أفغانستان وموسم جني الخشخاش!

بقلم: عرفان بلخي

نحن اليوم في موسم حصاد الأفيون، ونشهد فشل المحتلين في حربهم ضد هذه النبتة القذرة، وهم ينسحبون بعد أن خسروا حربهم ضد صناعة المخدرات، على الرغم من استثمارهم لعشرات المليارات من الدولارات في محاربة الأفيون، إلا أن هذه النبتة لا تزال مزدهرة في البلاد. ويلعب الأفيون الذي يستخدم لصنع الهيروين، دوراً أكبر في اقتصاد الدولة وسياستها.

ازدهرت زراعة الأفيون في بلادنا في ظل الاحتلال الأمريكي، وطبقاً للمصادر المطلعة، تعد أفغانستان حالياً المصدر الأول للأفيون في العالم، وقد دعى المجتمع الدولي الحكومة العميلة مراراً إلى القيام بمكافحة الفساد والمخدرات، وشدد على ضرورة بذل جهد دولي لمصالح أفغانستان، ليتمكن هذا البلد المنكوب من تلبية حاجاته على صعيد التنمية والأمن والاستقرار، كما شدد على ضرورة توسيع التعاون الإقليمي والمصالحة الوطنية، ولكن أين الآذان الصاغية والاستطاعة الكاملة والإرادة الصلبة والقلوب المفعمة بالخير والصلاح والعزيمة الصادقة؟.

لا يخفى على أحد أن إمارة افغانستان الإسلامية كانت قد قضت تماماً على زراعة الأفيون في البلاد قبل الغزو الأمريكي، وهذا ما يشير إلى التزام الشعب وامتثاله لأوامر أميره بخلاف، أوامر العملاء، فالحكومة العميلة لا تستطيع منع زراعة الأفيون قطعاُ، وما أوامر العملاء إلا حبر على ورق، وقولهم ريح في قفص. لقد ساهمت الآلة العسكرية الأمريكية بازدهار تلك النبتة النحسة المشؤومة، وزادت من سلطة المتعاونين مع الاحتلال من أمراء الحرب الذين يزرعون الأفيون ويشجعون من يقوم بهذا العمل بحرية تامة، فلقد ازدادت نسب زراعة الأفيون خلال سنوات الاحتلال الأمريكي أكثر مما توقعه الاحتلال ذاته.

وأصبحت آفة الإدمان في هذا البلد من الأمور البارزة، حيث تشير آخر الدراسات التي أجريت عام 2015م إلى أن نحو مليونين وتسعمئة ألف شخص يتعاطون المخدرات في أفغانستان، وهي أعلى نسبة في العالم مقارنة بعدد السكان، مع العلم بأن 90% من الهيروين الذي يسري في العالم بأسره توفره الأراضي الأفغانية.

وعلى الرغم من أن هذه المشكلة معروفة للعالم، وهو يعاني من آثارها السيئة، إلا أن البنتاغون لم يكترث بها، ولم يبحث عن حلول لها، لأنه لا يرغب في كسب عداوة أمراء الحرب الموالين الذين هم السبب الوحيد والجوهري الذي يكفل بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، والذين يشرفون مباشرة على إنتاج وتجارة الافيون والمخدرات.

نحن لا نلوم الحكومات العميلة فهي كالعبد الكل على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير، ولكن نتساءل ماذا فعلت امريكا والغرب بخبرته الواسعة وتقنيته الفائقة ؟ هل استطاعوا القضاء على المخدرات في البلد المحتل؟ هل استطاعوا وضع حد لتزايد الجرائم الناشئة منها؟ هل استطاعوا أن يوقفوا أخبث مرض أفرزته المخدرات والجنس؛ مرض الايدز القاتل؟ وهل يرجى أو يُتوقع من المجرمين مكافحة ذلك؟.

