من أعلام بلاد الأفغان: شيخ الإسلام الأنصاري الهَرَويُّ رحمه الله (396 -481هـ)

بقلم/ أبي سعيد

 

كان إمامًا في التفسير والحديث والتصوف والدعوة. قال الذهبي: شيخ الإسلام الحافظ الإمام الزاهد أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن مت الأنصاري الهروي، من ذرية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة396هـ. تذكرة الحفاظ: (3/ 1182)

 

شيوخه وتلامذته:

ابن رجب: وسمع الحديث بهراة من يحيى بن عمار السِّجزي، وأخذ منه علم التفسير، وأبي منصور الأزدي، وأبي الفضل الجارودي الحافظ، وأخذ منه علم الحديث، وشعيب البوشنجي وغيرهم.

وبنيسابور من أبي سعيد الصيرفي، وأبي نصر المفسر المقرئ، وأبي الحسن الطرازي، وجماعة من أصحاب الأصم. ورأى القاضي أبا بكر الحيري، وحضر مجلسه، ولم يسمع منه. وكان يقول: تركتُه لله. وكان قد سمع منه في مجلسه ما ينكره عليه من مخالفة السنة. ذكره الرهاوي عن السلفي، عن المؤتمن الساجي، عنه. وسمع بطوس وبسطام، من خلق يطول ذكرهم. وصحب الشيوخ، وتأدب بهم. الذيل على طبقات الحنابلة(3/ 51)

تخرج به خلق كثير. حدث عنه المؤتمن الساجي، وابن طاهر المقدسي، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وعبد الصبور بن عبد السلام الهروي، وعبد الملك الكروجي، وحنبل بن علي البخاري، وأبو الفتح محمد بن إسماعيل الفامي، وعبد الجليل بن أبي سعد المعدل، وأبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي، وآخرون، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار. تذكرة(3/ 1184 ، 1184)

 

مؤلفاته:

وصنف الأربعين، وكتاب الفاروق في الصفات، وكتاب ذم الكلام وأهله، وكتاب منازل السائرين، وأشياء. ورأيت أهل الاتحاد يُعَظِّمون كلامه في منازل السائرين، ويَدَّعون أنه موافقهم، ذائق لوجدهم، ورامز لتصوفهم الفلسفي، وأنَّى يكون ذلك؛ وهو من دعاة السنة وعصبة آثار السلف؟! ولا ريب أن في منازل السائرين أشياءَ من محط المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناءِ الغيبةُ عن شهود السوى، ولم يرد عدم السوى في الخارج.

وفي الجملة هذا الكتاب لون آخر غير الأنموذج الذي أصفق عليه صوفية التابعين ودرج عليه نساك المحدثين، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وله قصيدة في السنة سمعناها، غالبُها جيد. وله مجلد في مناقب الإمام أحمد بن حنبل، سمعناه من ابن القواس عن الكندي إجازة عن الكروجي عنه. قال الحسين بن علي الكتبى: خرَّج شيخ الإسلام لجماعة الفوائد بخطه إلى أن ذهب بصره فكان يأمر فيما يخرجه لمن يكتبه عنه ويصحح هو، وقد تواضع بأن خرَّج لي فوائد، ولم يبق أحد ممن خرج لي سواه. تذكرة (3/ 1184، 1185 ، 1183)

وخرَّج الأمالي والفوائد الكثيرة لنفسه ولغيره من شيوخ الرواة. وأملى الحديث سنين. وصنف التصانيف الكثيرة، منها: كتاب “ذم الكلام” وكتاب “الفاروق” وكتاب “مناقب الإمام أحمد” وكتاب “منازل السائرين” وكتاب “علل المقامات” وله كتاب في “تفسير القرآن” بالفارسية جامع، و”مجالس التذكير” بالفارسية حسنة، وغير ذلك. الذيل(3/ 51)

 

وصفه ومقامه:

وكان سيفًا مسلولًا على المخالفين، وجذعًا في أعين المتكلمين، وطودًا في السنة لا يتزلزل، وفضائله كثيرة، وقد امتحن مرَّات.

قال ابن طاهر: وسمعته يقول بهراة: عُرِضْتُ على السيف خمس مرَّاتٍ، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي: اسكت عمَّن خالفك؛ فأقول: لا أسكت.

