شهداؤنا الأبطال – مجلة الصمود العدد 79

الشهيد المولوي السيد عزت الله (نائب لجنة ولاية فارياب)
ولد فارسنا المغوار الشهيد المولوي عزت الله ابن سراج الدين في قرية زيارت بمديرية قيصار ولاية فارياب عام ألف وثلاث مائة وخمس وتسعين من الهجرة علی صاحبها ألف تحية وسلام، وترعرع في أحضان أسرته المتدينة.
كان رحمه الله متدينا تقيا مخلصا حليما حريصا علی تحصيل العلوم الشرعية قدوة في الأخلاق الحسنة ومشهورا بالتودد إلی الناس خاصة إلى المجاهدين.
تلقی العلوم الشرعية الابتدائية من مولوي غلام سخي في صغر سنه وبعد ذلك ترك الديار وسافر مع شقيقه الأكبر المولوي سيد حفيظ الله (وهو الآن قاض لنفس الولاية) إلی ولاية بادغيس لتلقي العلوم الشرعية من العالم الرباني الحاج المولوي عبد الحكيم.

وأيضا مكث مع الحاج المولوي سيد بهادر واستفاد منه في العلوم، و كان مشغولا بأخذ العلوم الشرعية الباقية من المولوي سيد اكبر إذ شن الصليبيون المحتلون هجمة شرسة علی بلادنا الحبيبة، فرجع إلی موطنه واشتغل بتدريس تفسير القرآن الكريم في مدرسة مع أخيه المولوي السيد حفيظ الله.
ولكن يعلم كل أحد أن المحتلين الغربيين ما جاءوا إلا للدمار والخراب، فهدموا المدرسة التي كان أخونا الشهيد يقوم فيها بأداء مهمة تدريس كتاب الله، فشد رحاله لتكميل العلوم الشرعية وذهب إلى باكستان، والتحق بمدرسة شيخ التفسير والحديث قامع البدعة القاضي حميد الله جان (رحمه الله) في غوجرانواله من إقليم بنجاب، وحصل لديه على شهادة في العالمية دورة الأحاديث النبوية، ثم أراد الرجوع إلى بلده و بني مدرسة للعلوم الإسلامية في مديرية قيصار، وكما كان شهيدنا الكرار ممن حاز فضيلة العلم والجهاد معا كانت مدرسته أيضا ثغرا من ثغور الجهاد ومركزا من مراكز العلم، فكان رحمه الله يحرض طلبة العلم أثناء إلقاء الدروس عليهم على القتال ضد المحتلين ومع تحريضه للآخرين كان يشارك في الفعاليات الجهادية و يساند المجاهدين بكل ما في وسعه بالسِرِية، ولما أُبدي علی الحكومة العميلة ما كان يخفيه من مساهمته في الجهاد المقدس ضد أعداء الله الصليبيين خرج إلى الميدان ونازلهم وبارزهم وزأر في وجوههم وشكل مجموعة من المجاهدين بمرافقة الشهيد فرمان الله (تقبله الله).
ولما رأى المسئولون الميدانيون صدقه وإخلاصه وأداءه للأمانة تولوه مسؤولية المالية ومع توليته للأمور المالية اختاره مسئول لُجنة ولاية فارياب المولوي عبد القاهر نائبا له في أمور اللجنة.
كان رحمه الله مطيعا لأولي الأمر صابرا محتسبا في جهاده لا تتعبه المشاق في سبيل الله، يزور إخوانه المجاهدين في جميع المديريات والقرى التابعة لولاية فارياب، ويستمع لمشاكلهم ومشاكل الأهالي ويسعى لحلها، وبذلك نال مكانة عظيمة في قلوب المجاهدين والعوام جميعا.
استشهاده
ولا يخفى على أحد أن القتل في سبيل الله لا يُطلب إلا في مظانه في ميادين القتال فكان بطلنا المقدام رحمه الله يوجه ضربات منهكة على المحتلين وعملائهم وأذاقهم ويلات في مختلف ساحات الولاية في حرب العصابات وبفضل الله ومنه نجا من شرورهم.
