الحكومة العمیلة فقدت جمیع مقومات البقاء

لقد فقدت الحكومة العمیلة في أفغانستان جمیع مقوّمات بقائها في هذا البلد، وكان من أهم مقومات بقائها وجود قوات التحالف الغربي التي احتلّت أفغانستان وجرّبت جمیع أنواع قوّتها في الحرب ضدّ المجاهدین ولكنّها أیقنت في النهایة أنّها لن تقدر علی هزیمة المجاهدین الذین یستمدّون قوّتهم من قدرة الله الذي له ملك السموات والأرض، والذین یسترخصون أنفسهم وأموالهم في سبیل الدفاع عن دین الله تعالی وإعلاء كلمته.

وها هو الغرب یجرّ أذیال الخزي والعار من أفغانستان التي كان یظنّها لقمة سائغة لیتقوّی بها للقفز إلی ما وراءها.

إنّ دول الغرب التي هجمت بكلّ قوتها علی أفغانستان وساقت إلیها ما یقرب من أربع مائة ألف جندي بین الجنود النظامیین والملیشیات المستأجرة برفقة أحدث تقنیتها الحربیة والعسكریة لم تقدر أن تُخلي ولایة واحدة من ولایات أفغانستان من وجود المجاهدین طوال فترة وجودها خلال أكثر من 12عام.

 

فإذا كانت القوّات الغربیة المدجّجة بأحدث التسلیحات لم تصمد أمام قوّة المجاهدین وبدأت تنسحب خاسرة من میدان المعركة فكیف ستصمد الحكومة العمیلة الهشّة التي لا تتجاوز ساحة تواجدها عن المدن وعن المباني الحكومیة في الولایات وبعض المدیریات؟

إنّ التزام أیّة حكومة أو نظام بعقیدة ما هو یعتبر عاملاً من عوامل تماسك النظام بغضّ النظر عن كون تلك العقیدة حقاً أو باطلاً، لأنّ العقیدة تفرض علی معتقدیها مسؤوليات والتزامات یجب علیهم أن یؤدّوها وأن یلتزموا بها، ولذلك نری الأنظمة والحكومات ذات العقیدة تبقی إلی فترات طویلة، إلاّ أنّ حكومة العملاء في أفغانستان لا تعتقد بأیة عقیدة، ولا تلتزم بأیّة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التزامات فكریة أو خُلُقیة، فهي لا تعتقد بالإسلام، ولا تلتزم بتعالیمه، لأنّها ما جيء بها إلاّ لتقضي علی الحكومة الإسلامیة، وهي لا تعتقد بأیّة عقیدة أخری ولو بعقیدة باطلة، لأنّ رجال هذه الحكومة ووزراءها هم إمّا من بقایا الشیوعیین الذین أصبحوا الآن یلعنون الشیوعیة إرضاءً لسادتهم الغربیین الجدد، أوهم من اللیبرالیین اللادینیین الذین یلهثون وراء الدولار، ولا یعرفون هدفاً لحیاتهم سوی الخمر والجنس والعمالة للمحتلین الغربیین، أوهم من بقایا الأحزاب المسلّحة التي كانت یوماً ما تسمّي نفسها بأحزاب المجاهدین، ولكنّها تحالفت فیما بعد مع بقایا الشیوعیین، وبعدها ارتمت في أحضان الغربیین، واعتبرت الجهاد إرهاباً مثل الغربیین، وجعلت الملیارات من أموال الجهاد والمجاهدین غنیمة شخصیة لها، واستثمرتها قادتها في المشاریع الاستثماریة خارج أفغانستان، أو أودعتها في بنوك الدول الغربیة.

فصلة هذه الأحزاب بأفغانستان والنظام فیها لیست إلاّ صلة اللصوص بأموال الناس.

وأمثال هؤلاء الناس لا یمكنهم أن یدیروا الدولة، ولا أن یسیّروا النظام، لأنّ الدفاع عن الدولة والنظام یحتاج إلی البذل والتضحیات والقناعة الفكریة للبذل والفداء في سبیل الفكرة والعقیدة، وهؤلاء لیسوا ممن یؤمنون بهذه الأفكار.

وحین أعلنت أمریكا عن إخراج قوّاتها عن أفغانستان إلی نهایة عام 2014م بدأ رجال هذه الحكومة العمیلة یخرجون ثرواتهم وعائلاتهم إلی خارج أفغانستان لیقینهم بأن لا مستقبل لهم في هذا البلد.

ومن عوامل بقاء الحكومات قائمة كسبها تأیید الشعب، وتقديمها الخدمات اللازمة له، إلاّ أنّ الحكومة العميلة في أفغانستان أجنبية بشكل كامل عن الشعب، لأنّها حكومة الاحتلال، وهي لا تُمثل الشعب الأفغاني، بل الشعب هو الذي یحارب هذه الحكومة لعمالتها للمحتلّین، ولمخالفة سیاساتها وقوانینها تعاليم الشريعة الإسلامیة التي ضحّی الشعب الأفغاني لتطبیقها بالملایین من الشباب خلال أربعة عقود الماضیة من الزمن.

