طالبان..سبب صمودهم والدروس المستفادة من تجربتهم

د. سعد الفقيه

كیف صمد الطالبان وكیف تمكنوا من المحافظة علی كلمة واحدة، رغم الكید الأمریكي والدولي، ورغم الآلة العسكریة الأمریكیة الضخمة، ورغم التآمر، كیف استطاع طالبان الصمود بل والتفوق علی الحكم الأفغاني وإجبار الأمریكان علی الانسحاب؟

عدة أسباب، نحن نستفید من هذه التجربة، بالعكس عندك بلد مشتت وعندك بلد فیه عدة عرقیات وفیه عدة طوائف وفیه جهل والبلد هذا مؤهل للتفرقة مؤهل للفوضی فكیف استطاعوا أن یحافظوا علی كلمة واحدة وكیف استطاعوا أن یحافظوا علی وتیرة ونسق ومنهج منضبط، یعني خلال تلك الفترة.

عدة أسباب؛ السبب الأول هو قیادة العلماء.

الشعب الأفغاني عمومًا یحترم العلماء والطالبان نفسهم قدموا العلماء كواجهة لقیادة الشعب، فقیادة العلماء الشرط الأول أو السبب الأول، خاصة إذا تقدم بالسن فالإنسان یكون عنده حكمة ویكون عنده وعي وهدوء في الأمور، ما عنده تشنج الشباب وتشنج الجهلة الذین یقودون بعض الحركات الإسلامیة.

السبب الثاني: أنهم یراعون النسیج القبلي والاجتماعي، یعني هم یحترمون قیاداتهم، والناس یفضلون الطالبان علی الحكم المحلي. فإذن مراعاة النسیج القبلي والاجتماعي واحترامهما، ناحية مهمة.

السبب الثالث: أنهم عملیون. هم طالبان عملیون، صحیح أنهم یؤمنون بوحدة المسلمین، وقلبهم علی فلسطین، وعلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لكنهم من باب التخصص یقولون نحن شأننا أفغاني، یجب أن نركز علی الشعب الأفغاني أولا.

بالمناسبة، أفغانستان لیست فقیرة في المقدرات، بل غنیة جدا بالغاز الطبیعي وبالأحجار الكریمة وبالذهب وبالمعادن المختلفة. لكنها فوضى لم یتم الاستفادة منها. لو أن بلد مستقر وتم الاستفادة من الأحجار الكریمة لأصبحت من أغنی دول العالم.

فالمهم أنهم یقولون شأننا وطني، هم أنفسهم مشروعهم وطني لیس من باب تقدیس الوطنیة، لا تفهموني غلط؛ الأفغان لیسوا عنصریین ووطنیین، هم یقولون نحن نؤمن بالعالم الإسلامي ونؤمن بأننا یجب أن نخدم إخواننا المسلمین في كل مكان، لكن مشروعنا القتالي هو التخصص في منطقة أفغانستان، ولیس من الحكمة أن ندخل أنفسنا في أماكن أخری.

السبب الرابع: وحدة الكلمة، حرصوا علی وحدة الكلمة، وحافظوا علی وحدتها طول هذه المدة. حاولت جهات كثيرة، حاولت أمریكا وغيرها لكنها عجزت عن أن تشق صفهم. ولا أدري كیف استطاعوا المحافظة علی هذه الكلمة الواحدة.

وضمن صفاتهم أو أسباب صمودهم: طول النفس، ما عندهم مشكلة، هم فعلا خاضوا الحرب الأفغانية-البریطانية، وهم الوحيدون الذین طردوا الانكلیز بامتیاز، طردوهم وأدبوهم. لا باكستان قدرت، ولا الهند قدرت، ولا الأجزاء الكبیرة من العالم العربي قدر، ارتكبوا مذابح في الجیش البریطاني في عز أيام امبراطوریة فیكتوریا. فإذن عندهم طول النفس، وطول النفس هذا یرتبط بطبیعة الشعب الأفغاني الصبور، ومرتبط بالدین، هم تربوا علی أنهم مجاهدون وأن هدفهم النصر أو الشهادة، ما فیه خیار ثالث.

من ضمن أسباب صمودهم شيء له علاقة بالطبیعة البشریة؛ تركیبتهم في هذه المنطقة الوعرة أدت بهم إلی هذا الصبر والصمود، بنیتهم شدیدة، هم توارثوا طباع الشجاعة والاستعداد للموت، ماعندهم مشكلة، الموت عندهم شيء طبیعي، حدث عادي جدا؛ كأنك تعشیت اللیل، عادي جدا الوفاة عندهم والذين عاشوا بینهم یتعجبون استعدادهم للوفاة وشجاعتهم الخرافیة.

من ضمن أسباب صمودهم الثبات علی المواقف ووضوح الهدف. فإذا أنت كان هدفك واضح، ماذا ترید، وما غیرت الهدف وماغیرت المنهج، الناس تقتنع‌ فیك، الناس تستمر في الالتفاف حواليك. إذا كان كل یوم لك كلمة وكل یوم لك رأي؛ الناس تتفرق عنك وتبحث عن شخص آخر یثبت علی هذا المبدأ.