وأخيرا بتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1433الهجري نال ما كان يبتغيه في مظانه من القتل في سبيل الله مع مجاهدَين آخرين السيد محمد الله والملا كل أحمد في هجمة الوحوش الصليبية الهائجة في قرية لنكر بمديرية بشتون كوت.
نسأل الله أن يُسكنكم في فردوسه ويوفق أسرتكم للصبر الجميل ويكتب لهم الأجر الجزيل في مصيبتهم.


البطل الشهيد القائد الميداني الملا الله نور (جهاديار)
سار على درب الجهاد وصدق أقواله بأفعاله البطل الضرغام والفارس المقدام القائد الميداني الملا الله نور (جهاد يار) ذو أخلاق حسنة وجسم قوي.
ولد الله نور ابن الحاج أنبياء ابن حاجي شيرين في أسرة متدينة ومجاهدة في منطقة نهاري من ولاية بكتيكا مديرية وازيخوا في غضون عام ۱۴۰۴ من الهجرة.
كان والد الشهيد الحاج أنبياء غيورا كريما في قومه
عليزو، يحب الجهاد والمجاهدين والعلم وأهله، ولذلك كان يحث أبناءه على العلم ويحرضهم على الجهاد في سبيل الله.
فأخرج ابنه الله نور لتعليم الدين مع ما كان يعانيه من الفقر المدقع، فبدأ ابنه وهو في صغر سنه يدق أبواب العلماء ويذهب مسجد إلى مسجد ويتردد من مدرسة إلى مدرسة يتعلم العلم الشرعي حتى قرب إلى المرحلة النهائية (العالمية) ولم يتمها إذ سمع هيعات وفزعات من ميادين القتال فطار على متن فرسه والتحق بركب المجاهدين في إمارة أفغانستان الإسلامية وخاض معارك ساخنة ضد أعداء الله.
كان رحمه الله مقاتلا شرسا ساهم في خطوط النار الأولى في قندز، تخار وباميان في الحروب المختلفة التي خاضتها الإمارة الإسلامية ضد البغاة، وفي العام ۲۰۰۱ الميلادي لما شنت القوات الصليبية حربا على وطننا الحبيب واحتلوا أراضينا الطاهرة، كان أخونا جهاد يار من الأبطال الذين لحقوا بالقافلة في أوائل الجهاد ضد الصليبيين، وقارعهم في جبهات ولاية بكتيكا وازيخوا، خوشامند ودلي وأذاقهم كأس العلقم.
وبعد ذلك لما عم النفير وصارت سهول البلاد وجبالها جمرا على أقدامهم الدنسة وظف من قبل قائد الجبهة الحاج محمد عمر الحنفي قائدا لمجاهدي منطقة كواشتي، ولما تولى الحاج محمد عمر نيابة والي ولاية بكتيكا عين (جهاد يار) قائدا على مجموعة جوالة تجول في 12 عشر مديرية لولاية بكتيك (تروي ، ورمي، وازيخوا، خوشامند، ديله، جانخيل، خيركوت، يحيی خيل، اومنه، يوسف خيل، عاصمة الولاية شرنه و متاخان).
فكان نعم القائد يشار إليه بالبنان وأدى الأمانة التي وظف إليه وأنكى في أعداء الله حتى اعترفوا ببسالته وشهامته.
وفي سنة 1425هـ الهجرية أصيب في فخذه بجراح في هجوم شنه المجاهدون على مركز مديرية خوشامند تحت قيادة القائد الميداني الملا راز محمد خنجري، و قد فتح الله على المجاهدين في هذا الهجوم وغنموا أنواعا من الأسلحة وسيارة للأعداء، وعند الانسحاب ونقلوا جهاد يار مع مصابَين آخرين عبد الرحيم عزت وعبد الله عتيق إلى مستشفى، وبعد صحته من الجراح عاد إلى جبهة القتال واستمر على جهاده ورباطه في الثغور.