قال أبو النضر الفامي: كان إسماعيل بكر الزمان، وواسطة عقد المعاني وصورة الإقبال، في فنون الفضائل وأنواع المحاسن، منها نصرة الدين والسنة من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان، ولا وزير، وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت، وسعوا في روحه مرارًا، وعمدوا إلى إهلاكه أطوارًا، فوقاه الله شرهم، وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع شأنه. تذكرة (3/ 1184)

ابن رجب: وكان سيدا عظيما، وإماما عالما عارفا، وعابدا زاهدا، ذا أحوال ومقامات وكرامات ومجاهدات، كثير السهر بالليل، شديد القيام في نصر السنة والذَّب عنها والقمع لمن خالفها. وجرى له بسبب ذلك مِحَنٌ عظيمةٌ. وكان شديد الانتصار والتعظيم لمذهب الإمام أحمد. قال ابن السمعاني: سمعت أبا طاهر أحمد بن أبي غانم الثقفي، سمعت صاعد ابن سيار الحافظ، سمعت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الإمام يقول: ” مذهبُ أحمدَ، أحمدُ مَذْهَبٍ “. الذيل(3/ 51)

 

مقامه في التفسير والحديث:

وفسر القرآن مدة، قال ابن طاهر: سمعته يقول: إذا ذكر التفسير فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير. تذكرة(3/ 1184)

قال ابن طاهر: سمعتُه يقول: أحفظُ اثني عشر ألف حديث أسردها سردًا. قال المؤتمن: وكان يدخل عليه الأمراء والجبابرة فما يبالي بهم ويرى الغريب من المحدثين فيبالغ في إكرامه. تذكرة(3/1186)

 

مع أبي حاتم:

وقال محمد بن طاهر الحافظ سمعت عبدالله بن محمد الأنصاري يقول: لما قصدت الشيخ أبا الحسن الخرقاني الصوفي وعزمت على الرجوع وقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالرَّي، وألتقي به. وكان مقدم أهل السنة بالرّي.

وذلك أن السلطان محمود بن سَبكْتَكِين لما دخل الرّيَّ قتل بها الباطنية ومنع سائر الفرق الكلام على المنابر غير أبي حاتم. وكان من دخل الري من سائر الفرق يعرض اعتقاده عليه، فإن رضيه أذن له في الكلام على الناس وإلا منعه، فلما قربت من الري كان معي في الطريق رجل من أهلها، فسألني عن مذهبي. فقلت: أنا حنبلي، فقال: مذهبٌ ما سمعتُ به، وهذه بدعة. وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك حتى أذهب بك إلى الشيخ أبي حاتم. فقلت: خيرة فإني كنت أتعب إلى أن ألتقي به، فذهب بي إلى داره.

وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال: أيها الشيخ، هذا الرجل الغريب سألتُه عن مذهبه، فذكر مذهبا لم أسمع به قط. قَالَ: ما قَالَ؟ قَالَ: أنا حنبلي. فقال: دعْهُ، فكل من لم يكن حنبليا فليس بمسلم، فقلت: الرجل كما وُصفَ لي. ولزمته أياما، وانصرفت. التذكرة(3/1186 ، 1187) ذيل طبقات الحنابلة (3/51 ، 52 )، وهذا سياقه. وقال: وإنما عَنَى أَبُو حاتم: في الأصول . (يعني: من لم يكن في الأصول حنبليا. . . )

 

موقف مع ألب أرسلان:

قال ابن طاهر: وحكى لي أصحابنا أن السلطان ” ألب أرسلان ” حضر هراة، وحضر معه وزيره أَبُو علي الحسن بن علي بن إسحاق، فاجتمع أئمة الفريقين من أصحاب الشافعي، وأصحاب أبي حنيفة، للشكاية من الأنصاري، ومطالبته بالمناظرة. فاستدعاه الوزير. فلما حضر قَالَ: إن هؤلاء القوم اجتمعوا لمناظرتك: فإن يكن الحق معك رجعوا إلى مذهبك، وإن يكن الحق معهم: إما أن ترجع، وإما أن تسكت عنهم. فقام الأنصاري وقال: أنا أناظر على ما في كمَّيَّ. فقال له: وما في كميك؟ فقال: كتاب الله، وأشار إلى كمه اليمين، وسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأشار إلى كمه اليسار، وكان فيه الصحيحان. فنظر إلى القوم كالمستفهم لهم، فلم يكن فيهم من يمكنه أن يناظره من هذه الطريق. (تذكرة(3/ 1187) ذيل طبقات الحنابلة(3 / 54)

 

مع القاضي أبي العلا:

قال الرُّهاوي: وسمعتُ بعض الناس بهراة يحكي: أن شيخ الإسلام دخل يوما على القاضي أبي العلاء صاعد بن سيار، وعلى يمينه رجل من البُوسَعْدِية، فجلس شيخ الإسلام على يسار القاضي، فغضب البوسعدي، وقال: أجلسُ عن يمينك ويجلسُ عن يسارك. فوثب شيخ الإسلام، وجلس ناحية، وقال: الحِدّةُ ينبغي أن تكون في، أكل البصل، والشدة في تشقيق الحطب. وأما الجلوس في المجالس فإنما يكون بالعلم. وغضب القاضي من كلام الرجل، وقال: إيش تنكر من حاله؟ حيث لم يكن له مركوب ولا ثياب، وأمر له بثياب ومركوب، وجعل له في الجامع موضعا يعظُ فيه.

