الإمارة الإسلامية والاقتصاد المنشود

سيف الله الهروي

 

يُحكى عن العلامة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع أنّ أركان الاقتصاد ثلاثة: الزراعة والتجارة والصناعة، فإذا عمرتِ الثلاثة في بلدٍ تطورت وتقدمت وازدهرت، وإذا فسدت الثلاثة أو ضعفتْ انحطّ البلد وضعف، صار محتاجًا كامل الاحتياج إلى غيره، وإذا ضعفت في واحد كان البلد ضعيفًا في واحد من أركان اقتصاده.

هناك بلدان في العالم اشتهرت بالصناعة وأخرى بالزراعة، وثالثة بالتجارة، لكن البلدان الأكثر تطورًا هي التي أجرتْ موازنة في هذه الأركان الثلاثة للاقتصاد، وفي وارداتها وصادراتها.

بعض الأصوات المعاصرة تنادي بالاقتصاد الحرّ، وتهتف بالأسواق الحرة، ولا شك أنّ الدين الإسلامي أيضًا يقتضي أن يكون الاقتصاد حرًّا مستقلًّا، ويقرّر ملكية الأفراد ويرفض الاشتراكية، ويضبط حرّية الاقتصاد بمبادئ وأصول، وإلا فالاقتصاد الحرّ الذي اتبعته دول في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط جعل منها دولًا تابعة خاضعة للأمريكان، أو الصين أو غيرها من الدول الاقتصادية والقوى الاستعمارية الكبرى.

ولو عمّقنا النّظر، فسنجد أنّ الدول الكبرى -وإن هتفتْ بالاقتصاد الحرّ- إلا أنها قيّدت حرية اقتصادها وأسواقها بمصالح شركاتها الكبرى ومصالح قادتها، وهناك دول في المنطقة قيّدتْ حرية الاقتصاد بمصالح الأسر الحاكمة فيها، وهناك دول أخرى في المنطقة قيدتْ حرية اقتصادها بمصالح قواتها العسكرية وجنرالات جيشها المتسلط على رقاب الطبقة الفقيرة المستضعفة.

لا شك أنّ الاقتصاد المنشود لدى الإمارة الإسلامية هو الاقتصاد الذي بيّنت الشريعة ماهيته، وحدّدت حدوده، فالدينُ الإسلامي من ناحية قرر للشعوب المسلمة الاقتصاد الحرّ والأسواق الحرة، وحفظ لهم ملكيتهم الشخصية وحارب الاشتراكية الظالمة. ومن ناحية أخرى، قيد حدود هذا الاقتصاد وحريته بالمصالح العليا للدين الإسلامي ومصالح الشعوب المسلمة، ولا شك أنّ هذا التقييد والتحديد سوف يغلق الأبواب أمام كافة القوى الاستعمارية الطامعة التي تسعى للهيمنة على الشعوب الضعيفة وامتصاص ما في بلادهم من ثروات وخيرات، ولذلك نراهم يحاربون الإسلام، ولا يحاربونه إلا لأنهم يجدون فيه سداً منيعًا أمام أطماعهم وأهوائهم.