وفي السابع عشر من شهر شوال عام1431 الهجري شن المجاهدون هجوما ليلة الأربعاء في الساعة الثالثة على ثكنة مرجاني، فقارع أعداء الله ثلاث ساعات، وأخيرا باع حياته لبارئها مع مجاهدَين آخرين سليمان صادق وحمد الله ناقد ونالوا ما كانوا يتمنونه، فهنيئا لك يا جهاد يار فقد ربح البيع ورحمك الله وأسكنك بحبوحة جنانه.


البطل الاستشهادي الملا عبد الهادي سعيد (رحمه الله)
لقد بذل الكثير من المجاهدين بأنفسهم في إحياء مجد الأمة وتحرير بلادها وتحكيم الشريعة الإسلامية فيها، والمسلمون يعدون القتل في سبيل الله فوزا عظيما وأنجح سبيل للوصول إلى الأهداف المذكورة ولذلك يستحث المسلمون خطاهم في نيل الشهادة منذ بدر وأحد، وفي هذا العدد نعرف وإياكم ببطل من قافلة الشهداء.
وهو أخونا الاستشهادي الملا عبد الهادي سعيد الذي قام بعملية إنغماسية بطولية بمرافقة إحدى عشر بطلا استشهاديا في قلب العاصمة كابول 16 نيسان \أبريل عام 2012 الميلادي على قواعد المحتلين العسكرية ودوائر إدارة كرزاي العميلة، وعلى سفارتي بريطانيا وألمان، وقصر الجمهورية أرك، ومبنى البرلمان، وامتد قراعهم مع الأعداء إلى عشرين ساعة وقد لقي العشرات من عساكر العدو مصرعهم في هذه المعركة التاريخية.
ولد البطل الملا عبد الهادي سعيد في غضون عام 1410 الهجري في قرية كبات بمديرية وازيخوا لولاية بكتيكا في أسرة الحاج عبد الرحمن المجاهدة والمتدينة.
أكمل مرحلته الدراسية الابتدائية والمتوسطة في مدارس مختلفة في منشأه، شب بطلنا ونشأ في عبادة الله وترعرع على حب الجهاد في سبيل الله وامتزج بقلبه حب الشهادة فلذلك ترك مرحلته الدراسية والتحق بركب المجاهدين
وخاض معارك ساخنة ضد المحتلين.
وبينما كان سائرا على درب الجهاد إذ رأى ذات ليلة النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يوصيه بعملية استشهادية فالتحق بقافلة الاستشهاد، وأعد العدة وتدرب وحمل سلاحه وتجهز وقام بعملية استشهادية إنغماسية على قواعد المحتلين العسكرية ودوائر حكومية في قلب العاصمة ونال فيها أسمى أمانيها الشهادة في سبيل الله نحسبه كذلك والله حسيبه.
فرحمك الله يا عبد الهادي وتقبلك في الشهداء.


البطل الشهيد الملا عصمت الله زهير (رحمه الله)
الحياء والغيرة والبسالة من أخلاق الشهيد الملا عصمت الله زهير الذي التحق بركب الشهادة وهو في عنفوان شبابه.
كان رحمه الله ابن الحاج محمد غفور توخي حفيد محمد إبراهيم من قرية غلام رباط بمديرية شاه جوي لولاية زابل، لم يتجاوز عمره عن 23 سنة لكن لم تمنعه حداثة سنه من مقارعة أعداء الله.
كان فارسنا المغوار في صغر سنه يتعلم الدروس الشرعية إذ غزا العلوج الصليبيون بلادنا، وبما أن الشهيد نشأ في أسرة متدينة ومجاهدة لذلك كان عاشقا لثغور الجهاد والنكاية في أعداء الله.
فأغلق كتبه وذهب إلى جبهات القتال فما يُطلب علمٌ إلا للعمل، وألجأ أعداء الله إلى تكبد الخسائر الفادحة وجعل ثرى البلاد جمرا عليهم.
ولبطولاته الجهادية عُين كنائب لمجموعة جهادية في المنطقة فأدى ما وكل به بمهارة وأهلية تامة.
