الافتتاحية: الشريعة الإسلامية؛ المدافع الأصيل والوحيد عن حقوق الإنسان

لا يختلف اثنان على أن سعي حكومةٍ ما إلى إشاعة الأمن وتثبيت أسُسه وتقوية ركائزه على أرضها من أوجب الواجبات وآكد المهمّات. ولا سبيل لعيش شعبٍ في بلاده آمنًا مطمئنًا قرير العين لا يخشى على دينه ونفسه وماله وعرضه، دون وجود العقوبات الرادعة الزاجرة للجُناة المعتدين، والحافظة الحامية لحقوق عامة الناس. ومن أدوات إرساء دعائم الأمن في الأوطان – لا سيما الإسلامية – هي إقامة شريعة الإسلام السمحة التي تفيض بالرحمة والرفق كما تمتلئ بالحزم والإحكام؛ فتعود الحقوق لأهلها، وينال المتجاوز جزاءه.

فلم تَدَع شريعة الإسلام جانباً من جوانب الحياة إلا نظّمته وهذّبته وأرشدتنا إلى الطريقة المُثلى للتفاعل والتعامل معه؛ على سبيل المثال لا الحصر: في جانب إقامة الحدود الشرعية – والتي هي جزءٌ من الشريعة الإسلامية وقطرة من بحرها الواسع – نجد أنها (أي الشريعة الإسلامية) شرعت القتل قصاصًا من القاتل للمقتول؛ لمنع شيوع سفك الدماء وللردع عن الاستهتار بأرواح البشر. وفي هذا الصدد، نستحضر قول الشيخ محمد متولي الشعرواي في تبيان حكمة الشارع – سبحانه – من إنفاذ حد القتل قصاصًا بالقاتل، إذ يقول: “إن العقوبة حين شرعها الله لم يشرعها لتقع، وإنما شرعها لتمنع. ونحن حين نقتص من القاتل نحمي سائر أفراد المجتمع من أن يوجد بينهم قاتل لا يحترم حياة الآخرين، وفي الوقت نفسه نحمي هذا الفوضوي من نفسه؛ لأنه سيفكر ألف مرة قبل أن يرتكب جريمة.

إذن فالقصاص من القاتل عبرة لغيره، وحماية لسائر أفراد المجتمع ولذلك يقول الحق سبحانه: {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ}. إن الحق يريد أن يحذرنا أن تأخذنا الأريحية الكاذبة، والإنسانية الرعناء، والعطف الأحمق، فنقول: نمنع القصاص. كيف نغضب لمعاقبة قاتل بحق، ولا نتحرك لمقتل برئ؟ إن الحق حين يشرع القصاص كأنه يقول: إياك أن تقتل أحداً لأنك ستُقتل إن قتلته، وفي ذلك عصمة لنفوس الناس من القتل”.

وعلى الرغم من وضوح نظام العقوبة في شريعة الإسلام بحق القاتل، إلا أن للأمر شروطاً وتفصيلات واعبارات يعلمها العلماء الأفاضل، وليس هذا محلّ بسطها.

ومؤخراً، أعلنت المحكمة العُليا بإمارة أفغانستان الإسلامية، مراتٍ عديدة، عن تنفيذها لعقوبات شرعية بحق جُناة في جرائم مختلفة، وبإمكان القارئ الكريم الاطّلاع على تفاصيلها من وكالات الأنباء الأفغانية الناطقة باللغة العربية.

وهذا أحد أسباب شيوع الأمن -بفضل الله- في ظل حكومة الإمارة الإسلامية؛ إذ أن المجرم يعلم قبل إقدامه على جرمه مالعقوبة التي تنتظره؛ فينزجر ويرتدع ويمتنع عن عدوانه.

أما أولئك البُلَداء، مدّعو الحفاظ على حقوق الإنسان – زعما – الذين يشنّعون على الإمارة الإسلامية إقامتها للشريعة الإسلامية – بما فيها الحدود الشرعية –؛ فلا يُقال لهم أكثر من أنّ إمارة أفغانستان الإسلامية التي لم تقبل بوجود ظِل لجندي محتل واحد على أرضها، والتي طردت جحافل المحتلين وطهّرت البلاد من دَنَسِهم؛ لا تسمح لمن تلطّخت أيديهم بدماء الأبرياء، الغارقون حتى آذانهم بالمجازر والإبادات الوحشية؛ لا تسمح لهم بأن يُملوا عليها أو أن يُحاضِروا لها عن الإنسانية وحقوق الإنسان والرحمة والرأفة والعطف!

وأمثال هؤلاء من زاعمي الدفاع عن حقوق الإنسان؛ يرون في القاتل إنسانًا ينبغي أن يدافعوا عن حقه في الحياة بأريحية، بينما لا يرون في المقتول المظلوم إنسانًا كان من حقه أن يعيش ويحيى كقاتله! يرون حق القاتل في القتل وسفك الدماء، بينما لا يرون حق المقتول في الاقتصاص له من قاتله ومجازاة القاتل جزاءً عادلاً تبرد معه حرارة الإنتقام وتخمد به نيران الثأر المتأججة في صدور أهل المقتول وذويه! فلولا هذا الاقتصاص العادل؛ لاستمرّ مسلسل هدر الدماء في المجتمع؛ هذا يقتل، وهذا يثأر، ثم ذلك ينتقم، وهكذا…

والواقع كفّة ميزانهِ راجحة دوماً للشريعة الإسلامية ولعدالة أحكامها ونجاحها في حماية الفرد والمجتمع من شيوع الجريمة وتفشّي البغي والفساد. وخير شاهد على ذلك هو تدنّي معدلات الجريمة في المجتمعات التي تقيم أحكام الشريعة الإسلامية في حياتها، بينما ترتفع معدلات الجرائم في غيرها.

 

نحن هاهنا تناولنا حدًا واحدًا – كمثال – من حدود عديدة عادلة شرعها الإسلام العظيم لحماية المجتمع وردع الظلمة وحفظ حقوق المظلومين. فأنعِم وأكرِم بالشريعة الإسلامية الغرّاء حاميةً حقيقيةً لحقوق الإنسان، ومدافعةً أصيلةً عن كرامتهم وعزّتهم.