الحور العين

أبو سليمان

 

بات العلمانيون وعلماء السوء يسخرون من المجاهدين إذا استشهد منهم أحدٌ بأن يستهزؤوا ويقولوا قُتل المسكين رجاء الوصول إلى الحور، أو غرّوه بالحور فانتحر (يقصدون العمليات الاستشهادية)، ويثيرون الشكوك بأنّ العلماء غرّوه بأنه يصل الحور فضحى بشبابه وقُتل في عمر الورود، ولو كان ناضجاً لم يكن له بأن يلقي بنفسه إلى التهلكة، كل هذه الشكوك والترّهات، كل هذه الأراجيف والريب تأتي من قلّة المطالعة في كتب الحديث والتفسير وما بشّر الله به عباده الصالحين والنبي صلى الله عليه ما وعد المجاهدين، فيثيرون الشكوك هؤلاء على الجهاد والمجاهدين وما أعدّه الله سبحانه وتعالى من النعيم المقيم والحور العين.

إذا لا مناص لنا أمام هؤلاء إلا أن نقول موتوا بغيظكم إن لم تموتوا الآن فغداً أو بعد غد، ولكن لا أيديكم فارغة في الآخرة، وأمّا المجاهد فإنه ينتظر ما أعدّه الله له من النعيم التي لا تزول ولا تفنى خالداً أبداً ولكن ليت قومه يعلمون ذلك.

فأحسن أسلوب ونهج أمام هؤلاء أن نذكر صفات الحور للمؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم، ويستبشروا بما أعدّ الله لهم ويكون باعث تشحيذ هممهم، وكل من طالع في الحديث فسيفاجأ كمّا كبيراً من البشريات التي خفيت عن البعض ويفاجأ بالجديد.

ذكر الْعلمَاء أَن الْحور على أَصْنَاف مصنفة: صغَار وكبار، وعَلى مَا اشتهت نفس أهل الْجنَّة.

الحورية هي: التي تكون عينها شديدة البياض، وحدقتها شديدة السواد، فالحور تطلق على شدة البياض، ومنه قال فريق من أهل العلم: سبب تسمية الحواريين بذلك، لشدة بياض ثيابهم، وقال الشاعر: فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا تبكين إلا الكلاب النوابح فقوله: (فقل للحواريات) أي: للجواري البيضاء، فالحواري هو شديد البياض، فالحورية هي: شديدة بياض العين، شديدة سوادها كذلك. ( سلسلة تفسير مصطفى العدوي).