وقد جمع بطلنا الشهيد في نفسه عقيدة الولاء والبراء فكما كان شديدا على أعداء الله تعالى كذلك كان رحيما على إخوانه المجاهدين شهيرا بينهم في الأخلاق الحسنة.
و بما أغمر قلب فارسنا بحب الشهادة لذلك لا يتخلف عن معركة دارت بين الإسلام والصليب على ثرى مديرية شاه جوى من ولاية زابل.
وذات مرة وقع في أسر الأمريكان، لكن الله من عليه
ونجاه من غياهب الصليبيين، ولكن يحطم عزيمته الأسر ومظالم الوحوش الصليبية فما نكص على عقبيه بل قوي عزمه وعلت عزيمته واستمر في سيره على درب الجهاد المقدس وتوجيه الضربات الفولاذية على أعداء الله.
حتى عرفه العدو وصاروا في طلبه وقدروا عليه في مداهمة وحشية في شهر صفر من العام 1433 الهجري، فلم يعطي الدنية لهم بل قاتلهم وقتل سبعة من المحتلين والعملاء وقُتل هو أيضا فكان من الذين جمعوا بين فضيلة قتل الكافر وبذل النفس في سبيل الله نحسبه كذلك والله حسيبه.


قدوة للتضحیة والإیثار الشهید المقدام الملا تورجان رحمه الله
إنّ التوبة، والإنابة، والرجوع إلى الله سبحانه وتعالی بإخلاص، ویقین، وثبات، وصبر، لشخصٍ توغّل في الآثام ومعاصي الربّ، من أعجب الأمور _ إلا من شاء ربي إصلاحه وهدایته- سیما في حین تمطر الفتن، وأقبلت الدنیا تغرّ الناس ببهرجتها، وزخارفها الخدّاعة البرّاقة، والتي لم یعد قلب لینجو منها.
فالقلوب بین أصبعي الرحمن یقلبها كیفما شاء، وإلاّ لما كنّا نتحدث الآن عن الملاّ تور جان رحمه الله، ولم نكد نجترئ بأن ندرج اسمه في قائمة السلك الذهبي نظراً إلى ما هاب النّاس منه قبل التزامه!
فسبحان الباري عز وجل الذي قلّب قلب أمیرنا إلى ما یحب ویرضی حتى یكون مأنساً للناس، ومألفاً یحبّونه، ویكرمونه، ویودّون صحبته؛ لأنّ وجهه الهشّاش البشّاش، وخلقه النبیلة یجعلانك لا تقلّب طرفك إلاّ إلیه.
نعم؛ إنه بعدما جعل هذا الدعاء نصب عینیه:
{اللهم یامقلب القلوب ثبّت قلوبنا علی دینك، اللهم یا مصرّف القلوب والأبصار! صرّف قلوبنا علی طاعتك، اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور}، أراد أن یرضي الله سبحانه وتعالی حتى یأتیه الیقین.
فبعدما بایع القادة المیدانیین عاهدهم بأن یریهم منه ما یثلج صدورهم، ویبرد غلیلهم.
فأمره الشیخ المولوي عبد الرشید حفظه الله أن یكوّن لنفسه عصابة تثخن في الأعداء علی ثری مدیریة خاشرود.
فاجتمعت حوله عصابة من الشباب المتحمّسین، فجهزهم الشیخ بالأسلحة والأمتعة والزاد، وعیّنه كقائد عسكري في مدیریة خاشرود الحبیبة.
قل ما شئت عنه من أخلاق، وصف ما بدا لك من شجاعة فلن تجد وصفاً لتصف به هذا الضرغام، واللیث المقدام.
إنّ ذكریاته العطرة لم تزل تراود الذهن، أبیّن شیئاً بسیطاً بإذن الباري علی ما یتیسر لي في هذا المقام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظیم.
