الربيع العمري

تتفرّد أفغانستان -كعادتها- بكثير من الصفات التي تميّزها عن بقية بلدان العالم الإسلامي، فربيعها المناخي يختلط بالربيع الجهادي الذي يعلن عن إنطلاقته في كل عام الشورى القيادي للإمارة الإسلامية. غير أن الربيع هذه السنة أتى مختلفاً عن سوابقه، فهو الربيع الأول الذي ترتديه أفغانستان منذ الإعلان عن وفاة أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد أسكنه الله الفردوس الأعلى العام المنصرم.
صحيح أن رحيل الملا عمر -رحمه الله- أحدث شرخاً كبيراً في قلوب محبيه على امتداد العالم الإسلامي وليس في أفغانستان فحسب، لكن الصحيح أيضاً أن هذا الرحيل لم يزد المقاومة في أفغانستان إلا قوةً، وشدةً، وإصراراً، وثباتاً على طريق مؤسسها، ولم يزد مجاهدي الإمارة الإسلامية إلا حرصاً على تحقيق الهدف الذي من أجله جاهد الملا عمر ورفاق دربه وهو إعلاء كلمة الله وإقامة النظام الإسلامي على أرض أفغانستان من جديد.
وهاهي الليوث التي تتلمذت في مدرسة الملا عمر -رحمه الله- تواصل مسيرة العز والإباء، فلم تنكص على أعقابها، ولم تُسلم قيادها لعدوها، بل حملت اللواء الأبيض المُحلّى بكلمة التوحيد، وذهبت تقارع، بسلاح الإيمان والتوكل على الله، بقايا المحتلين وعملائهم ومرتزقتهم لتطهر أرض البلاد من دنسهم.
لقد أصابت عمليات الجهاد الربيعية التي أعلن عنها الشورى القيادي لإمارة أفغانستان الإسلامية؛ العدو في مقتل، فهو الذي كان يراهن على القضاء على الروح الجهادية بمجرد رحيل الملا عمر رحمه الله، لكن -وعلى غير ما يتمنى أو يتوقع العدو- اشتدت شجرة الجهاد وضربت بجذورها في أعماق أفغانستان أكثر فأكثر، ليزداد بذلك ربيع أفغانستان جمالاً وبهاءاً.

البيان الذي أعلن فيه الشورى القيادي عن انطلاقة الربيع العمري، حوى في طياته عدة رسائل هامة:
1 – أن ريح الجهاد في أفغانستان ستبقى تعصف بالمحتلين وعملائهم مهما تطاولت السنون، فهي التي لم تهدأ منذ أن وضع الاحتلال قدمه النجسة على أرض أفغانستان الطاهرة قبل أربعة عشر عاماً، ولن تصير أنساماً عليلة إلا حينما يتم طرد آخر جندي محتل من أرض الأفغان، وحينما تُحكم أفغانستان الحبيبة بشريعة رب العالمين كما كانت.
2 – أن في اختيار الشورى القيادي اسم وتوقيت العمليات الربيعية لهذا العام، مدلولات عميقة؛ فهو يبرهن عملياً على وفاء رجال الإمارة الإسلامية لأميرهم المؤسس -رحمه الله تعالى-، وأنه حيٌ يُرزق لم يمُت -نحسبه إن شاء الله-، وفيه تفاؤل باقتراب وعد الله بنصر عباده المؤمنين في أفغانستان كما نصرهم في معركة اليرموك في عهد الخطاب عمر -رضي الله عنه-، قال الماوردي: “الفأل فيه تقوية للعزم، وباعث على الجد، ومعونة على الظفر، فقد تفاءل رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم في غزواته وحروبه، والمراد بالتفاؤل انشراح قلب المؤمن، وإحسانه الظن، وتوقع الخير”، وفيه استحضار لأمجاد الماضي شحذاً للهمم وإيقاداً للعزائم.
3 – أن الإعلان عن انطلاقة هذه العمليات لم يكن اعتباطاً أو قراراً ارتجالياً، بل هو أمر مدروس تحت عناية مسؤولي القيادة العليا ومختصّي الجهاز العسكري في الإمارة الإسلامية، فهو يقدم رؤية واضحة لخط سير هذه العمليات المباركة من نقطة الصفر وحتى نقطة الوصول إلى الهدف المنشود.
4 – أن لغة “النصح والإرشاد” حاضرة جنباً إلى جنب مع لغة “السلاح”، وأن للعلماء الكرام ووجهاء القبائل دورهم ومهمتهم في هذا الجهاد المبارك والتي لا تقل أهمية عن مهمة المجاهد الذي يقاتل في الميدان.
5 – الحرص على سلامة المدنيين وبذل الأسباب والاحتياطات اللازمة لمنع الأضرار التي قد تقع بهم تبعاً لا قصداً نتيجة العمليات والاشتباكات مع العدو، وفي هذا إلجام لأبواق الاحتلال التي تعمل جاهدة على إظهار المجاهدين بأنهم دمويين وقتلة، وتصورهم بأبشع الصور.
6 – أن للمناطق والمديريات المحرّرة مسؤولية أخرى تُضاف إلى قائمة المسؤوليات المُلقاة على عاتق الإمارة الإسلامية من خلال إدارتها، وتوفير الأمن لها، وتسيير شؤونها في كافة المجالات الحياتية من تعليم وقضاء وصحة وغيرها، والحفاظ على سلامة سكانها وممتلكاتهم.
7 – أن الأسرى الذين اعتقلهم العدو ظلماً والذين يُعاملون في معتقلاته بأبشع أشكال المعاملة؛ حاضرين في ضمير المجاهدين، وأنهم لم يُنسوا بمجرد أن أغلق عليهم السجان باب المعتقل، وأن تحريرهم من أيدي العدو المجرم هو أحد أهداف العمليات العمرية.