 

من كيد الحسّاد:

قال ابن طاهر: وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان “ألب أرسلان” هراة في بعض قدماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري، وسلموا عليه، وقالوا: قد ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام على الشيخ الإمام، ثم نخرج إلى هناك. وكانوا قد تواطأوا على أن حملوا معهم صنما من الصُّفْر صغيرا، وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ. وخرجوا وخرج الشيخ من ذلك الموضع إلى خلوته.

ودخلوا على السلطان واستغاثوا من الأنصاري، وقالوا له: إنه مجسم. فإنه يترك في محرابه صنما، ويقول: إن الله عز وجل على صورته. وإن يبعث السلطان الآن يجد الصنم في قبلة مسجده. فعظم ذلك على السلطان، وبعث غلاما ومعه جماعة. ودخلوا الدار، وقصدوا المحراب، وأخذوا الصنم من تحت السجادة، ورجع الغلام بالصنم، فوضعه بين يدي السلطان. فبعث السلطان بغلمان، وأحضر الأَنصاري: فلما دخل رأى مشايخ البلد جلوسا، ورأي ذلك الصنم بين يدي السلطان مطروحا، والسلطان قد اشتد غضَبُه. فقال له: ما هذا؟ قَالَ: هذا صنم يعمل من الصفر شِبه اللُّعبة. فقال: لستُ عن هذا أسألك، فقال. فعن ماذا يسأل السلطان. قَالَ: إنَّ هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا الصنم، وأنت تقول: إن الله عز وجل على صورته، فقال الأنصاري: سجانك هذا بهتان عظيم. بصوتٍ جَهوري وصولة. فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمِر به فأخرجَ إلى داره مُكرَمًا. وقال لهم: اصدقوني القصة، أو أفعل بكم وأفعل، تهديدا عظيما، فقالوا: نحنُ في يد هذا الرجل في بليةِ من استيلائه علينا بالعامة، وأردنا أن نقطع شرَّه عنا. فأمر بهم، ووكل بكل واحدٍ منهم، ولم يرجع إلى منزله حتى كتب خطه بمبلغ عظيم من المال يؤديه (كلُّ هؤلاء) إلى خزانة السلطان جنَايَة، وسلِموا بأرواحهم، بعد الهوان العظيم.

(تذكرة (3/ 1188، 1189) ذيل طبقات الحنابلة(3 / 55، 56) والسياق له.

 

محنة إبعاد شيخ الإسلام من هراة:

وقد جرى لشيخ الإسلام محن في عمره، وشرد عن وطنه مدة. فمن ذلك: أن قوما من المتصوفة بهراة عَاثوا وأفسدوا بأيديهم على وجه الإنكار، فنسب ذلك إلى الشيخ، لم يكن بأمره ولا رضاه. فاتفق أكابر أهل البلد على إخراج الشيخ وأولاده وخدمه، فأخرجوه يوم الجمعة عشرين رمضان سنة ثمان وسبعين وأربعمائة قبل الصلاة، لم يمهل للصلاة. فأقام بقرب البلد، فلم يرضوا منه بذلك فخرج إلى “بوشنج”، وكتب أهلُ هراة محضرا بما جرى وأرسلوه إلى السلطان، فجاء جَواب السلطان ووزيره ” نظام الملك ” بإبعاد الشيخ وأهله وخدمه إلى ما وراء النهر. وقرىء الكتاب الوارد بذلك في الجامع على منبر يحيى بن عمار، وفيه حَطٌ على الشيخ، فأُخرج الشيخ ومن كان يعقد المجلس من أقاربه خَاصَّة إلى مَرْوَ (مدينة ماري اليوم، في شرق تركمانستان قريبة إلى حدود أفغانستان)، ثم ورد الأمرُ بردِّه إلى بلخ (في شمال أفغانستان)، ثم إلى “مرو الرُّوذ” ( وهي اليوم بالا مرغاب في أفغانستان على الحدود مع تركمانستان) أذن له في الرجوع إلى هراة، فَدَخَلها يوم الأربعاء رابع عشر المحرم سنة ثمانين وأربعمائة. وكان يوما مشهودا. ذيل (3 / 56)

 

عودة شيخ الإسلام إلى هراة:

