الاستقلال تحت راية الاحتلال

عماد الدين الزرنجي

 

إن ١٩ أغسطس/آب من كل عام، تاريخ مجيد في تاريخ أفغانستان، سجل فيه الشعب الأفغاني الباسل هزيمة أعتي قوة استعمارية في العالم وهي بريطانيا الكبيرة عام ١٩١٩ الميلادي. الانتصار الذي رفعت راية العز الأفغاني ولطخت بسمعة بريطانيا العظمي القتالية.

الشعب الأفغاني الأبي أثبت بهذا الانتصار القاطع أنه لايقبل الدناءة في دينه ووطنه وأنه يستطيع بإيمانه وشجاعته هزيمة كل بلد تحلم بالزحف نحو أفغانستان.

في عتبة ذكري المائة لذلك الانتصار الخالد نلقي ضوأ تاريخيا إلي الأسباب التي جرأت الجيش البريطاني علي دخول مغامرة احتلال أفغانستان آن ذاك. وحقيقة الاحتفالات التي تعقدها إدارة كابل لتخليد ذكري الاستقلال ولكن تحت راية الاحتلال.

إن تنافس أحفاد الملك الكبير، أحمد شاه أبدالي مهدت الأرضية لهجوم بريطانيا علي أفغانستان.ففي عام ١٨٣٩ لجأ شاه شجاع إلي بريطانيا وأبرم معها اتفاقية ترغبها إلي الهجوم إلي أفغانستان.

وقد سيطرت بريطانيا قبل ذلك علي الهند الشرقي وكان احتلال أفغانستان، حلما يراها قادة بريطانيا قبل ذلك وتحديدا مباشرة مع استقرار سلطتهم في الهند الشرقي. لکن الشروط لم تتوفر أنذاك للهجوم. أما الخلافات المندلعة بين أحفاد أحمد شاه، مهدت الأرضية لاحتلال أفغانستان. فوفق اتفاقية مبرمة بين شاه شجاع وسلطات الاستعمار البريطاني في بيشاور، تمكنت القوات البريطانية لأول مرة من أن تدخل العاصمة الأفغانية. لكن لم يمض وقت طويل حتي بدأت رأيات المقاومة ترفرف في أيدي الفرسان وأصوات الجهاد تنطلق مدوية في سماء البلاد. لم تمض ثلاث سنوات علي احتلال كابل حتي بلغت المقاومة الشعبية ذروتها. ففي عام ١٨٤٢ الميلادي وفي فترة احتفالات بداية السنة الميلادية في الغرب، شهدت جبال كابل تحطيم الأسطورة البريطانية.

لقد انتهت المعركة بإبادة الجيش البريطاني الذي كان قوامه ١٨ ألف شخص عن بكرة أبيه. بعد مرور ٣٧ عاما علي هذه المعركة التي لطخت سمعة بريطانيا العظمى، جاء الإنجليز مرة أخري ليستدعو الملك الأفغاني محمد يعقوب خان للتوقيع علي اتفاقية التنازل عن استقلال البلاد. وقد اختاروا موقعة “غندمك” للتوقيع على المعاهدة وهي نفس الموقعة التي شهدت إبادة جيش بريطانيا. لكن الرياح تجري بما لاتشتهي السفن حيث لم تمض ستة أشهر علي توقيع هذا الاتفاق حتي انتفض سكان كابل مرة أخرى وحاصروا القلعة التي كان يسكنها ممثل الدولة البريطانية وأحرقوا المندوب البريطاني كيوناري الذي وقع علي الاتفاق نيابة عن بريطانيا العظمى.

أما الحرب الأخيرة فقد بدأت في مايو/أيار ١٩١٩ واستمرت إلي يوليو/تموز من نفس العام. ولولا استعجال الملك أمان الله خان التوقيع علي اتفاقية الهدنة مع الإنجليز وإعلان الاستقلال، لتمكن المجاهدون الأفغان بالتعاون مع المقاومة الإسلامية في الهند من طرد الاستعمار البريطاني إلي ماوراء البحار.