وعلاوة علی انحراف الحكومة عن الإسلام فهي غارقة في جمیع أنواع الفساد حتى أنها كسبت المرتبة الأولی في الفساد علی مستوی العالم في التصنیف الذي قامت به مؤسسة الشفافیة العالمیة.

فهناك الفساد المالي وسرقة مئات الملایین من الدولارات في الإدارات الحكومیة، وهناك الفساد الإداري والمحسوبیة وتقسیم المناصب الحكومیة علی المنظمات والأحزاب التي تطبّق خُطط المحتلّین.

وهناك الفساد الخُلُقي الهائل في المناطق التي تسیطر علیها هذه الحكومة، وهناك التوتّر الأمني الخطیر، وهناك خطف الأولاد الصغار للمتاجرة بهم، وهناك الكمّ الهائل من الرشاوى في الإدارات العدلیة والقضائیة والذي أدّی بكثیر من أهل المدن ومن یعیشون في مناطق سیطرة الحكومة لیأخذوا قضایاهم ومنازعاتهم للفصل فیها إلی مناطق سیطرة المجاهدین.

فالوضع الفاسد الذي تعیشه الحكومة العمیلة في أفغانستان، وعدم قدرتها علی حل مشاكل الناس، وانحصارها في عدّة أفراد نصبتهم الدول المحتلّة في مناصب هذه الحكومة كلّها عوامل انهیار هذه الحكومة.

ومن عوامل انهیار الحكومة العمیلة في كابل أیضاً انحسار قوّتها العسكریة، لأنّ القوّة العسكریة لهذا الحكومة هي كالظّل لقوّة القوّات الغربیة المحتلّة، فإذا ذهب الأصل لم یبق الظل.

وهذا ما أدركه الجنود والشرطة والملیشیات في صفوف قوات الحكومة، ولذلك صاروا یتركون صفوف قوّات العدوّ، ویُقبِلون علی الحیاة العادیة، أو یستسلمون للمجاهدین مع أسلحتهم وما معهم من الوسائل والوسائط الحكومیة لتأمین حیاتهم في المستقبل بعد رحیل المحتلّین.

أمّا الاستخبارات التي درّبها المحتلّون للخدمات الأمنیة

السرّیة للدولة، وللنفوذ في صفوف المجاهدین هي الأخرى عرضة للتّفكك والانحلال، بل هي غیر قادرة علی الدفاع عن نفسها وعن رئیسها، فكیف ستدافع عن الدولة، أو ستقدر علی النفوذ في صفوف المجاهدین الذین قاوموا جنود الدول الغربیة واستخباراتها التي تفوق استخبارات العملاء بعشرات المرّات.

وقد رأی العالم قوّة استخبارات المجاهدین الذي اخترقوا كلّ الخطوط الأمنیة للعدوّ واستهدفوا رئیس استخبارات العدوّ (أسد الله خالد) في مكتبه، وهو أخطر رجل أمني في الحكومة وأكثرهم ظلماً علی المجاهدین المساجین.

فنظراً إلی الوضع الأمني الهشّ للحكومة العمیلة وعدم قدرتها علی تمویل جنودها ورجال أمنها یمكننا أن نحكم بالزوال التلقائي لهذه الحكومة مع رحیل المحتلّین.

وقد حاول المحتلّون كثیراً أن یضمنوا استمرار بقاء هذه الحكومة عن طریق إشراك المجاهدین فیها.

أو عن طریق إقناع المجاهدین بإبقاء رجال وسیاسات هذه الحكومة في الحكومة المختلطة التي یقترحها الغربیون، ولكنّ محاولاتهم لم تنجح، لأنّ المجاهدین بفضل الله تعالی لیسوا ممن یرضون بالحكومة العلمانیة المختلطة التي یجتمع فیها المؤمنون بمبادئ الغرب، والذین یرضون بأنصاف الحلول.

بل الإمارة الإسلامیة ما قامت إلّا لتطبیق شریعة الله تعالی، وما ضحّت بحكومتها إلّا لرفضها شریعة غیر الله تعالی، وما قاتلت الحلف الصلیبي العالمي بكلّ صبر وثبات إلا لرفع كلمة الله تعالی وتطبیق شریعته في هذا البلد.

إنّ هزیمة الغرب في أفغانستان لدلیل قاطع علی حتمیة زوال حكومة العملاء، لأنّ هذه الحكومة تحارب شعبها، وتسعی لفرض سیطرة الأعداء علیه وعلی أرضه، والشعب الأفغاني لم یقبل في تاریخه علی الحكومات العمیلة أبداً، ولن یختلف مصیر هذه الحكومة عن مصیر الحكومات التي كانت قد فرضها الإنجلیز والروس علی الأفغان قبل الأمریكان، إن شاء الله تعالی.