ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه

أبو صلاح

لا غرو بأن المُجاهدين في سبيل الله هم أولياء الله، وأحقّ الناس بنَصره وحِفظه.
في قوله تعالى: (ومَا كانُوا أوْلِيَاءَهُ ۚ إنْ أوْلِيَاؤُه إِلَّا المُتَّقُون). قال مجاهد:
(أولياؤه.. هم المجاهدون، مَن كانوا وحيث كانوا). انظر: تفسير ابن كثير.

 

لَا يُرجَعُ الحَقُّ السَّلِيبُ بِسِلمِهِم *** بِالسِّلمِ يَبقَىٰ الحَقُّ فِينَا ضَائِعُ

فَاستَلَّ سَيفَكَ يَا مُجَاهِدُ وانطَلِق *** بِحُسَامِكَ البَتَّارِ حَقُّكَ يَرجِعُ

صِدقُ العَزِيمَةِ والثَّبَاتُ وشَرعُنَا *** هُم دِرعُ كُلِّ مُوَحِّدٍ فَتَدَرَّعُوا

إنَّ الَّذِي صَدَّ العَدُوَّ مُسَلَّحًا *** بِيَقِينِهِ وبِصِدقِهِ لا يُهزَعُ

 

قال العلَّامة التهانوي الهنديّ رحمه الله:
(وإلى الله المُشتكى.. من صنيع سلاطين أهل الإسلام في زماننا..! حيث عطَّلوا الجهاد أبدًا، وإنما يقومون به دفاعًا فقط..!! وقد قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، في أول خطبته: ما ترك قومٌ الجهاد إلاّ ذُلّوا! وأيمُ اللهِ.. قد صدق).
انظر: أحكام القرآن للتهانوي

يرحمُ اللهُ الإمام ، وقد تكلَّم بهذا منذ قرابة مائة عام فقط. يشكو إلى الله صنيع سلاطين زمانه، والذين قد اكتفوا فقط؛ بجهاد الدفع! فكيف لو رآهم اليومَ، لا يُقيمون دفعًا ولا طلبًا؟! قد حارَبوا الجهاد، وعادَوا أهلَه، وتلاعبوا بذروة سنام الإسلام، حسب أهوائهم! بل كيف لو رآهم اليوم؛ مُحتلِّين غاصبين، بالوكالة عن اليهود والصّليبيين؟!
قد خانوا أمَّتهم، وباعوا مِلَّتهم، وصاروا طوعَ إشارةٍ من أسيادهم أعداء الدّين!
ولكن مع ذلك علينا بأن لا ننسى بُشرَى الرحمن لأهل الجهاد والإيمان!

قال ابن القيّم رحمه الله: (إن الله سبحانه، إذا أراد أن يُهلك أعداءَه ويَمحَقهم؛ قيّض لهم الأسبابَ، التي يَستوجبون بها هلاكَهم ومَحقهم! ومِن أعظمها بعد كُفرهم ؛بَغيُهم وطغيانُهم، ومبالغتُهم في أذى أوليائه، ومحاربتِهم وقتالِهم ،
والتسلّط عليهم! فيتمحَّص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم، ويزداد بذلك أعداؤه من أسباب مَحقهم وهلاكِهم! وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك في قوله: (ولا تَهنوا ولا تَحزنوا وأنتم الأعلونَ إن كنتم مؤمنين*إن يَمسسكم قرحٌ فقد مسَّ القومَ قرحٌ مثلُه وتلك الأيامُ نُداولها بين الناس وليعلمَ الله الذين آمنوا ويتخذَ منكم شهداء واللهُ لا يحب الظالمين*وليمحص الله الذين آمنوا ويَمحق الكافرين).
فما بالكُم.. تَهنون وتَضعفون عند القرح والألم؟! فقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان.. وأنتم أُصِبتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي).انظر: زاد المعاد

أخي الكريم إياك بأن تغتر ببعض العبادات وتترك ذروة سنام الإسلام، انظر إلى ما قال ابن القيّم رحمه الله: (وقد غَـرَّ إبليسُ أكثرَ الخلق؛ بأن حسَّن لهم القيامَ، بنوعٍ من الذِّكر والقراءة والصلاة والصيام، والزُّهد في الدنيا، والانقطاع، وعطَّلوا هذه العبوديات ؛- يعني الجهاد -!! فلَم يُحدِّثوا قلوبَهم بالقيام بها!!
وهؤلاء عند ورثة الأنبياء؛ مِن أقلّ الناس دينًا). انظر: إعلام المُوقعين.

ولا يقفن أحد في وسط الطريق ، وقد مضى في الجهاد شوطا يطلب من اللَّه ثمن جهاده ويمَّن عليه وعلى دعوته ويستبطئ المكافأة على ما ناله فإن اللَّه لا يناله من جهاده شئ وليس في حجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل(إن الله لغني عن العالمين )وإنما هو فضل من اللَّه أن يعينه في جهاده وأن يستخلفه في الأرض به وأن يأجره في الآخرة بثوابه قال الضحاك في قوله تعالى: كتب عليكم القتال وهو كره لكم [البقرة: 216] قال: فنزلت آية القتال فكرهوها، فلمَّا بيَّن الله عز وجل ثواب أهل القتال وفضيلة أهل القتال، وما أعدَّ الله لأهل القتال من الحياة والرزق لهم؛ لم يؤثر أهل اليقين بذلك على الجهاد شيئاً، فأحبوه ورغبوا فيه حتى إنهم يستحملون النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يجدوا ما يحملهم تولَّوا وأعينهم تفيض من الدمع حَزَناً ألا يجدوا ما ينفقون، والجهاد من فرائض الله [الجهاد لابن المبارك || 1/66].

 

مني السَّلام لمن ضحوا بأنفسهم *** وآثروا أن يكونوا هُم أضاحينا

وروّوْا المجدَ والتوحيدَ من دمِهم *** فأزهر العزُّ سُقياهُـم رياحِينا

وعانقوا المجدَ في ساح الوغى وأبَوا *** أن لا يكونوا سِوى حصنَ الوَرى فينا

فأرخصوا في سبيل اللهّ مهجتهم *** وبايعوا اللهَ والإسلام والدينا

ومزّقوا الكفرَ في إقدامهم فـ عَلَوا *** وأمعنُوا القتلَ ضربًا في أعادينا

وعاهدوا الله أن يحموا شريعته *** حتى يُعِيدوا لدين اللهِ تمكينًا