الجهاد الأفغاني من وجهة نظر الشيخ «ريسوني»، وبعض من الحقائق …!!

بقلم: موسى فرهاد

قبل أيام بثت قناة «طلوع نيوز» مقابلة مع شيخ عربي باسم “أحمد الريسوني”، وعرض آرائه حول حرب “40 عاما” في أفغانستان والوضع الراهن، قائلا:” ليس للحرب وجه شرعي بعد انسحاب الأمريكيين من أفغانستان”.

من هو الريسوني؟

ولد أحمد بن عبد السلام بن محمد الريسوني عام 1953 في مقاطعة العرايش بـ”المغرب” إحدى الدول العربية الأفريقية. ودرس الأدب العربي والقانون والفلسفة والشريعة. ثم عمل في البداية محررا قضائيا، ثم مارس المحاماة لبعض الوقت، ثم عمل مديرا لجريدة “التجديد” وعمل في نفس الوقت مسئولا للبرامج العلمية على بعض الشبكات التلفزيونية، ثم أسس فيما بعد حركة “التوحيد والإصلاح”. وبعد العمل في مختلف الوظائف الحكومية وغيرالحكومية، عين في الوقت الحالي رئيسا لـ”الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين” (تأسس في لندن سنة 2004م، ومقره الآن في قطر).

غالبًا ما يتم استفتاءه في وسائل الإعلام حول القضايا الدولية، وله منظور فريد خاص به حول الحركات الإسلامية والقضايا الإسلامية في جميع أنحاء العالم. كما أصدر مؤلفات عدة حول هذه المواضيع.

في مقابلته مع طلوع نيوز:

رداً على سؤال المراسل،”ما رأيك في الحرب والوضع الحاليين في أفغانستان، الآن وبعد أن خرج الأجانب والمسلمون من الجانبين يتقاتلون؟

أجاب الريسوني: “نحن نراقب مجرى أوضاع الأربعين عاما في أفغانستان، ونعتبر أنفسنا مشاركين مع الشعب الأفغاني في أحزانه وأفراحه، وقد قلت لقادة طالبان أيضا أن الآن وقت المصالحة، وليس للحرب أساس شرعي، وينبغي أن يتواصل الأفغان فيما بينهم إلى توافق على تشكيل حكومة جديدة، ولا تجوز الحرب بين المسلمين حتى لو لم تؤد قتل شخص واحد. لا يوجد الآن أجانب.

وتلا في جزء آخر من المقابلة آية من القرآن الكريم،” وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنۢ بَغَتْ إِحْدٰهُمَا عَلَى الْأُخْرٰى فَقٰتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتّٰى تَفِىٓءَ إِلٰىٓ أَمْرِ اللَّهِ ۚ …” ومع أنه يرى أن الوضع الحالي في أفغانستان لا يندرج ضمن هذه الآية، لكن موقفه هو أن هذه الحرب تحت أي مسمى كانت، يجب أن تُوَقَفَ فوراً، فالحرب بين المسلمين ليس لها أي أساس شرعي، ويجب أن يتوجه الجميع إلى التصالح.

جميع تصريحاته في سياق أسئلة المراسل تكاد تكون مماثلة لقوله بأن الحرب بين المسلمين ليس لها أي أساس شرعي، ويجب أن يركز الأفغان على التفاهم فيما بينهم.

ومادام أن تصريحاته تحمل صبغة تتجاوز من الفتوى الشرعي إلى التعبير عن موقفه السياسي، فمن الطبيعي أن كل واحد يوصي الأفغان بالتفاهم السياسي بدلاً من الحرب، ويعتبرها مسؤوليته السياسية والأخلاقية، لكن توصياته هذه تصدر دون الفهم العميق لأربعين عاما من المقاومة الجهادية في أفغانستان. وعندئذ ستكون محاولاته لإصدار فتوى ذات مصداقية إذا كان المرء على دراية كاملة بالحقائق على الأرض حول هذا الموضوع.