من ضمن أسباب الصمود كذلك المرونة في الاستفادة من الفرص دون التفریط بالثوابت. هم فتحت لهم فرصة في قطر، ما قالوا لا، ما فرطوا في الثوابت، یعنی قطر قالوا تعالوا نفتح لهم مندوبية، ماقالوا لا.

الأمریكان دعوهم للمفاوضات راحوا بعمائمهم وبشغلهم، ماقالوا لا، فهم مایضیعون الفرص اذا توفرت الفرص.
هذا إذن أسباب الصمود، فماهي حقیقة الاتفاق؟

الاتفاق الثابت منه قطعا، أن الأمریكان وقعوا علی الاتفاق والتزموا بالانسحاب، يعني نسمح لكم بالانسحاب، بالمقابل ما نطلق عليكم النار، نعطیكم فرصة تنسحبون، هذا الثابت، یعنی ما فیه أي تنازل، الثابت الذي لا شك فیه أنهم فتحوا ممر للأمریكان اطلعوا فكونا اطلعوا خلاص، مستعدین نوقف إطلاق النار إلی أن تهربوا.

ما هو الدرس المستفاد؟

الدرس المستفاد عدة حاجات؛ أولا: قیادة العقلاء، كلما كان العقلاء الناضجون المدركون الواعون المجربون في القیادة، كلما كان أفضل للتعامل مع التحدیات. كلما كان عندك شباب متهور، قلیل الخبرة والتجربة، یرید أن یجرب فانتازیا كلما خرب الطبخة، سواء الحركات الاسلامیة أو غیر الاسلامية خرب الطبخة، فقیادة العقلاء تؤمّن المسیرة.

الدرس الثاني: وحدة الكلمة؛ وحدة الكلمة تحل مشاكل كثیرة، حتی لو اختلفت أن یبقی الخلاف داخل إطار هذا التیار.

الدرس الثالث: مراعاة النسیج الاجتماعي، حتی لو كان في النسیج الاجتماعي، حاجة ما تعجبك، تحملها حتی تتخلص من المشكل الأكبر، هناك عادات قبلیة لیست جیدة عند الأفغان، هناك بدع لا یمكن أن تتخلص منها في أفغانستان، إلا بأن تخرب النسیج الاجتماعي.

وذلك حتی قیادات في طالبان تكلموا مع شباب العرب الذين راحوا هناك، هم نصحوهم قالوا هذه بدعة وهذه لا ندري أیش وهذه حرام، قالوا نحن معكم مائة في المائة بس دعونا نتجاوز هذا الموضوع إلی أن نتجاوز هذه المشكلة الأكبر ثم نعود إلی الشعب ونثقفه ونخلصهم من هذه البدع.

من ضمن أسباب النجاح أو الدروس الواقعیة، كیف تتعامل مع الظروف، ما تتعامل تعامل الجامد، مادام لیس هناك تفریط في الثوابت فاقبل، وهذه تجربة النبي صلی الله علیه وسلم، یعني مرونة النبي صلی الله علیه وسلم لم یكن فیها التفریط في الثوابت.

من ضمن الدروس أنه یكون لديك الاستعداد أن تغیر تفاصیل طریقتك، حینما حكم الطالبان في المرة الأولی في التسعینات، كانوا فرضوا علی الناس حاجات كثیرة، یعني التشدد في داخل المذهب الحنفي، فیه مجال، فیه خلاف علی تفاصیل هذه القضایا، خاصة في قضایا منظر الرجل ومنظر المرأة ولبسها،

فرضوا حاجات ثابتة عند وحتی عند المذهب الحنفي وداخل المدرسة الحنفي فرضوها من المدرسة الدیوبندیة، فرضوها علی الناس، بعد أن كتب لهم التمكین في المناطق التي یسیطرون علیها، خففوا كثیرا من هذه الجوانب، لأنها كانت أحری لكسب الحاضنة الاجتماعية.

الآن هم نعم لا یفرطون في حجاب المرأة ولا یفرطون في قضیة الاختلاط، ولكنهم تساهلوا كثیرا في مسائل عمل المرأة وتطبیب المرأة، وإعطاء المرأة كثیر من الحقوق، تساهلوا فیها كثیرا، كذلك تساهلوا في كثیر من القضایا التي لها علاقة بلباس الرجل وهیئة الرجل كانوا متشددین فیها حقیقة، تنازلوا عنها لأنهم رأوا أنه لیس من المصلحة أن یتشددوا في هذا الجانب.

فهذا من المرونة، هذا یعني أن لدیهم قابلیة بأن يستفیدوا من التجربة السابقة ویقدموا التنازلات التي لا تقدح في الثوابت. هذه قصة طالبان.

ماهو مستقبل طالبان بعد التوقیع؟

الطالبان لدیهم القدرة علی البقاء، ولدیهم قدرة علی النمو والزیادة، والوقت لصالحهم، والوقت لیس لصالح الأمریكا ولا لصالح الحكومة التي في كابل، والوقت لصالحهم وبجدارة.

لذلك هم موسعين الصدر، يقولون لأمريكا لو لم توقعوا الآن توقعون غدا، ترامب عكف خشمه وقال ما أوقع قبل حوالي سبعة شهور، فأرغموه مرة ثانیة، فهم قالوا لأمريكا ما توقعون الیوم توقّعون البكرة، وما توقعون بكرة توقعون بعد بكرة، فالوقت لصالحهم والمستقبل لهم والله أعلم.