من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (الجزء 2)

المصدر: صيد الفوائد

 

عدل النبي صلى الله عليه وسلم:

كان عدله صلى الله عليه وسلم وإقامته شرع الله تعالى ولو على أقرب الأقربين.

قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) (النساء:135)

كان يعدل بين نسائه صلى الله عليه وسلم ويتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة كما كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ غيورة. فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها أنها ـ أتت بطعامٍ في صحفةٍ لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة… ومعها فِهرٌ ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة وهو يقول: (كلوا، غارت أُمكم ـ مرتين ـ) ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أُم سلمة وأعطى صحفة أُم سلمة عائشة. رواه النسائي وصححه الألباني

قال عليه الصلاة والسلام في قصة المرأة المخزومية التي سرقت: (والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد، ‏ لقطعت يدها‏)‏.

 

كلام النبي صلى الله عليه وسلم:

كان إذا تكلم تكلم بكلام فَصْلٍ مبين، يعده العاد ليس بسريع لا يُحفظ، ولا بكلام منقطع لا يُدركُه السامع، بل هديه فيه أكمل الهديِّ، كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصل يتحفظه من جلس إليه) متفق عليه.

وكان عليه الصلاة والسلام لا يتكلم فيما لا يَعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كرِه الشيء‏:‏ عُرِفَ في وجهه.

 

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال

عن أنس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم – رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

كان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه.

وكان صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وجاء الحسن والحسين وهما ابنا بنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما حتى ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (لأنفال:28) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.

وكان إذا مر بالصبيان سلم عليهم وهم صغار وكان يحمل ابنته أمامه وكان يحمل ابنة ابنته أمامه بنت زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس وكان ينزل من الخطبة ليحمل الحسن والحسين ويضعهما بين يديه

 

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الخدم:

كان صلى الله عليه وسلم لطيفا رحيماً فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.

عن أنس رضي الله عنه قال: “خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا” – رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.

عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله.

وفي رواية ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله – رواه مالك والشيخان وأبو داود.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم”.

 

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم

قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107).

عندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم: “إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة” – رواه مسلم.

قال عليه الصلاة والسلام: “اللهم إنما أنا بشر، فأيُّ المسلمين سببته أو لعنته، فاجعلها له زكاة وأجراً ” رواه مسلم .

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً، فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به).

وقال صلى الله عليه وسلم: (هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم) رواه البخاري.

قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ..) (آل عمران:159).

وقال صلى الله عليه وسلم في فضل الرحمة: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه الترمذي وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة الذين أخبر عنهم بقوله: (أهل الجنة ثلاثة وذكر منهم ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم) رواه مسلم.

 

عفو النبي صلى الله عليه وسلم:

عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت له: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟ قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله – فذهبت). رواه مسلم وأبو داود.

وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَه مَه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه، دعوه)، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن) قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه. رواه مسلم.

 

تواضعه صلى الله عليه وسلم:

كان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة الحر والعبد والغني والفقير، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر.

وكان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين، يتخلق ويتمثل بقوله تعالى: (تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ) [القصص 83].

وكان أبعد الناس عن الكبر، كيف لا وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري.

كيف لا وهو الذي كان يقول صلى الله عليه وسلم: (آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد) رواه أبو يعلى وحسنه الألباني.

كيف لا وهو القائل بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم (لو أُهدي إليَّ كراعٌ لقبلتُ ولو دُعيت عليه لأجبت) رواه الترمذي وصححه الألباني.

كيف لا وهو الذي كان صلى الله عليه وسلم يحذر من الكبر أيما تحذير فقال: (لا يدخل في الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر) رواه مسلم

ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجيب الدعوة ولو إلى خبز الشعير ويقبل الهدية. عن أنس رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب. (الإهالة السنخة: أي الدهن الجامد المتغير الريح من طوال المكث). رواه الترمذي في الشمائل.