الافتتاحية: الحاضر والمستقبل في بيان أمير المؤمنين

جاء بيان أمير المؤمنين الملا محمد عمر بمناسبة عيد الفطر المبارك للتهنئة بالعيد والفتوحات العظيمة. وكالعادة حوى البيان عرضاً شاملاً للوضع الجهادي في أفغانستان وتطوراته وموقف الإمارة الإسلامية من المستجدات، مع التأكيد على الثوابت العقائدية والسياسية.

على رأس الثوابت تأتي شرعية الجهاد الذي تقوده الإمارة ضد قوات الإحتلال الأمريكي وأعوانه. وضرورة استمرار هذا الجهاد في ظل استمرار الإحتلال، الذي بالرغم من هزائمه وانسحاباته الكبيرة وإنحصار قواته في قواعد كبيرة محصنة، إلا أنه مازال يمارس قتل المدنيين ويدير جيوشاً من المرتزقة والأوباش. ويترتب على ذلك ضرورة الاستمرار في الجهاد إلى أن تتحقق أهدافه الشرعية الثابته وهي تحرير أفغانستان من الإحتلال وإقامة نظام إسلامي فيها.

 ــ تطوران هامان تزايد الإهتمام بهما في الساحة الأفغانية، فتصدى البيان لهما بالتوضيح، التطور الأول كان تكثيف العمل السياسي، الذي من الواضح أنه يتماشى مع تصاعد العمل العسكري المنتصر في جبهات القتال. فأوضح البيان أن العملين العسكري والسياسي يتكاملان للوصول إلى هدف شرعي واحد ومحدد منذ البداية، ألا وهو التحرير وإقامة النظام الإسلامي. وتلك هي الوجهة الثابتة والأساسية لجميع النشاطات الجهادية، سواء العسكري منها أو السياسي.

أشار البيان أن النشاط السياسي للإمارة ـ مهتدياً بالثوابت المذكورة ـ ينطلق في كل الإتجاهات الممكنة للإستفادة منها لتحقيق الأهداف المشروعة للجهاد. وفي هذا السياق يأتي أقوى تأكيد من أمير المؤمنين بهذا الخصوص حين يقول: (فليكن جميع المجاهدين والشعب الأفغاني على ثقة واطمئنان بأنني سأدافع دفاعاً قوياً عن الموقف الشرعي في كل مجال)، معلناً عن تشكيل (المكتب السياسي) كأحد الأعمدة الأساسية للعمل الجهادي، في المجال الدبلوماسي الخارجي والداخلي. وفي ذلك تخصيص لتمثيل الإمارة عبر جهة سياسية معروفة ومحددة، بعد أن تعددت عمليات الاحتيال والتزوير والادعاء بتمثيل الإمارة الاسلامية من جانب شخصيات غير مخولة بذلك. والآن أغلق المجال أمام ذلك التشويش وانعدمت فرص نجاحه.

وتأتي صيغة قوية أخرى في البيان لتؤكد شخصية رجل الدولة المقتدر، والمسؤول الذي يقدر خطورة موضعه ومسؤولياته المحلية والدولية فيقول: (بصفتنا إدارة منظمة ذات مسؤولية يقف وراءنا شعب كبير، ونعيش في مجتمع بشرى، ولنا حاجات متبادلة مع الناس لا يمكن الإستغناء عنها)، وفي ذلك إشارة قوية إلى أن افغانستان القادمة لن تكون مثل أي أفغانستان أخرى عبر تاريخها. فالظروف الدولية والتحول الجذري في موازين القوى الدولية في اتجاه آسيا، وتوافق ذلك مع تواجد تلك القيادة الإسلامية في أفغانستان على رأس شعب فريد في مواصفاته الإنسانية الراقية وتمسكه المطلق بدينه، ودور أفغانستان بثرواتها الطبيعية الهائلة، وموقعها الاستراتيجي الممسك بعقدة مواصلات آسيا الوسطى. كل ذلك يجعل من دور أفغانستان القادم محورياً بكل المقاييس، في مسيرة المسلمين والعالم.

