شهدائنا الأبطال: الشهید محمد كاظم (اسامة) رحمه الله

ذكریات كلما مرّت بنا تُبكینا العیون
———————————-
عرفته عندما بدأت تعلیم الكتب الإبتدائیة بعد ما أتممت تعلیم المصحف الشریف؛ فكنا أصدقاء في صف واحد نحو ست سنوات، ثم التحقت بجامعة وهوالتحق بجامعة اخری، وفی الإجازة الصیفیة لذلك العام الدراسي دخلت أرض الجهاد، ففوجئت بالأخ الشهید محمد كاظم – رحمه الله – ففرحت فرحاً عظیماً لا یسعنی أن أفرغ ما في خاطري علی الیراع والقرطاس، حینما وجدته هنالك.
زملاء فی مدرسة العلم والدراسة وزملاء فی میدان الجهاد والرباط والقتال، ما أحسن هذه السعادة و أطیبها ولكنه لم یمكث لدینا والتحق بالرفیق الأعلی من دوننا.

بالله علیكم أجیبوني لو كان لكم صدیق، تحبونه حباً بالغاً ثم هو كان معكم أینما رحلتم ونزلتم نحو ست سنوات من الطفولة حتی ریعان الشباب، تضیفونه لیلة ویضیفكم لیلاً، وتسامرون اللیالي بالقصص، وتشدون الرحال لزیارة العلماء علی بلاد أخری معاً، وتذهبون إلی المكتبات وتشترون الكتب الدینیة معاً، وتساهمون في حلقات دروس الأخلاق معاً، ثم افترق هو منكم بفراق لا رجاء لرؤیته-إلا باذن الله في الآخرة- أو لا تتفطرقلوبكم عندما راودتم في ذهنكم لحظة هذه الذكریات؟!
عفواً أحبتی لماهجرت، إننی إنسان وبشر ولكن لواعج صدری تشتعل عندما أراود في ذهني ذكریات أحبتي الشهداء، ولكن یخفف من حزني تلاوة الآیات الكثیرة والأحادیث الغفیرة التي تبشر المؤمنین الصادقین سیما الشهداء الصالحین بما هیّأ الله سبحانه وتعالی لهم جنت الفردوس نزلا، فهم مجتمعون علی سرر متقابلین، تغدق علیهم صنوف النعم والملذات، بما صبروا في الدنیا علی المحن والإحن، وكابدوا أصناف العذاب وأنواع النكال من أیدي الطغاة والمجرمین والظالمین.
حبیبي في الله وزمیلي فی مدرسة العلم والجهاد الأخ محمد كاظم – أسامة-  رحمه الله – كان نموذجاً صادقاً لهذا الحدیث الشریف: «المؤمن غرٌّ كریم».
لم یكن في وجوده مثقال ذرة من التكبر والتعسف؛ بل كان رجلاً دمیم الخلق والأخلاق، متواضعاً ومتقشفاً وزاهداً.
یحب الجمال؛ لأن الله كریم یحب الجمال، قد حباه الله جمالاً وزینة في العلم والجسم وكم زادت في جماله لحیته الكثیفة.
یتعلم العلوم الدینیة وكان طالبا نجیبا ذكیاً، یفرح لما یفرح الطلاب، ویحزن لما یحزنهم.
كلما یساهم فی المبارات الخطابیة، یخطب خطابة ناریة، یبین مآسی المسلمین ویحرض علی الجهاد…
وكان یحب أرض الرباط والجهاد منذ الطفولة، ثم أخذ ینمو ویزداد عندمایفع ونشأ، فكان یشتري أفلام مجاهدي الشیشان والعراق وأفغانستان، ویضیف مجموعة من الطلاب، ثم یریهم الأفلام الجهادیة؛ فلله درّه وعلی الله.
وأذكر تماماً أننی في یوم من الأیام عام 1426 هـ ق أخذت رسالة فاطمة العراق، فقرأتها لدی زملائي في الغرفة، فأخذ یتململ كالسلیم و یبكی بكاءً شدیداً حتی احمرّت عیناه.
وكان یحرّض الطلاب للریاضة، وأذكر أنه أجمع الطلاب وشاورنا وقال: إننی سأجئ بمدرّب الریاضة فما رأیكم؟
فوافقناه وجاء بمدرّب محنك یعلمنا الریاضة وأنواع فنون السیوف، والسكین، والخشب و … وكان هذا المدرب خطیباً ویحرّض الطلاب علی الجهاد أثناء التدریب.
