه قد انشرحت بالهدایة أساریر وجهه، وطابت بها نفسه: (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ (125)

فأول سؤال سألني إیاه بعد السلام والتحیة: کیف أحفظ القرآن؟

فهششت له وبششت وبدأت أتجاذب معه أطراف الحدیث وأسأله بعض الأسئلة، فسبحان من جعل الأرواح جنوداً مجندة ما تعارف منهاائتلف، فارتاحت نفسي إلیه.

الطموح والقمّة:

ویسرد الشیخ قائلا: وأعطیته برنامجاً یبدأبه لحفظ القرآن، فجاءني من الغد فقرأ حفظه ولم یتلکأ ولم یخطئ، فسررت به وشجعته، فمضی علی هذا المنوال کل یوم حتی ختم الجزء الثلاثین بأسبوعین، ثم الجزء التاسع والعشرین بمثل ذلک أو أزید بقلیل، بقراءة متأنیة محکمة، وحفظٍ منتظم غیر متوانٍ ولا واهٍ، فعجبت لهمته وعلمت أني وقعت علی کنزٍ لایقدر بثمن، فقد حباه الله بصفات یغبط علیها من حسن أخلاق، وهمة عالیة تدلک علیها اتساع عینیه ودورانها في رأسه، لایهدأ له قرار حتی ینفذ أهدافه السامیة ویطبق مبادئه العالیة، فکما حفظ الجزء الثلاثین في أسبوعین فقد حفظ القرآن في سنتین ثم شرع في ضبطه متقناً، فکان یراجع کل یوم خمسة أجزاء فتبارک الله أحسن الخالقین.

فیه الفضائل من دین وأخلاق  

ومن جوامع أفضال بمفضال

ولم تقتصر همته رحمه الله علی حفظ القرآن، فقد کان قدوة خیر وفأل حسن لحیه وجیرانه، فقد اهتدی علی یدیه من أصحابه السابقین وأبناء حیّه أکثر من 20 شاباً بفضل الله وکرمه، وکلم إمام مسجدهم کي نفتح حلقة قرآن عندهم وحصل مایرید ودخل هو ومن اهتدی علی یدیه للحلقة، فکان یساعدني في تسمیع القرآن للإخوة، بعد أن ینتهي من تسمیع الذي علیه لکثرة العدد ولضبطه للحفظ.

وإذا کانت النفوس کباراً  

تعبت في مرادها الأجسام

إلی طریق المجد:

لو کان هناک طریق لمجد الإسلام والمسلمین غیر طریق الدماء والأشلاء والشهداء لدلنا علیه رسول الله صلی الله علیه وسلم، ولکن هذا الجهاد هو الطریق الوحید الذي یضمنعزة الإسلام والمسلمین، ولابد من امتشاق الحسام، ولابد من تضحیات ودماء وأشلاء وأرواح تزهق في سبیل الله، فهذا ما کان في مخیّلة شهیدنا المغوار الذي ظل یتقلب علی الشوک، وأرقت أجفانه صرخات المظلومین، وأنات الثکالی، وأنین الیتامی، وصیحات العذاری التي تدوي فيسفو حال هندوکوش فلم یطق الحیاة مع الکلمات الباردة التي یخزنها قوالب في ذهنه ثم یفرغهاعلی ورقة کی ماینال ورقة یعمل بها.

فشد أحزمته وحمل أمتعته نحو بلاد خراسان وفي الطریق نالوا ما نالوا من الأذی کما ذکرنا في قصة الأخ أبي عبیدة الاستشهادي رحمه الله.

نعم؛ إنه کان من أفضل المجاهدین في التعلیم والتدریب، ولأجل هذا کان أستاذ المتفجرات یتکئ به کثیراً لتعلیم بعض الإخوة الآخرین، ولما ذهب الأخ أبوعبیدة الاستشهادي أرسلوا معه الشهید أباعمر کي یصوّر عملیته لکنه کان من قضاءالله سبحانه وتعالی وقدره أن الأمنیات کانت في ذلک المکان متشددة فلم یوفق الأخ التصویر منه.

ثم إنه کان یشتاق إلی العملیات إلی حد لایوصف أصلاً، فلما رأی الأمراء منه ومن أبي أسامة الشوق الوافر أرسلوهما مع مجموعة الشیخ أمان الله رحمه الله إلی ولایة نیمروز بمدیریة جاربرجک، في شهر الانتصارات والفتوحات شهر رمضان المبارک لعام 1429هـ.ق.

یقول الأخ محمد– أحد المشارکین في تلک العملیة- عندما وصلنا واقتربنا من العدوّ لم نکن نری قدامنا من کثرة الغبار الذي اعتلی علی الهواء، فاقتربنا من العدو وکانت الساعة التاسعة والنصف صباحاً لم یکن ببال العدوّ أننا سنفاجئهم في هذا الوقت أصلاً، بل کانوا یغطون في نوم عمیق لما أنهم کانوا مستیقظین البارحة وناموا بعدما طلعت الشمس، فدخلنا في الثکنة إلا أنهم کانوا متفرقین في الغرفات المختلفة وکانت الغرفات بالعشرات، فکان الشیخ المقدام القائد أمان الله رحمه الله في الأمام وباقي الإخوة خلفه، فلما دخل الشیخ في بعض الغرفات قتل من فیها ثم دخل غرفة أخری وقتل من فیها حتی استیقظ باقي من في الثکنة فلم نکن نعرف من أین یأتي الرصاص إلا أننا فوجئنا بشباک عن خلفنا یرمي بکثافة فسقط الشیخ وباقي الإخوة أبي عمر وأبي أسامة رحمهم الله هنالک مضمخین الثری بدمائهم الزکیة، بعدما أذاقوهم مر العذاب وسقوهم کؤوس الهلاک، وقتلوا من أعداء الله مایکون لهم حصناً حصیناً من النّار(لایجتمع کافر وقاتله في النار أبدا) رواه مسلم/.