نعم؛ قد كان رمضان عام 1428هـ.ق ، ذهب بنا سماحة القائد المیداني الشیخ الحافظ غلام الله – حفظه الله- بعدد كبیر من الإخوة، وكان معنا قرابة ست من الإخوان العرب تقبلهم الله، وكانت أوضاع مدیریة خاشرود في ذلك الحین حرجة، لم یكن للمجاهد أن یتجوّل في النهار؛ بل كان الأمر بالخفاء حیث ذهبنا فلما وصلنا وقت العصر قریباً من المدیریة، فمكثنا عند نهر وصلینا العصر ثم انتظرنا حتى یرخي اللیل سجوفه ویدلهمّ، وبعد صلوة المغرب وصلنا إلی القریة، فقسم الأمراء الإخوة علی جماعتین، جماعة مع القائد الملا تور جان رحمه الله وجماعة مع الملا عبد المنان، وكنت مع الإخوة العرب كترجمانٍ لهم.
لا نخرج من بیته إلا للوضوء وقضاء الحاجة ثم نبیت في غرفة، حتى أتی موعد العملیة، واجتمع الإخوة والقادة في بیت ملا تور جان رحمه الله، ثم استشار القائد المیداني الحافظ غلام الله القادة الآخرین، فرتبوا عملیة ثم رجع الإخوة سالمین من هذه العملیة.
وبعد ذلك كان رحمه الله تعالی یجول ویصول علی الأعداء بكل شراسة ویذیق الأعداء الخیبة والخسران، كما أنه غنم غنائم كثیرة حتى هابه الأعداء.
حتى آن أوان التضحیة والفداء والإیثار، تضحیة مثالیة فریدة؛ لأنه عندما كان یكابد العدو الخسائر الفادحة بعد الحین والآخر، شكی العملاء إلی أسیادهم الأمریكان لنجدتهم.
یقول الأخ الحافظ داود المهاجر: ذات لیلة تعشّینا عنده إذ فوجئنا بأزیز النفاثات والطائرات الجاسوسیة، فسرعان ما تركنا بیته وذهبنا إلى منطقة أخری، ثم أتی الأمریكیون علی إثرنا وداهموا بیته ولكن ما وجدوا أحداً، فرجعوا یجرّون أذیال الخیبة والخسران.
ثم یتفكر القائد رحمه الله ماذا یصنع، فیشاور الأمراء، ثم یقصد بأن یهاجر إلی “برافشة” بأهله و أولاده، فیصاحب معه ثلة الإخوة الأصفیاء، وهم: الأخ محمد عمر، والأستاذ عبد الله السرخسي، والأخ أسامة (محمد كاظم) رحمهم الله تعالی، وكذلك یأخذ بعض أمتعة بیته ویأخذ أولاده التسع، وزوجاته الثلاثة، وأمّه الحنونة.
وفي الطریق یبتلی القائد ابتلاء حسناً بحیث تخرب سیارتهم ثمّ یرون بأن الطائرات الحربیة من النفاثات والمروحیات تجول من سمائهم.
فعندما یسمعون أزیز الطائرات والمروحیات، یصعدون قلل الجبال القریبة منهم، ویترصدون للأمریكان، فنادتهم الأمريكان عبر مكبرات الصوت بأن سلموا أنفسكم تسلمون.
فنادی الأبطال مكبّرین مهلّلین إننا قد كنا نغرم الشهادة من قبل فهل نفر منها وهي تقرع بابنا.. لا والله …أیها الأنذال إننا لا نسلم بل نبغي إحدى الحسنیین.
فقصفتهم الطائرات، وضخت علیهم المروحیات وابلاً من النیران والقذائف، إلا أنهم ما وهنوا لِما أصابهم في سبیل الله وما ضعفوا وما استكانوا؛ بل صبروا وثبتوا وقاوموا ساعات طویلة.
ویصعد الشیخ تارةً احدی الجبال ویرمی إلى الأعداء، ثم یرجع مرة أخری إلی أهله وههنا یتألم بألم یكوي الكبد حیث یری ولدیه الرضیعین قد قتلا من رصاصة العدو ویری كذلك اثنتین من زوجاته قد لقیتا مصرعهما، فیغطیهما بالرداء ویفصل عنهما جواهرهما ویلقیهما إلی جانبهما حتى إذا ما وصل العدو السارق إليهما لاتفتشهما لجواهرهما ؛ لأنها مفصولة عنهما..