العلة الأساسية للحرب:

لو نظرنا معا بإيجاز في امتداد التاريخ المعاصر لأفغانستان، فإن الحرب التي اندلعت هناك كانت أساساٌ نتيجة عدوان خارجي أو تدخل خارجي، وعدوان بريطانيا لمرتين أحد الأمثلة على ذلك، ثم عدوان روسيا غير المباشر و العدوان المباشر مثال آخر، ويليه غزو الناتو الأخير بقيادة الولايات المتحدة.

وأما لماذا استمرت الحروب بعض الوقت بعد انسحاب الغزاة؟! فإن السبب مرة أخرى وأسفاه يعود لأولئك الدمى الخونة الوطنيون الذين تصرفوا كطليعة لكل جيش غاز.

بعدما اتضح لنا من قراءة الحاضر والماضي أن الحرب فرض على الشعب الأفغاني بسبب الغزاة الأجانب بطبيعة الحال، فإن مقاومة الشعب المسلم في أفغانستان ضد الغزاة وحلفائهم ليست مجرد حرب فارغة، وإنما هي دفاع مشروع عن النفس والمال، والشرف، والأرض والكرامة، وهذا حق طبيعي للبشر، ويسمى بجهاد الدفاع. وهذا هو الجهاد الذي فرضه الله على المسلم وإذا لم يقم به يعتبر عاصيا.

وبعبارة أخرى، فالقتال ضد المعتدي ثبت وجوبه على المسلم بالعقل والنص، وأيضا القتال مع المتعاونين الداخليين للمعتدي حتى وإن كانوا مسلمين، فرضته الشريعة الإسلامية على أساس مناصرتهم للمعتدين الكفار.

بمعنى أن محض كونهم مسلمين لا ينقذهم من حكم الجهاد ضدهم، ولهذا السبب ذكر السيد أحمد الريسوني مرارًا في خطابه أيضا أن القتال بين المسلمين بعد انسحاب الأمريكيين غير جائز. وهذا يعني أن الجهاد كان جائزا في وجود الأمريكيين مع أنهم كانوا مسلمين.

وحقيقة أن حكم الحرب والقتال بين المسلمين بعد انسحاب الأمريكيين، سنفصل الحديث عنها من زاوية أخرى.

بعض الحروب بين الأفغان كنماذج:

أولا:  بعد انسحاب الغزاة السوفييت، واصل المجاهدون حربهم ضد النظام الشيوعي بقيادة الدكتور نجيب لما يقرب من أربع سنوات. رغم أن أتباع ذلك النظام وأنصاره وصفوا تلك الحرب بالقتل الجائر للأفغان، إلا أن وقوف الأمة المسلمة ضدها، وأنها حظيت بدعم معظم الأمة المسلمة في العالم، فقد اعتبرت جهادا كما كانت تعتبر ضد الروس.

والسبب في ذلك أن النظام كان قد أقيم بواسطة الاحتلال الكافر، وعوضا عن حماية القيم السياسية والثقافية والدينية للشعب الأفغاني، كانت حماية أهداف الكرملين المحتل مقصده الأساس. لأن إنشاء هذا النظام الشيوعي وصعوده إلى السلطة وبقاءه كان مدينا بالإمتنان للغزاة السوفييت العسكري والاقتصادي.
ومن هذا المنطلق، استمر الأفغان بقتالهم كما كانوا يقاتلون ضدالسوفييت.

2- الحرب الثانية:  بعد انتصار المجاهدين، اندلعت حرب على السلطة في كابول بين بعض الفرق التي كانت تسمى بالمجاهدين، والتي لسوء الحظ تسببت في أضرار معنوية ومادية جسيمة للجهاد السابق الناجح، والمجاهدين، والمسلمين، وخصوصا للأفغان. لقد كانت تلك الحرب بحق مردودة لدى الجميع وقتلا محرماً للأفغان.

