أفغانستان والانتخابات الإمريكية 2020 ؛ ما هو المهم ومن هو الأهم؟

بقلم: حبيبي سمنغاني
تعريب: سيف الله الهروي

خلال الانتخابات الداخلية الحزبية أو الوطنية في الولايات المتحدة، لم يكن هناك أي ذريعة لمسؤولي كابول للفرح والاحتفال ورفع المعنويات، والسبب أوّلا هو أن جميع المرشحين سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين أصروا في حملتهم الإنتخابية على الإنهاء العاجل للحرب في أفغانستان، وإلى الآن يصر كل من ترامب وجو بايدن على مغادرة القوات الإمريكية لأفغانستان، وهو ما تعتبره إدارة كابول وفاة لها، هذا هو السبب في أن إدارة كابول، على الرغم من كل مخاوفها بشأن فوز ترامب مرّة أخرى، لا يمكنها أن تكون متفائلة بشأن جو بايدن.

في المناظرة التليفزيونية الثالثة بين المرشحين في الحزب الديموقراطي في سبتمبر 2019، وصف جو بايدن أفغانستان بأنها دولة لا يمكن إصلاحها، واعتبر نفسه بالمؤيد للتعددية في أفغانستان، وأضاف قائلا: إن انسحاب القوات الأمريكية كان أحد أهداف سياسته الخارجية، هذا وأن الرئيس ترمب أوقف في سلسلة تغريدات له قبل قليل المحادثات مع طالبان، بأنها محادثات “ميتة”.

كما أن جو بايدن ردّ على سؤال وجه إليه مجلس العلاقات الخارجية في أكتوبر 2015، “هل هو ملتزم بالانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان بحلول نهاية ولايته الأولى؟” قائلا: سأخرج القوات الإمريكية في الدورة الأولى من ولايتي.

وإن ذكر جو بايدن رداً على طلب منافسته الحزبية، إليزابيث وارين، التي قالت: “حان الوقت الآن لعودة القوات الأمريكية إلى أفغانستان، بأن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان سيؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة”، لكنه قال في مقابلة أخرى في هذا الصيف حيث أوشك ترشيحه الديمقراطي على الانتهاء: “لا نريد القتال في أفغانستان بذريعة حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ويجب ألا تنشغل القوات الأمريكية لحل المشكلات الداخلية لأفغانستان”.

موقف ترامب كان واضح حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض وقبل ترشيحه في انتخابات 2016، فلطالما وصف الحرب في أفغانستان بأنها عديمة الجدوى ولا معنى لها، وباستثناء 22 أغسطس 2017 إلى 5 سبتمبر 2018 ، بعد عام من إعلان وتنفيذ استراتيجيته الحربية ضد أفغانستان، كان يصر دائمًا على إنهاء الحرب غير المجدية في أفغانستان، وخاصة اعتبر إنهاء معاهدة الاحتلال، في حملته الانتخابية 2020 إنجازا كبيرا لرئاسته.

لقد تدهورت العلاقات بين ترامب وإدارة كابول خلال السنوات الأربع الماضية، فلم يكن ترامب مستعدًا للقاء مع أشرف غني رغم عمالته وخدمته للولايات المتحدة إلا بعد شهور من توليه منصبه، لكن خلال ولاية ترامب التي امتدت لأربع سنوات، رحب أشرف غني وفريقه بموقف ترمب مرتين فقط. كانت المرة الأولى في أغسطس 2018 ، عندما أعلن ترامب استراتيجيته الحربية الجديدة لأفغانستان، والمرة الثانية كانت في سبتمبر 2019 ، عندما علق ترامب المحادثات مع طالبان ووصف عملية التفاوض بأنها “ميتة”.

كما كانت معاملة ترامب لأشرف غني مثيرا للشك أيضا، ولا سيما عندما ذهب ترامب إلى القاعدة العسكرية الأمريكية في باجرام بدلاً من الذهاب إلى القصر الجمهوري خلال رحلته غير المتوقعة إلى أفغانستان في نوفمبر 2019 واستدعي أشرف غني إلى هناك، فأوقف غني مع ترامب وسط القوات الأمريكية بعد خطابه، المعاملة التي وصفها أنصار النظام بأنها مسيئة موهنة لأشرف غني، لكن أشرف غني ادعى أنه صديق مقرب لترامب، هذا وأن المستشار الأمني الإمريكي السابق جون بولتن ذكر في كتابه غرفة الحوادث أن الرئيس الإمريكي كان يخلط بين اسم أشرف غني وحميد كرزاي دائمًا في الاجتماعات المهمة حول أفغانستان.

