مأساة الشام .. وهل فوقها مأساة؟

أبو محمد

400 ألف من المواطنين الأبرياء، من بينهم آلاف الأطفال، عالقون في حلب دون مياه أو كهرباء، ويموتون جوعاً من قلة الطعام، في ظل حصار مروع، شبّهه البعض بحصار سراييفو.

فمدينة حلب تُباد، والمسلمون فيها يتعرضون لأبشع عميلة قتل، وفيها مشاهد مروّعة من بِرَك الدماء والجثث المشوّهة، ومشافٍ تغصّ بالجرحى، والجرحى ممدّدين على الأرض الملوّنة باللون الأحمر؛ للنقص في عدد الأسرة. وعلاوة على ذلك، يموت الجرحى لقلة الدواء، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

“سماء حلب بالقنابل والبراميل تُمطر، والديار والمستشفيات تُدمّر، وعائلات بأكملها تحت الأنقاض تُقبر، ومنظمة الأمم المتحدة تحْذر، ومجموعة مجلس الأمن تنذر، ومجلس التعاون الإسلامي يُدين ويستنكر، ومجلس الجامعة العربية ساكت وينظر، والرئيس الوراثي في دمشق يتعالى ويفتخر، إنّ أمتي برجالها المؤمنين ستنتصر”.

 بربكم متى يستيقظ ضميرنا، وتهتز للقتل المريع شواربنا ولحانا ونعلنها عالية مدوّية أن كل روسي مستهدف، وكل معتدي على أمة الإسلام مستهدف، حتى نعيد للأمة مجدها، ونرفع الظلم، ونضرب على يد الظالم، ونعيد البسمة المسروقة على شفاه أطفال حلب؟!

ففي الأيام القليلة المنصرمة، استهدف النظام القذر أطفال المدارس ليصب جام غضبه عليهم! فالأطفال والنساء مجرمون لدى هؤلاء الطغاة المجرمين. فالمناطق المستهدفة التي كانت فيها المدارس عبارة عن مناطق مدنية، ولا يوجد فيها أي مراكز عسكرية أو مخازن أسلحة تابعة لفصائل المعارضة المسلحة أو التنظيمات الجهادية أثناء الهجوم وبعد الهجوم.

ونحن إذ نذكر في هذه العجالة قصف النظام المجرم  لهذه المدارس الثلاث في قرية حاس بمحافظة إدلب، لا نحصر بها مجازر الجزار ابن الجزار، وأسياده من خنازير روسيا؛ بل هو غيض من فيض ما يقترفه هؤلاء الجناة يومياً في حق هذا الشعب الأبي المكلوم. فقد قدّمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً مفصّلاً عن هذه الجريمة، قالت فيه:

 في يوم الأربعاء 26/ أكتوبر/ 2016 قرابة الساعة 10:52 أغارت طائرتان حكوميتان ثابتتا الجناح من طراز “su52” على الحي الجنوبي في قرية حاس، الذي يضم تجمع مدارس الشهيد كمال قلعجي، ويضم ثلاث مدارس، إحداهنّ ابتدائية، واثنتان إعداديتان، استمرّ القصف قرابة 20 دقيقة، قصفت فيها الطائرات ما لا يقل عن 9 صواريخ محملة بمظلات.

حصل القصف على مرحلتين: الأولى استهدفت أبنية المدارس؛ ما أدى إلى خروج الطلاب ليتم استهدافهم مرة أخرى على الطريق العام؛ ما يُشير إلى تعمّد القوات الحكومية إيقاع عدد أكبر من الضحايا.

تسبب القصف بمقتل 38 مدنياً، بينهم 18 طفلاً، و6 سيدات، منهم 4 من الكادر التدريسي، و14 من الطلاب. من بين الضحايا الطبيب يوسف الطراف، الذي قضى نحبه متأثراً بجراحه بعد إصابته أثناء محاولة الإسعاف. ا.هـ

لم يرحم الهتلريون الجدد أطفال المدارس، فقصفوا مدارسهم، وقتلوهم على مقاعد الدراسة، مع معلّميهم داخل الفصول الدراسية.

 فبدل أن يقوم النظام بوضع الخطط التي تُسهم في إكساب التلاميذ الثقة بالنفس والقدرة على التغيير، وتجعلهم شركاء فاعلين في بناء مجتمعهم، وإذا بنا نشهد دماراً وخراباً وإرهاباً منظماً تُمارسه طائرات الميغ ودبابات النظام الفاشل بالجملة.

وبدل أن يقوم النظام بتكريم المعلم الذي يُعد حجر أساس في إطار التربية والتعليم، إذ بنا نكتشف أن من قال عنه شوقي (كاد المعلم أن يكون رسولاً) يواجه هو الآخر قمعاً لا مثيل له، حتى أصبح الجميع يتساءل: كيف يؤدي المعلم عمله التعليمي والتربوي وهو يعلم أن مجموعة من زملائه المعلمين تم قصفهم وهم يمارسون عملهم في مدارس دوما ومن قبل في دمشق وريفها؟

 ثم كيف يمارس المعلم عمله وهو يعرف أن زميله في مدرسة في بلدة المسيفرة بدرعا قد تم سلخ جلده كاملاً؟

 ثم كيف يُعامل مربي الأجيال بطريقة تجعله يتوقع أن يُعتقل أو يُقتل في أية لحظة، لأن شقيقه خرج في مظاهرة، أو قريبه مطلوب لسلطة الاستبداد؟