بدأت العمليات العمرية، وبدأ الأبطال من كافة ولايات أفغانستان تأدية واجبهم الجهادي بهمم متوهّجة، فهاجموا نقاط العدو الأمنية ومراكزه الاستخبارية وقوافله العسكرية، حتى أنه تم تنفيذ مئات العمليات خلال الأسبوع الأول من إنطلاقتها، وحقق المجاهدون الأبطال كثير من المكتسبات على الأرض؛ منها سيطرتهم على مديريتي “خان أباد” و”قلعة زال” في ولاية قندز، وتقدمهم في كثير من ولايات البلاد مثل: بغلان وبدخشان وسربل وكابل، وازدياد وتيرة انضمام جنود العدو، جماعات ووحداناً، إلى صفوف المجاهدين بأسلحتهم وعتادهم.

إن سقوط المديريات بأيدي المجاهدين، ثم سقوط الولايات بأكملها، وتسابق جنود الجيش العميل للارتماء بأحضان الإمارة الإسلامية بعد تبرؤهم من خيانة الدين والبلاد؛ ماهو إلا قضية وقت فحسب. فالإمارة الإسلامية زهرة ياسمين بذرها الأمير الراحل الملا محمد عمر -رحمه الله- في تربتة أفغانستان، اغتالتها يد الحقد الأمريكي البشعة، وهاهي -بعد أربعة عشر عاماً- تستعد لميلاد البذور المخبأة وطلوع زهرة ياسمين جديدة أشد قوة، وأكثر نضجاً وثباتاً، وما الحال إلا كما قال الشاعر أحمد مطر:

“ﻗﻄﻔﻮﺍ ﺍﻟﺰﻫﺮة
ﻗﺎﻟﺖ: ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺋﻲ ﺑﺮﻋﻢٌ ﺳﻮﻑ ﻳﺜﻮﺭ
ﻗﻄﻔﻮﺍ ﺍﻟﺒﺮﻋﻢ
ﻗﺎﻟﺖ: ﻏﻴﺮﻩ ﻳﻨﺒﺾ ﻓﻲ ﺭﺣﻢ ﺍﻟﺠﺬﻭﺭ
ﻗﻠﻌﻮﺍ ﺍﻟﺠﺬﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ
ﻗﺎﻟﺖ: ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺧﺒﺄﺕ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ
ﻛﺎﻣﻦ ﺛﺄﺭﻱ ﺑﺄﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﺜﺮﻯ
ﻭﻏﺪﺍً ﺳﻴﺮﻯ ﻛﻞ ﺍﻟﻮﺭﻯ
ﻛﻴﻒ ﺗﺄﺗﻲ ﺻﺮﺧﺔ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ ﻣﻦ ﺻﻤﺖ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ
ﺗﺒﺮﺩ ﺍﻟﺸﻤﺲ
ﻭﻻ ﺗﺒﺮﺩ ﺛﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺰﻫﻮﺭ”.

أخيراً، لا يسعني إلا أن أقول: عمر! أيها الملاّ النبيل، نم قرير العين هانئها، فلقد -والله- خلّفت من بعدك رجالاً جبالاً واحدهم بأمة، جعلوا من جنود أمريكا مضحكة للأمم وعبرة للطغاة المستبدّين.