على العكس من ذلك، فإن طالبان، منذ أن عارض ترامب الحرب في أفغانستان، كانوا يسعون في إقناعه بإيجاد طريقة لسحب قواته من أفغانستان تبقي لها ماء الوجه، فكان الوضع واضحًا لترامب، لأن أوباما كرئيس للولايات المتحدة الإمريكية أقر في خطابه الأخير صراحة بهزيمته في أفغانستان، وأعرب جنرالات أمريكيون آخرون عن هزيمتهم. فلم يكن أمام ترامب خيار سوى إنهاء الحرب للحفاظ على ماء الوجه المتبقي للولايات المتحدة.

لكن عندما أعلن ترامب عن استراتيجيته الحربية الجديدة نتيجة ضغوط دعاة الحرب، وقفت حركة طالبان تجاهها بشجاعة وأحبطوا التجربة الحربية لترامب، فأعادوا إليه وعيه وعلموه درسا بأنه لا ينبغي أن يكون مثل بوش وأوباما، ولا يركز على استراتيجية الحرب فيواجه الفضيحة والخزي.

هكذا لما أوقف ترامب المحادثات التي كادت تصل إلى نهايتها، بهدف الضغط على طالبان، فأظهرت طالبان ردا كان يدل على سمو معنوياتهم العالية، وصرحت بأن “في السنوات الـ 18 الماضية، أثبتنا أننا غير راضين بأقل من الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من أفغانستان وسنواصل القتال لتحقيق هذا الهدف”. لكن مسؤولي كابول الذين كانوا يخالفون عملية السلام منذ البداية، انتهزوا الفرصة، ودعموا موقف ترمب، واصفين طالبان بالعامل الأصلي لتوقف المحادثات.

والأهم من ذلك، أنه كان يذكر كأحد الأسباب الرئيسية لإيقاف ترامب للمحادثات هو أنه كان يريد أن يأتي فريق تفاوض طالبان إلى كيمب ديفيد منزل الرئيس الأمريكي الشتوي قبل توقيع الصفقة، لكن طالبان رفضت مطلب ترامب، وقالت بدل المعاملة السرية يجب توقيع الاتفاق علنا في الدوحة، وهذا يوضح أن معاملة طالبان مع الولايات المتحدة وترامب كانت مبدئية وجريئة تمامًا.

لا يزال يرى الخبراء بأن طالبان لو وافقت على وقف إطلاق النار في الأيام الأخيرة، لكان ذلك إنجازًا كبيرًا لترامب، ولكان يلعب دورًا رئيسيًا في فوز ترامب بإعادة انتخابه، لكن موقف طالبان من هذه القضية كان أيضًا منطقيًا ومعقولا، فلم تكن لديهم ميول نحو سياسات الانتخابات الأمريكية، لأن طالبان تعلم أنه في حال فوز ترامب أو بايدن، فإن الحل الحقيقي الوحيد للولايات المتحدة هو إنهاء احتلال أفغانستان، لكن هذه المبادرة تسجل باسم ترامب الذي اعترف خلافا لسلفه الحقائق واستسلم لإنهاء الاحتلال.

لو قمنا بدراسة سياسة طالبان وإدارة كابول ومطالعتها على مدى السنوات الأربع الماضية لإدارة ترامب، وخاصة الانتخابات الإمريكية 2020، فإن الملخص لها أن إدارة كابول تريد أن تستمر الحرب ويستمر الاحتلال، وتطول الأزمة التي طالت أربعين سنة سواء كان ترامب في البيت الأبيض أو جو بايدن، لكن طالبان تريد أن تنتهي الحرب وينتهي الاحتلال ويسمح للأفغان أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم بدل من التدخلات والتجبرات والاستبداد، سواء أكان ترامب في البيت الأبيض أم جو بايدن.