وَذكر ابْن وهب عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ أَنه قَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، لَو أَن امْرَأَة من الْحور أطلعت سواراً لَهَا لأطفأ نور سوارها نور الشَّمْس وَالْقَمَر، فَكيف الْمسور؟ وَإِن خلق الله شَيْئا يلْبسهُ إلاَّ عَلَيْهِ مثل مَا عَلَيْهَا من ثِيَاب وحلي. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: (إِن فِي الْجنَّة حوراء يُقَال لَهَا: العيناء، إِذا مشت مَشى حولهَا سَبْعُونَ ألف وصيفة عَن يَمِينهَا وَعَن يسارها، كَذَلِك، وَهِي تَقول: أَيْن الآمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر؟ وَقَالَ ابْن عَبَّاس: (فِي الْجنَّة حوراء يُقَال لَهَا العيناء، لَو بزقت فِي الْبَحْر لعذب مَاؤُهُ) . وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (رَأَيْت لَيْلَة الْإِسْرَاء حوراء جبينها كالهلال، فِي رَأسهَا مائَة ضفيرة، مَا بَين الضفيرة والضفيرة سَبْعُونَ ألف ذؤابة، والذوائب أضوء من الْبَدْر وخلخالها مكلل بالدر، وصنوف الْجَوَاهِر وعَلى جبينها سطران مكتوبان بالدر والجوهر، فِي الأول: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، وَفِي الثَّانِي: من أَرَادَ مثلي فليعمل بِطَاعَة رَبِّي. فَقَالَ لي جِبْرِيل: هَذِه وأمثالها لأمتك) . وَقَالَ ابْن مَسْعُود: (إِن الْحَوْرَاء ليرى مخ سَاقهَا من وَرَاء اللَّحْم والعظم، وَمن تَحت سبعين حلَّة، كَمَا يرى الشَّرَاب فِي الزّجاج الْأَبْيَض) . وَرُوِيَ أَن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْحور: من أَي شَيْء خُلِقْنَ؟ فَقَالَ: (من ثَلَاثَة أَشْيَاء: أسفلهن من الْمسك، وأوسطهن من العنبر، وأعلاهن من الكافور، وحواجبهن سَواد خطّ فِي نور) . وَفِي لفظ: سَأَلت جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن كَيْفيَّة خَلقهنَّ، فَقَالَ: يخلقهن رب الْعَالمين من قضبان العنبر والزعفران مضروبات عَلَيْهِنَّ الْخيام، أول مَا يخلق مِنْهُنَّ نهد من مسك إذفر أَبيض عَلَيْهِ يلتام الْبدن. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: خلقت الْحَوْرَاء من أَصَابِع رِجْلَيْهَا إِلَى ركبتيها من الزَّعْفَرَان، وَمن ركبتيها إِلَى ثدييها من الْمسك الإذفر، وَمن ثدييها إِلَى عُنُقهَا من العنبر الْأَشْهب، وعنقها من الكافور الْأَبْيَض، تلبس سَبْعُونَ ألف حلَّة مثل شقائق النُّعْمَان، إِذا أَقبلت يتلألأ وَجههَا ساطعاً كَمَا تتلألأ الشَّمْس لأهل الدُّنْيَا، وَإِذا أَقبلت ترى كَبِدهَا من رقة ثِيَابهَا وجلدها، فِي رَأسهَا سَبْعُونَ ألف ذؤابة من الْمسك، لكل ذؤابة مِنْهَا وصيفة ترفع ذيلها. (عمدة القاري شرح صحيح البخاري).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : ذُكِرَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : لاَ تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ كَأَنَّهُمَا ظِئْرَانِ أَضَلَّتَا فَصِيلَيْهِمَا فِي بَرَاحٍ مِنَ الأَرْضِ وَفِي يَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. (مصنف ابن أبي شيبة)

عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : قامَ يَزِيدُ بْنُ شَجَرَةَ فِي أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ أَصْبَحَتْ عَلَيْكُمْ مِنْ بَيْنِ أَخْضَرَ وَأَحْمَرَ وَأَصْفَرَ , وَفِي الْبُيُوتِ مَا فِيهَا , فَإِذَا لَقِيتُمَ الْعَدُوَّ غَدًا فَقُدُمًا قُدُمًا فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا تَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ خُطْوَةٍ , إِلاَّ تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْحُورُ الْعِينِ ، فَإِنْ تَأَخَّرَ اسْتَتَرَنْ مِنْهُ , وَإِنِ اسْتُشْهِدَ كَانَتْ أَوَّلُ نَضْحَةٍ كَفَّارَةَ خَطَايَاهُ , وَتَنْزِلُ إلَيْهِ ثِنْتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ , تَنْفُضَانِ عَنْهُ التُّرَابَ , وَتَقُولاَنِ لَهُ : مَرْحَبًا , قَدْ آنَ لَكَ ، وَيَقُولُ : مَرْحَبًا قَدْ آنَ لَكُمَا. (مصنف ابن أبي شيبة)

وجاء في تفسير فتح البيان في تفسير: (ومساكن طيبة) أي قصوراً من لؤلؤة في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوته حمراء، في كل دار سبعون بيتاً من زبرجدة خضراء، في كل بيت سبعون سريراً في كل سرير سبعون فراشاً، من كل لون، على كل فراش سبعون امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام، في كل بيت سبعون وصيفاً أو وصيفة، فيعطي الله المؤمن من القوة في غداة واحدة يأتي على ذلك كله” رواه الحسن عن عمران بن حصين وأبي هريرة مرفوعاً.