العالم الأزرق

تزخر الشبكة العنكبوتية بكثير من المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي التي يرتادها ملايين الزوار يومياً. وتتفاوت أغراض زوار تلك المواقع، فمنهم من يستخدمها لمجرد التسلية والترفيه، ومنهم من يزورها للاطلاع ومتابعة ما يدور من أحداث وتطورات في مختلف المجالات، ومنهم من يستفيد منها في إيصال صوته ورسالته إلى العالم.

ويُعدّ موقع “الفيسبوك” أحد أبرز وأشهر شبكات التواصل الاجتماعي، إذ يبلغ عدد مستخدميه أكثر من بليون مستخدم شهرياً من مختلف أنحاء العالم. ولأن هذا “العالم الأزرق” أصبح اليوم أحد أهم وسائل إعلام المجاهدين في نشر خطابهم وأدبياتهم، بعد انحياز وسائل الإعلام التقليدية؛ كان لزاماً على الناشطين فيه أن يدركوا ضرورة الحفاظ على معلوماتهم الشخصية من استغلال “الفيسبوك” لها، بذريعة استخدامها لتحسين الخدمات أو لعرض إعلانات تتعلق باهتمامات المستخدم، بينما الغرض الحقيقي من جمع أدق التفاصيل والمعلومات عن ملايين المستخدمين هو الانتفاع منها ببيعها لجهات استخباراتية أو تسليمها لحكومات قمعية، لاسيما في ظل الهجمة الدولية الشرسة على حركات المقاومة الإسلامية تحت ما يُسمى بقانون مكافحة الإرهاب.

يصرح “الفيسبوك” تحت بند الخصوصية وسياسة البيانات بما يلي: (يجوز لنا الوصول إلى معلوماتك وحفظها ومشاركتها استجابةً لطلب قضائي… قد نقوم أيضًا بالوصول إلى وحفظ ومشاركة المعلومات عندما نعتقد بحسن نية أن ذلك ضروريًا في: اكتشاف الخداع وأي نشاط غير قانوني آخر ومنعه ومواجهته… بما في ذلك كجزء من التحقيقات… ويجوز الوصول إلى المعلومات التي نتلقاها عنك… ومعالجتها والاحتفاظ بها لفترة ممتدة من الوقت عندما تكون تلك المعلومات موضوع طلب قانوني أو تحقيق حكومي أو تحقيقات بشأن الانتهاكات المحتملة للشروط والسياسات الخاصة بنا أو لمنع الضرر بأي شكل آخر. ويجوز لنا الاحتفاظ أيضًا بمعلومات من الحسابات المعطلة بسبب انتهاكها لشروطنا لما لا يقل عن عام لمنع تكرار إساءة الاستخدام أو الانتهاكات الأخرى لشروطنا).

نهم “الفيسبوك” واستماتته في جمع بيانات المستخدمين ومعالجتها والاحتفاظ بها، يظهر جليّاً في استحواذه على برنامج المراسلة الشهير “واتس اب”، وبرنامج مشاركة الصور “انستغرام”. ففي 19 فبراير 2014م قامت شركة “فيسبوك” بشراء برنامج “واتس اب” بمبلغ 19 مليار دولار أمريكي، كما استحوذت على برنامج “انستغرام” في 12 أبريل 2012م بصفقة بلغت مليار دولار أمريكي.

وهذا يعني أن كل بيانات المستخدمين ونشاطاتهم التي يقومون بها في هذه البرامج الاجتماعية الثلاث، تحت يد جهة واحدة، بعدما كانت مشتتة بين ثلاث جهات.

ويصدر “فيسبوك” تقرير نصف سنوي يعرض عدد الطلبات التي تقدمت بها الحكومات من مختلف أنحاء العالم للحصول على معلومات مستخدمين لخدمات الشركة (فيسبوك، ماسنجر، واتس اب، انستغرام). حيث تقدمت “حكومة الاحتلال في أفغانستان” بطلب معلومات 7 مستخدمين، بينما طلبت الولايات المتحدة معلومات 114,971 مستخدم.

أما البيانات والمعلومات التي يستغلها “العالم الأزرق” ويحتفظ بها عن مستخدميه، فلا حصر لها. إذ أن البريد الالكتروني، وعنوان الاتصال بالانترنت (IP)، ورقم الهاتف المحمول، والصور والفيديوهات، والصوت الذي يتم تسجيله آلياً عن طريق المايكروفون (في حال تم تفعيل هذه الخاصية)، ورسائل الدردشة، ونوع المنشورات التي يتفاعل معها المستخدم أكثر، وجهات الاتصال على الهاتف المحمول، والمواقع التي يزورها المستخدم والتي توفر خدمات الفيسبوك على صفحاتها (مثل زر “أعجبني”)، ومعلومات الأجهزة التي يستخدمها للدخول على الفيسبوك: (نظام التشغيل، وإصدار الجهاز، وإعداداته ، والملفات، وأسماء البرامج وأنواعها، وقوة الإشارة والبطارية، ومعرف الجهاز، وموقعه بما في ذلك المواقع الجغرافية المحددة من خلال نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والبلوتوث وإشارات WiFi، واسم موفر خدمة الهاتف المحمول أو موفر خدمة الإنترنت، ونوع المتصفح، واللغة، والمنطقة الزمنية)؛ كل تلك المعلومات وأكثر، يتم جمعها ثم الاستفادة منها عن طريق معالجتها بخوارزميات الذكاء الصناعي، ليصبح لدى “فيسبوك” في النهاية معلومات جديدة تم “استنتاجها” من المعلومات السابقة، فمثلاً: عند تواجدك بمكان ما وتواجد شخص آخر في نفس المكان والزمان، فسوف يتعرف “فيسبوك” على ذلك من خلال إحداثات الـGPS  على هاتفيكما، وعند الدخول إلى صفحتك ثانيةً؛ فستجد الفيسبوك قد اقترح عليك هذا الشخص ضمن قائمة “أشخاص قد تعرفهم”.

وفيما يلي، نقدم بعض التوصيات العامة للحد من خطورة هذا الاستغلال المعلوماتي:

  1. الاستغناء -قدر المستطاع- عن خدمات “فيسبوك” ببدائل أكثر أمناً واحتراماً لخصوصيات المستخدمين. وإن لم يكن من ذلك بدٌ، فليكن ببيانات مختلفة وغير مرتبطة ببعضها البعض.
  2. التسجيل ببريد ورقم هاتف وهميين ما أمكن، وبمعلومات غير حقيقية.
  3. التصفح من خلال شبكة (Tor) أو شبكة (VPN).
  4. عدم التحدث بأمور تصنف ضمن أسرار المقاومة الجهادية، سواءً كان ذلك بالمنشورات العامة أم برسائل الدردشة.
  5. الحد من الأذونات لتطبيقات “فيسبوك” على الهاتف المحمول.

ما ورد في هذا المقال لا يعني بالضرورة أن ما سوى الفيسبوك من الخدمات والشبكات الاجتماعية الأخرى آمن 100% ، ولكن سلطنا الضوء على الفيسبوك كمثال فقط لما يمكن للخدمات وشبكات التواصل الاجتماعي فعله بمعلومات مستخدميها. والحيطة واجبة في كل حال.