ولقد كانت حربا أطلق عليها الجميع باستثناء أمراء الحرب اقتتالا بين الأفغان واقتتالا بين المسلمين، وكانت قتالا لنيل الحكم وليست لحفظ القيم. وكانت قد أرسى أساسا لواحدة من أسوأ فترات الفوضى والفساد والخراب في البلاد.

ومن هذا المنطلق، تشكلت حركة طالبان الإسلامية لمواجهة تلك المحنة وسيطرت على الوضع بحيث لم تنقذ من الهلاك روح الأفغان المسلم وثروته وشرفه وكرامته واستقلاله فحسب، بل أنشأت حتى نظاما اسلاميا خالصا واستقرارا وأمنا نموذجيا.

3- الحرب الثالثة:   يمكن تقييم مقاومة طالبان الحالية للنظام الحالي في كابول بشكل أفضل في ضوء الحربين السابقتين، ما هي الفئة التي تقع ضمنها؟! الحقيقة الظاهرة أن النظام الحالي هو نظير النظام الشيوعي الأفغاني تماما، ذلك النظام الذي استمر المجاهدون في قتاله بنفس الطريقة التي حاربوا بها السوفيت.

وذلك لأن المجاهدين اعتبروا بقايا النظام الشيوعي من مخلفات الاحتلال أيضا. ذلك النظام الذي كان يؤمن علنا بفكر الإلحاد والشيوعية، وعلى الرغم من أن النظام الحالي لا يصرح بها بذلك النمط، لكنه يؤمن عمليًا بالعلمانية واللادينية.

هل انتهى الإحتلال بانسحاب المحتلين؟

إلى الآن، لم تنسحب قوات الناتو عمليا بعد، وحتى قصفها اليومي لا يزال مستمراً، كما أنها لم تقطع الدعم المالي والعسكري عن نظام كابول. وإلى الآن لم يُطرح بعد السؤال حول تقييم الدافع وراء الحرب مع نظام كابول.

لكن حتى لو سحب الأجانب قواتهم من أفغانستان بالكامل، عندئذ يمكن طرح بعض الأسئلة:

1- هل ستستمر الولايات المتحدة والناتو في تقديم الدعم بالمال والسلاح والتدريب للقوات الأفغانية؟ وإن فعلوا ذلك، فهل سيقدمونه بموجب الاتفاقيات السابقة نفسها، مثل “اتفاقية الأمن”، وما إلى ذلك، أم أنهم سوف يبرمون اتفاقيات جديدة؟

2- هل سيلغي نظام كابول اتفاقيات الصداقة مع أصدقائه الأجانب التي جعلت موتهم مباحًا أم لا؟ هل سيتبرأون منها علانية أم لا؟

3- هل سيعتبر عدوان المحتلين غير شرعي وعدوانا على الوطن أم لا؟

4-هل سيستمرون كالمحتلين في استخدام مصطلحات الإرهاب والتطرف مثل المحتلين لجهاد “20” عاما؟

5- النظام الحالي الذي يمنع فيه الجهاد ويعتبر الإلحاد والعلمانية ممارسة قانونية حرة، هل سيستمرون على نفس الإعتقاد؟

إذا كان الجواب على كل هذا بالنفي، يعني أنه لا الأجانب مستعدون للانفصال عن نظام كابول، ولا نظام كابول مستعد لإعلان البراءة من أسياده الأجانب، وكلاهما لا يزال يصر على أنهم سيستمرون فيما بينهم في تطبيق جميع برامج الجانبين، فمن الواضح، إذن، أن الغزاة، وإن كانوا قد غادروا بأجسادهم، لكن الاحتلال مايزال باق نفسيا واستراتيجيا، ونظام كابول الحالي هو خليفة المحتلين.