أجل، إن الولايات المتحدة وبريطانيا قد أنفقتا مليارات الدولارات على إنشاء المحكمة الأفغانية الخاصة بقضايا المخدرات، غير أن المدعية العامة في قضايا المخدرات منذ ثماني سنين، نجلاء تيموري، تقول إنهم يواجهون مخاطر جمة كل يوم عند أداء عملهم، وتكشف أن بيتها اقتحمه مجرمون يعملون لحساب كبار مهربي المخدرات، مما جعلها ترحل من مسكن إلى مسكن للإفلات منهم.

وتقضي المحكمة بسجن أكثر من ألف مهرب كل سنة، ولكن تيموري تقول إنه من النادر الوصول إلى الرؤوس الكبيرة من أمراء الحرب تجار المخدرات .

يقول أحد المحللين لقضية الأفيون الأفغاني إنه “في الوقت الذي احتدمت فيه حملة القصف الأميركي خلال شهر أكتوبر من العام 2001، أنفقت وكالة الاستخبارات المركزية 70 مليون دولار كنفقات نقدية مباشرة على الأرض لحشد التحالف القديم لأمراء الحرب القبليين لإسقاط طالبان، وهذه النفقات اعتبرها الرئيس جورج دبليو بوش في وقت لاحق واحدة من أكبر مساوماته.

وللسيطرة على كابول والمدن الرئيسية الأخرى، وظفت وكالة الاستخبارات المركزية مالها لدعم قادة التحالف الشمالي، الذين لم يهزموا طالبان أبداً. وكانوا بدورهم، يسيطرون منذ فترة طويلة على عملية الاتجار بالمخدرات شمال شرق أفغانستان، وكانوا يسيطرون عليها في سنوات حكم طالبان. في هذه الأثناء، تحولت وكالة الاستخبارات المركزية أيضاً إلى استمالة مجموعة من أمراء الحرب البشتون الذين كانوا نشطين في تهريب المخدرات في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد. ونتيجة لذلك، عندما تراجعت طالبان، تم بالفعل وضع الأسس لاستئناف زراعة الأفيون وتجارة المخدرات على نطاق كبير.

في السنة الأولى من الاحتلال الأميركي، وفي سابقة تاريخية، ارتفع محصول الأفيون إلى 3400 طن. في حين أن وكالة الاستخبارات المركزية والجيش الأميركي غضا الطرف عن الأنشطة ذات الصلة بالمخدرات من قبل كبار لوردات الحرب.”

نعم؛ إن المصانع والمعامل الخاصة بمعالجة الأفيون لتحويله إلى هيروين قد شهدت نمواً هائلاً في ظل الاحتلال الأمريكي، مما يعني زيادة الانتاج، وقد صدق من قال: “أن الاحتلال حوّل بلادنا إلى أكبر مزرعة للأفيون في العالم، أفيون يوزعه على الدنيا بطائراته الحربية والمدنية على هيئة مسحوق الهيروين القاتل والذي يستنزف به طاقات الأمم وثرواتها، وقد دخل محصول الأفيون عصر الانطلاق العظيم بفضل جيوش الاحتلال ولا يستطيع اليوم أحد ضمان أن يتخلى المزارعون عن المخدرات في ربوع البلاد”.

وفي ضوء الحقائق والتقارير الدولية والإعلامية تبدو بلادنا اليوم بصورة الدولة التي فشلت في تحقيق التنمية، ومكافحة المخدرات، ونشر سيادة القانون، واستتباب الأمن والاستقرار، فهي دولة فاشلة في ظل الاحتلال الغاشم، وبات وجود الاحتلال سبب ازدهار الافيون في البلاد .

هذا وتقدر الأمم المتحدة فرص العمل التي تتوفر في موسم جني الخشخاش بأربعمئة ألف في بلد موبوء بالبطالة. وحسب الأرقام الرسمية التقديرية فإن ستة آلاف طن من الأفيون تجمع بأفغانستان خلال خمسة أسابيع على الأكثر، على مرأى ومسمع من قواعد عسكرية أجنبية وعميلة.

عسى الهم الذي آمسيت فيه      يكون ورائه فرج قريب!