فكان _ رحمه الله – ینهل العلوم ولكنه كان توّاقاً لأرض الجهاد، وأخذ یفكر ما یفیدني علمي إذا ما لم یكن مرافقاً بالعمل؟
كیف یحلو له أن یبقی متنعماً بین عشیرته وهو یتلو عن مثل هذه الروایات: {  لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال إلى أبي بكر، رضي الله عنه، فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” أفضل أعمال المؤمن الجهاد في سبيل الله ” وقد أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت، فقال أبو بكر: أنشدك الله يا بلال، وحرمتي وحقي، فقد كبرت واقترب أجلي، فأقام بلال مع أبي بكر حتى توفي أبو بكر، فلما توفي جاء بلال إلى عمر رضي الله عنه فقال له كما قال لأبي بكر، فرد عليه كما رد أبو بكر، فأبى، وقيل إنه لما قال له عمر، ليقيم عنده، فأبى عليه: ما يمنعك أن تؤذن؟ فقال: إني أذنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض، ثم أذنت لأبي بكر حتى قبض؛ لأنه كان ولي نعمتي، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” يا بلال، ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله، فخرج إلى الشام مجاهداً} أسدالغابة
هذا بلال لایطیق أن یبقی لحظة في مدینة الرسول صلی الله علیه وسلم مع أمیر المؤمنین عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولایساوي بالجهاد حتی المكوث في مدینة الرسول صلی الله علیه وسلم، وإقامة الأذان في تلك المدينة المباركة نظراً إلی ما فقه وفهم أجر الجهاد في سبیل الله، وذلك في حین كان الجهاد فرض كفایة، فكیف بالشهید كاظم رحمه الله وهو یری بأن الجهاد صار من أهم فروض الأعیان في مثل هذه الظروف العصیبة التي تكالبت الأعداء من كل حدب وصوب لاستئصال شأفة المسلمین، والمجاهدون بأمس حاجة إلی أمثاله، أفیبخل بنفسه، ویتخلف مع المتخلفین؟
كلا وألف كلا إنه سلك طریق الجهاد وأخذ یلتمس من یرشده إلی میادین القتال، حتی أرشده الله سبحانه وتعالی وأوصله إلی ما یرید ویبغاه، فدخل إحدی معسكرات برافشة شعبان عام 1427 هـ.ق، وكنت أیضاً معه في هذا المعسكر الذي كان یسمی بمعسكر الفاروق.
وبعد إنقضاء الإجازة الصیفیة رجع إلی المدارس یتعلم العلوم الشرعیة، ویحرض الطلاب علی الجهاد في سبیل الله، ولایخاف في ذلك لومة لائم.
یقول الأخ عبدالرحیم – من زملاء الشهید- :«رأیته شاباً عالي الهمة، وكان یزورأصدقائه بوجه طلق، لایعوزه الفقر من السخاء وبذل فیما یملك، وكان كالصخرة الشماء، وكالطود الأشم في البحر الخضم لدی المتاعب والمصائب، وأذكر أنه قال لي یوماً: أینما رحت أواجه المشاكل وتنزل علي مصیبة، فاستفسرت أحد أساتذتي حول هذا، فأوصاني بالصبر والمصابرة، وأنا أیضاً عزمت كي أصبر».
ولما دخل عام 1428 بمدرسة دینیة لتعلیم العلوم الشرعیة لم یستقر قراره إلا أن یدخل أرض المعركة مرّة أخری، فغادر المدرسة نحو میادین القتال علی ثری هلمند، وفي شعبان هذا العام بدأت تعلیمات الحرب الرملیة لأول مرّة علی ثری هلمند وبمنطقة برافشة، فكان من السابقین لهذه التدریبات؛ لأنه كان متیقناً كل من أتعب نفسه أكثر سیحظو بحظوٍ عظیم، حیث یعظم أجره عندالله أولاً، ثم یسمح لمثل هذا الأفراد الدخول في المعارك.
وبعد الرمضان حیث كان إنتهاء تدریباتهم، فكانوا في غابات جاربرجك – نیمروز- وكان الأمراء قد رتبوا لهؤلاء الكوماندوز عملیة علی حصون هذه المنطقة المحصنة كی تكمل تدریباتهم عملیاً، ولكن مع الأسف البالغ قصفهم العدوّ قصفاً جباناً، فقضی معظم الكوماندوز هنالك نحبهم، وبقي الشهید محمد كاظم مع سبعة أو أقل من إخوانه الكوماندوز، كی یبتلوا ببلاء حسنٍ في سبیل الله.
ثم قفل إلی بیته بعد هذا القصف العنیف ولكنه بعد شهور قلیلة رجع إلی برافشة، ولكن كان هذه المرّة قد تغیر تغییراً كاملاً، ففي یوم من الأیام لما كنا في برافشة أخذ بیدي وقال لي: یا أخي استشیرك ماذا أفعل؟ هل أبادر بتنفیذ عملیّة اسشتهادیة أم أدخل المعارك؟
قلت له: والله كلاهما علی الخیر ولكن برأيي علیك أولاً بدخول العملیات حتی یأتي دورك..
ثمّ رتب الأمراء تجهیز جماعة من الإخوان المجاهدین نحو خاشرود بولایة نیمروز، فكان شهیدنا محمد كاظم معهم.
فمكث الشهید المقدام أیاماً في مدیریة”خاشرود”، ثم لما رجع مع الشهید المقدام الملا تورجان رحمه الله مع بعض الإخوة الأخرین یقصدون “برافشة” فعقبهم الأعداء، فلما وصلوا وسط الطریق بین “برافشة” و”خانشین” خربت سیارتهم.
فسمعوا حینئذ أزیز الطائرات والمروحیات، فصعدوا قلل الجبال القریبة منهم، وترصدوا للأمریكان، فنادتهم الامریكان عبر مكبرات الصوت بأن سلموا أنفسكم تسلمون.
فنادی الأبطال مكبرین مهللین إننا قد كنا نغرم الشهادة من قبل فهل نفر منها وهي تقرع بابنا.. لا والله …أیها الأنذال إننا لانستسلم؛ بل نبغي إحدی الحسنیین.
فقصفتهم الطائرات، وضخت علیهم المروحیات وابلاً من النیران والقذائف، إلا أنهم ما وهنوا لِما أصابهم في سبیل الله وماضعفوا وما استكانوا؛ بل صبروا وثبتوا وقاوموا ساعات طویلة، حتی سقط إخواننا واحداً تلو الآخر شهیداً في أرض المعركة.
ثم بعد قتال عنیف ضمّخ الثری بدمائه الزكیة، وذلك في ربیع الأول من عام 1429 هـ.ق بجنب أمیره القائد المیداني الملاتورجان – رحمه الله – والشهید عمر والمدرب الاستاذ عبدالله السرخسي (رحمهم الله تعالی).