إذن، من الواضح أن إدارة كابول لا يمكنها بأي حال من الأحوال الإدعاء بكونها حكومة إسلامية، ولا يمكن لأي من الناس إثبات حرمة المقاومة الجارية ضدها. فكما الجهاد ضد نظام ما بعد الاتحاد السوفيتي مستمرا، كذلك سيستمر ضد هذا النظام أيضا.

لماذا تعتبر الحكومة خليفة عن المحتلين؟

تم تشكيل النظام الحالي بواسطة الغزاة في حين كان يقوم بمهمة “طليعة الجيش” أو قوة برية للغزاة أيضا ضد حكومة إسلامية، وعمليًا كان جنبًا إلى جنب مع الغزاة ضد المسلمين، إلى أن أسقطوا نظاما إسلاميا قائما بالفعل، وبدلا من ذلك أنشئوا نظاما يرضاه المحتلون.

واستمر المحتلون في الدعم العملي الظالم لهذا النظام مدة 20 عامًا، الآن، ومع خروج الجنود الأجانب نتيجة اتفاقية مع طالبان، لكنهم مع ذلك يعلنون صراحة أنهم سيستمرون في الدعم المالي لنظام كابول. لأنهم يعتبرون نظام كابول خليفتهم والقوة المدربة لحماية أهدافهم.

وهذا ما يردده مسؤولو النظام تكرارا، ويكررون في كل حين مزاعم الحفاظ على قيم “الأعوام العشرين” ومنع إقامة الحكم الإسلامي. لطالما يقولون أن الجيش الوطني الأفغاني يعتبر حماية واشنطن ونيويورك واجبه الأصيل، ويقدم تضحيات لتأمين لندن وباريس.

قبل أمس، قال أشرف غني للمشرعين في البرلمان: “لا يركب أحد منكم حماره ويهرب، بل تكاتفوا، وقفوا صفا واحدا ضد طالبان. لا تمهدوا الطريق لعودتهم.” من الواضح أن هدفه بمنع قدوم طالبان ليس منع طالبان نفسها من القدوم، ولكن منع النظام الإسلامي، لأن الطالب إذا استسلم لهم بنفسه، فلا مشكلة لديهم معه، فالمشكلة هي فقط مع الشريعة الإسلامية التي تطالب بها “الطالبان” وكانت ذات مرة تطبق بأيدي “طالبان” ثم أزالها الغزاة. إن نظام كابول يعتبر الآن أن من واجبه مهمة منع تلك الشريعة الإسلامية.

الإلحاد والعلمانية واللادينية والحرية الغربية غير المقيدة مسموح بها في النظام الحالي، لكن فكر الجهاد العملي، والإسلامية الأصولية، وتطبيق الشريعة الإسلامية فهذه من المحظورات مطلقا، حتى أنها تعتبر في فئة الإرهاب. ومن وجدت ملامحها عليه سيقتل أو يرسل إلى السجن.

لا يقبل نظام كابول عودة طالبان إلا بشرط أن يستسلموا ويسلموا أنفسم مع أسلحتهم إليهم. لكنه ليس مستعدا لقبولهم مع مطالبهم بانهاء الاحتلال نهائيا، وتطبيق النظام الاسلامي مكانه، ليس مستعد أبدا لقبوله. هناك مئات أمثلة أخرى تثبت الطبيعة غير الإسلامية لنظام كابول.

الآن، لو قام الدكتور أحمد الريسوني بدراسة قضية أفغانستان والنظام الحالي في أفغانستان بتعمق، واتضح له أن نظام كابول هو نظام لحماية برامج الكفار المحتلين جهارا نهارا، والذي يؤمن بالعلمانية(اللادینیة)، ویغتصب حق “الامة المسلمة الـ 99٪ في إقامة نظام إسلامي خالص بالسعي لجمهورية علمانية مطلقة، و يكافح ضد ذلك الحق أضعاف ما فعله المحتلون؛ فسيكون من الواضح أن السيد الريسوني لن يعتبر مرة أخرى “الكفاح الجاري” حربًا محرمة من وجهة نظر الشريعة.