قال عبدالقادر الرّهاوي صاحب (كتاب المادح والممدوح في ترجمة الأنصاري) : سمعت شيخنا أبا طاهر السلفي بالإسكندرية يقول: لما خرج شيخ الإسلام قَالَ: أصحابه وأهل البلد: لا يحمل على الدواب إلا على رقاب الناس. فجعل في محفة. وكان يتناوب حملها أربعة رجال، حتى وصل بلخ. فخرج أهلها وهمُّوا برجمه. فردَّهم ابن نظام الملك، وقال: تريدون أن تكونوا مسبة الدهر ترجمون رجلاَ من أهل العلم. ثم سألوه أن يَعِظ، فقرأ: ” اللهُ نزَلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشابِهًا ” الزمر: 23، ثم قَالَ: كل المسلمين يقولون هذا، إلاَّ أهل غُورجَه وغرجِسْتان وفلانة وطالقان. لعنهم الله لعنةَ عاد وثمود، والنصارى واليهود. قُولوا: آمين، فقالوا: آمين.

قال الرهاوي: وإنما همَّ أهل بلخ بما همُّوا به لأنهم معتزلة شديدة الاعتزال.

وكان شيخ الإسلام مشهورا في الآفاق بالحنبلة والشدة في السنَّة.

قال: وسمعتُ السلفي يقول: لما أمر نظام الملك بإخراج الشيخ من هراة سمع بذلك الشيخ مَعْمَر اللُّنباني، فمضى إلى نظام الملك في أمره، فقال له نظام الملك: قد صار لذلك الشيخ عليَّ منة عظيمة حيث بِسَبَبِهِ دخلتَ عليَّ. ثم كتب في الحال برده إلى بلده. ذيل (3 / 56، 57)

وقال الرُّهاوي: سمعتُ بهراة: أن شيخ الإسلام لما أخرج من هراة، ووصل إلى مرو، وأذن له في الرجوع إلى هراة، رجع ووصل إلى مرو الروذ، قصده الإمام أَبُو محمد الحسين بن مسعود البغوي الفْرَّاء صاحب التصانيف. فلما حضر عنده قَالَ لشيخ الإسلام: إن الله قد جمع لك الفضائل، وكانت قد بقيت فضيلة واحدة، فأراد أن يكملها لك، وهي الإخراج من الوطن، أسوة برَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذيل (3 / 60)

 

المحنة الثانية:

قال ابن طاهر: وعقد أهل هراة للشيخ مجلسا آخر، سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، وعملوا فيه محضرا، وأخرجوه من البلد إلى بعض نواحي بوشنج، فحبس بها وقيَّد ثم أعيد إلى هراة سنة تسع وثلاثين، وجلس في مجلسه للتذكير. ثم سعوا في منعه من مجلس التذكير عند السلطان ” ألب أرسلان ” سنة خمسين. ذيل (3 / 57)

 

تكريم الشيخ من مقر الخلافة:

قال ابن طاهر: وفي شهور سنة اثنتين وستين، خلع على الشيخ من جهة الإمام القائم بأمر الله خلعة شريفة، وفي شهور سنة أربع وسبعين خلعة أخرى فاخرة . وكان السبب في هذه الخلع الوزير ” نظام الملك ” شفقةَ منه على أصحاب الحديث، وصِيَانةً عن لحوق شين بهم. ذيل (3 / 57)

ومن خصائصه أنه كان إذا حضر المجلس لبس الثياب الفاخرة، وركب الدواب الثمينة، والمراكب المعروفة، وتكلَّف غاية التكلف، ويقول: إنما أفعلُ هذا إعزازا للدَّين، ورغما لأعدائه، حتى ينظروا إلى عزِّي وتجملي، فيرغبوا في الإسلام إذا رأوا عزه. ثم إذا انصرف إلى بيته عاد إلى المرقعة والقعود مع الصوفية في الخانقاه، يأكل معهم ما يأكلون، ويلبسُ ما يلبسون، ولا يتميز في المطعوم والملبوس عن اَحادهم. على هذا كان يزجي أيامه. وكل ما نقل عنه من سيرته محمود.

وعنه أخذ أهل هراة التبكيرُ بصلاة الصبح، وأداء الفرائض في أوائل أوقاتها، واستعمال السنن والأدب فيها. وتسمية الأولاد في الأغلب بالعبد، المضاف إلى اسم من أسماء الله تعالى: كعبد الخالق، وعبد الخلاق، وعبد الهادي، وعبد الرشيد، وعبد المجيد، وعبد المعز وعبد السلام. إلى غير ذلك مما كان يحثهم ويدعوهم إلى ذلك، فتعوَّدوا الجريَ على تلك السنة، وغير ذلك من اَثاره. الذيل (3 / 63 ، 64) تذكرة(3/1189 ، 1190)

 

وفاته:

تُوفي رحمه الله تعالى يوم الجمعة بعد العصر ثاني وعشرين في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. ودُفن يوم السبت بِكَازْيَارْكَاه ، مقبرة بقرب هَراة.