بعد ما خرج الاستعمار البريطاني من أفغانستان، بدأ يخطط للعودة إلي المنطقة بأسلوب جديد والاستعمار المنع والتبعية المغلفة وإنتهاج سياسة فرق تسد. وذلك بإسارة الفتن القبلية والعرقية وصناعة القادة والأبطال المزورون الذين فتحوا له الطريق ليتمكن من الدخول عن النافذة.

الهزائم المتتالية التي ذاقها الجيش البريطاني، كانت مفاجأة ومرة. ومهدت الأرضية للهزائم الأخرى التي لحقت بذيل بريطانيا في البلاد الأخرى. الجندي البريطاني مازال يذكر تلك الهزائم المرة ويريد الانتقام. بعد حادثة الحادي

عشر من سبتمبر ٢٠١ كانت الإنجليز في مقدمة البلاد الأوربية التي صاحبت الإمريكان في الهجوم علي أفغانستان. وسمت قاعدتها العسكرية في كابل “سوتر”.

وهو أحد القادة المشاة في الجيش البريطاني الذي أسره شعبنا الباسل عام ١٨٤٢ ثم مات في السجن. وعندما وصلت القوات البريطانية إلي منطقة نادعلي بولاية هلمند في جنوب أفغانستان، أصرت على أن تستقر في قلعة شوكت وترفع العلم البريطاني علي أسوار تلك القلعة التاريخية التي كانت القوات البريطانية خرجت منها قبل قرن.

إن صفحات التاريخ الأفغاني مليئة من محاولات القوى الاستعمارية لاحتلال أفغانستان وجنبا إلي ذلك سجل فيه أسماء الخونة الذين فتحوا الطريق للمحتلين.

بالأمس البعيد حاولت بريطانيا العظمى احتلال أفغانستان وبالأمس القريب أراد النظام السوفييتي السيطرة على علي أفغانستان. لحقت تلك الإمبراطوريات بالتاريخ لكن الشعب الأفغاني الأبي مازال حي صامد وسيسجل هزيمة طاغية العصر، الإمريكان وأتباعها.

بالأمس لبس زي الخيانة شاه شجاع ويعقوب خان، أما اليوم لبس هذا الزي المخزي بعض قادة الجهاد الأفغاني ضد الشيوعيين.

الشعب الأفغاني مازال قائم في المعركة وفي كل عام يحتفل ذكرى استقلاله تخليدا لذكرى ذلك الانتصار الخالد المبارك وتشهيرا بالخونة الذين باعوا البلد لأجل الاتكاء علي كرسي الحكم.

إننا علي عتبة ذكري المائة لاستقلال البلد، نحن أمام مشهد امتزج فيه الحزن بالفرح والبكاء بالضحك، واختلط فيه الاستقلال بالاحتلال وجعل النفاق يظهر في أسوأ مظاهره ويبقى الإنسان في هذا المشهد حائرا. كيف يمكن الاستقلال تحت راية الاحتلال!

إن الاحتفال بالاستقلال تحت الاحتلال، بادرة ساذجة لتضليل أفكار الشعب وإغوائهم. إن عملاء إدارة كابل سعوا في هذه السنوات الثمانية عشر بالعناية الخاصة باحتفال يوم الاستقلال ومازالوا يسعون. وفي هذا العام نظرا إلي قرب هزيمة إمريكا وخروج قواتها من البلد، بدأت برامج الاحتفالات للاستقلال من أول شهر أسد/ يوليو. ونصبت لوحات تهنئة الاستقلال في جميع الشوارع علي صعيد البلد.

هذا وموعد الاستقلال الحقيقي قريب إن شاء الله. عند ذلك سنحتفل الاستقلال الحقيقي وسيسجل أسماء خونة إدارة كابل.