ــ النقطة الثانية المستجدة في هذا البيان كانت التأكيد على وحدة الصف وإظهار العزم الأكيد على منع أي قوة من العبث بوحدة المجاهدين. ولا يذكر البيان ذلك من منطلق النصح والإرشاد فقط، حيث أن الواقع يشير إلى أن مجهودات خطيرة قد بذلت بالفعل لشق صف المجاهدين، وأن الإحتلال الأمريكي يقف وراء ذلك المسعى مدعوما من جهات إقليمية ساندته في عدوانه على أفغانستان ومازالت. لهذا فالبيان يعود للمرة الثالثة إلى لهجة القيادة ذات العزم والتي تعني ما تقول : (لذلك أصدرنا الأوامر لجميع مجاهدينا بإحكام وحدة الصف، وأن يسدوا بقوة طريق من يقوم بإيجاد الخلافات ويدمر الصف الجهادي ويسعى لتفريق المجاهدين). ويطمئن البيان شعب أفغانستان – ومن خلفه الأمة الإسلامية – على أن (التحول القادم لن يكون مثل الذي حدث بعد سقوط النظام الشيوعي الذي انقلب فيه كل شيء، لأن الصف الجهادي الآن لا توجد فيه تلك الخلافات التي كانت تعصف بالناس في ذلك الزمن).

إذن الأخطاء لن تتكرر؛ لأن الصفوف متراصة بإحكام، وأي محاولة لاختراقها من جانب أي جهة وتحت أي شعار مخادع لن يُقابل بغير “العزم” الأكيد على وأدها في مهدها بذلك العزم المستنير المستند على معطيات قوة حقيقية تمتلكها أفغانستان الشعب والقيادة.

ــ كلمة أمير المؤمنين تخترق الحجب صوب مستقبل مزدهر ورائع لذلك الشعب بالإرادة القوية وبنهضة علمية وتعليمية. لأن أفغانستان – كما أكد البيان – لن تبقى خارج العصر الذي تعيش فيه ولا يمكنها البناء أو حتى الجهاد دفاعاً عن المقدسات والأعراض والأموال بغير امتلاك ناصية العلوم الحديثة على ضوء الشريعة الإسلامية. ومن الآن يعطي أمير المؤمنين توجيهاته القوية والحازمة بقوله: (لذلك يجب على المجاهدين أن يهيئوا الظروف والمناخ المناسب لحصول الجيل الجديد من أبناء البلد على العلوم الدينية والعصرية في مناطقهم)، أي توطين العلوم الشرعية والحديثة على كامل الأرض الأفغانية ولجميع أبناء الشعب، وذلك بعزم وسواعد الجيل الحالي من المجاهدين العظماء الذين قهروا أعتى امبراطوريات الشر في عصرنا وكافة العصور. إن مهمتهم إلى جانب ذلك هي إعداد الجيل الأفغاني الجديد، الذي سيبني أفغانستان القوية منارة الإسلام والعلوم الشرعية والعصرية، ويرشد الإنسانية كلها إلى سبيل الرشاد.

 ــ لمحة أخيرة في البيان إلى دور أفغانستان القادم في لم شمل المسلمين الذين عصفت بهم الفتن والأهواء ومؤامرات الأعداء التي انساق إليها الكثيرين عن سوء قصد أو عن غفلة. يقول أمير المؤمنين في عبارة أخيرة: (وفي النهاية أرجو من جميع قادة المسلمين وعامتهم في العالم أن يعيشوا فيما بينهم حياة وحدة وأخوة، وألا يضعفوا صفوفهم بالخلافات الداخلية. وأن ينتهجوا سياسة التحمل والحلم والتدبر والتزام الشريعة). ذلك هو طريق النجاة من الفتن الحالية التي تعصف بالمسلمين. وهذه هي رسالة أفغانستان لإنقاذ أمتها في قادم الأيام. تلك هي المهام العظمى، ومن لها غير الأفغان؟.

الحاضر والمستقبل في بيان أمير المؤمنين