بالله علیك یا شیخنا ماذا كنت تحمل بین جنبیك أو ما كانت إلا قطعة لحمٍ طالما تذوب قبالة هذه الكوارث وتتقطع تجاه هذه البشائع التي تقترفها الصلیبیون علی الأفغان علی ثری وطنهم..
ولیت الأمر توقف إلى هذا الحدّ .. لكن .. هیهات.. هیهات.. فإنه عندما یقلّب طرفه إلی ورائه یشاهد مشهداً مفزعاً یقطع نیات قلب إنسان حرّ.
ولمثل هذا یذوب القلب من كمد
إن كان في القلب إسلام وإیمان
لهف نفسي إنها أمه تكفكف دموعها علی فلذة كبده وعیاله كیف یشوون في نار الصلیبیین علی مرآى ومسمع منها..
فلیجعل كل منّا نفسه مكان القائد رحمه الله و یغمس في بحر هذه الابتلاءات حتى یدرك كنهها.
یُهدهد الشیخ أطفاله ویواسي أمّه الحنونة وعیاله، ویوصیهم بالصبر والسلوان، ثمّ یری بأن أمه حافیة القدمین فینزع حذائه، ویعطیها حذائه، ثم یصعد من تلة أو جبلٍ قریب منه فیهلل ویكبّر.
متلفع بســـــــــلاحه ** والعزم منه تفجّر
خاض الصعـاب وهولها** ماهاب كفراً أغبر
یا رُبّ لیل لم یذق** فیه اللذیذ من الكری
أینام في لذاته ** والكفـر من حقد بری
حشدت له أعدائه** ویقینه صلب العری
ضاقت به أیامه** والقلب منه استبشر
أنّت له أقدامه** وبكت إلیه تفطرا
وشكت له أطرافه** یكفي أسیً وتصبّرا
فأجابها متجلداً** قد بعت والله اشتری
یا الله ما أعظم هذه المصیبة والبلیة عندما تحتار الأنامل والحروف لتختلف حتی تصور هذا المشهد المروّع، بل هذه الوصمة العاریة علی جبین الديمقراطية الغربیة التي هي مجرّد تمثیل علی ذقون الشعوب المسلمة، وامتصاص لغضب المسلمین، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظیم.
وبعدما یقاتل قتال الأبطال، یقضي نحبه في سبیل الله في ربیع الأول عام 1429هـ.ق،- مع عصابته الفدائیة – مقبلا غیر مدبر، ومضرباً أروع المثل في التضحیة والفداء، وبتعبیر بعض الإخوة رحل – إن شاء الله وبإذنه
– رحلة عائلیةً إلی لقاء الله سبحانه وتعالی. صلاح الدین الكردي رحمه الله
فتحت كراسة ذكریاتي فإذا بكلمات لي كتبتها في السجن الكبیر بلتشرخي بكابول العاصمة عندما نعیت عن الأخ البطل صلاح الدین الكردي، من أحفاد صلاح الدین الأیوبي رحمه الله. فوقع في نفسي أن ننشرها حتى تعمّ الفائدة إن شاء الله.
جاء صدیق لي وأعطانی الجوال حتى أكلم أخاً لنا في الخارج (أي خارج السجن) فأخذت الجوال.. وتجاذبت معه أطراف الحدیث إذ أخبرت بخبر نزل كالصاعقة علی الفكر والأعصاب، وما كدت أصدق الخبر وقلت في نفسي: لعلّ السمع أخطأ..
لا.. لا.. لا یمكن أن یتركنا بهذه السرعة.. یا الله اجعل الخبر عكس ذلك.. كیف أصدق؟؟
ولكن بعده وقع في القلب أنّ الخبر صادق، وقد حكم القضاء بما شاء الله تعالی وهو العلیم الخبير.
أیتها النفس أجملي جزعاً إنّ الذي تحذرین قد وقعَ
إنا لله وإنا إليه راجعون.. التحق بركب الشهداء شاب ورع، وعمره لم یجاوز الثلاثین!
یا الله كیف استسیغ الحیاة بعد هذا حیث الأبطال من إخوانی وبنی جلدتی یلتحقون بالقافلة وأنا المذنب.. السقیم من الخطایا.. أتلهف علی فراش الحسرة والندامة.. وأیم الله إنّ أسود الإسلام متنعمین – بإذن الله- بلذائذ الآخرة الخالدة، وفي أحضان الحور العین، وأنا متقلب في نعم الدنیا الفانیة..
إنّ القلب لیحزن، وإنّ العین والله لتدمع، وإنا لفراقك یا صلاح الدین لمحزونون.. حقا عرفتك عند ما التقیت بك، وحكی جبینك السجّاد، وقلبك الشجعان، بأنك حفید صالح، ووارث مثالي لصلاح الدین الفاتح.. صفاتك وسماتك تشهد بأنك كنت نموذجا حیا من الحماسة والفداء والسماحة والإخاء، والخلوص والتقی..
صلاح الدین كیف أنساك، لا بل وكیف ینساك مداد التاریخ؟..
سكك فراشه، وجبال هندوكوش كیف تنساك؟..
فكنت تنزل من جبل إلى جبل.. ومن شعب إلی شعب تزرع الألغام.. وتسوي الصواریخ مع عصابتك من الأبطال الغرّ المیامین، كی تثخن في الأمریكیین، فیعرفك التاریخ كقائد رشید ضرب أروع المثل في التضحیة والبطولیة والفداء.
كنت تحمل علی كتفك رشاشك المهدار، كلما سمعت هیعة أو فزعةً طرت إليها، تحسب القتل أو الموت مظانة.. والله كنت نموذجا حیاً من هذا ویشهد بذلك رحلتك الأخیرة التي نلت فیها مقام الشهداء، وكلما أراود ذكریاتك العطرة في ذهنی تُبكیني عیوني، وتنسكب منها عبراتي..
لا أذكر بأن عیني دمعت علی أخٍ التحق بالقافلة، كتذرافي علی فراقك یا صلاح..
خطواتك الخالصة الجادة تشهد بأنك لم تكن ترید المقام ولا الجاه.. فكلما نزل الأمریكیون علی مكان، كنت أول مقاتل أمامهم.. فكنت مقداماً في الحروب والمعارك، فكنت من نوادر الذین ربتهم أرض “برافشة”، أسوداً أحراراً ینامون باحدی مقلتیهم، ویراقبون بالأخرى الأعداء، حتى أدهشت الأعداء.. فكنت حقا من الذین دخلوا أرض الجهاد ثم طلقوا الدنیا بزخارفها الخادعة وأمتعتها البراقة..
تركت المألوف وابتعدت عیش البذخ والرفاهیة، وزهدت عن الدنیا، واقتنعت بما یسدّ الرمق ویقیم الصلب، في عصر الشهوات والمطامع، في عصر الأهواء والشهوات، في عصر الجاهلیة وعبادة البطن والمعدة.
نعم؛ وقد أعلنت بأنك لا ترضی بأن تعیش كعجماوات ودواجن لا تحتاج إلا علی علف أو مكان تأوي إلیه، كلا بل كفرت بهذه الحیاة ألف مرّة، فالحیاة في ظل التوحید والإیمان تصنع الرجال، وتقویهم فلا تثنیهم الجبال الراسیات، ولا تقاوم أمامهم الدول والحكومات.
فبعد ما تكابدت نیّفا وثلاث سنوات أصنافا من البلایا والمحن، والخطوب والإحن، طرتَ إلی نعم القدیر في یوم الأربعاء 16/2/1389 هـ.ش، لتكون روحك في جوف طیر خضرٍ، تطیر من شجر علی شجر تحت عرش الرحمن بإذن الله-
وفي الأخیر أدعوك یا الله وأرفع لدیك أكف الضراعة والخشوع أن لا تجعلنا من الخوَنة لدماء خلّانك الأتقیاء.