الإمامُ الحكيم شيخُ الإسلام الفخرُ الرازي (رحمه الله)

الزركلي: هو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري، أبو عبد الله، فخر الدين الرازي، الإمام المفسر. أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل.

قرشي النسب، أصله من طبرستان (مقاطعة في شمال إيران على بحر قزوين)، ومولده في الري (طهران) وإليها نسبته، ويقال له (ابن خطيب الري)، رحل إلى خوارزم (مقاطعة تقع اليوم في أوزبكستان)، وما وراء النهر وخراسان، وتوفي في هراة (مدينة في غرب أفغانستان). أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها.

وكان يُحْسِنُ الفارسيةَ. وله شعر بالعربية والفارسية، وكان واعظا بارعا باللغتين. ( الأعلام :6 / 323 )

العكري: اشتغل على والده الإمام ضياء الدين خطيب الري صاحب محي السنة البغوي.

وكان فخر الدين ربع القامة، عبل الجسم (العبل: الضخم)، كبير اللحية، جهوري الصوت، صاحب وقار وحشمة.

له ثروة ومماليك، وبزة حسنة، وهيئة جميلة، إذا ركب مشى معه نحو الثلثمائة مُشْتَغِلٍ (طلاب العلم)؛ على اختلاف مطالبهم: في التفسير، والفقه، والكلام، والأصول، والطب، وغير ذلك.

وكان فريد عصره ومتكلم زمانه، رزق الحظوة في تصانيفه، وانتشرت في الأقاليم.

وكان له باع طويل في الوعظ، فيبكي كثيرا في وعظه.

 سار إلى شهاب الدين الغوري، سلطان غزنة، فبالغ في إكرامه، وحصلت له منه أموال طائلة، واتصل بالسلطان علاء الدين خوارزم شاه، فحظي لديه..

 وكان بينه وبين الكرامية السيف الأحمر؛ فينال منهم وينالون منه: سَبًّا وتكفيرا، حتى قيل: إنهم سموه، فمات..

وخلف تركة ضخمة منها ثمانون ألف دينار ..(الدينار الواحد يساوي 4,3725 غراما من الذهب).

توفي بهراة يوم عيد الفطر.. قاله جميعَه في العِبَرِ.. (فكان عمره حين الوفاة 62 سنة، وقبره بهراة معروف إلى اليوم).

ومن تصانيفه كتاب الملل والنحل، ومن تصانيفه على ما قيل: كتاب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم على طريقة من يعتقده، ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته.

 

التأسف على ضياعِ الْعُمْرِ في علم الكلام:

وقال ابن الصلاح: أخبرني القطب الطوعاني مرتين أنه سمع فخر الدين الرازي يقول: يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام، وبكى. وروى عنه أنه قال: لقد اختبرت الطرقَ الكلاميةَ والمناهجَ الفلسفيةَ فلم أجدها تُرْوِي غَلِيْلًا ولا تَشْفِيْ عليلا. ورأيتُ أَصَحَّ الطُّرُقِ طريقةَ القرآن: أقرأ في التنزيه {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} (محمد: 38) وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(الشورى:11) و{قل هو الله أحد}. وأقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(طه: 5) {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}(النحل:50) و{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}(فاطر:10) وأقرأ أن الكل من الله قوله: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}(النساء:78).

ثم قال: وأقول من صميم القلب من داخل الروح، إني مُقِرٌّ بأنّ كَلَّ مَا هُوَ الأَكْمَلُ الأفضلُ الأعظمُ الأَجَلُّ- فهو لك، وكَلُّ مَا هو عيبٌ ونَقْصٌ فأنتَ مُنَزَّهٌ عنه..(شذرات: 5 / 21).

 

من تصانيفه:

1- مفاتيح الغيب – ط.. ( المعروف بالتفسير الكبير، أو تفسير الإمام الرازي) ثماني مجلدات في تفسير القرآن الكريم. 2- لوامع البينات في شرح أسماء الله تعالى والصفات – ط. 3- معالم أصول الدين – ط. 4-محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين – ط. 5-المسائل الخمسون في أصول الكلام – ط. 6-الآيات البينات – خ، مع شرح ابن أبي الحديد له، في خزانة الاسكوريال، المجموعة 33. 7-(عصمة الأنبياء – خ، كراريس من أوله، في خزانة الرباط، المجموعة 1180 كتاني. 8- الاعراب – خ، في شستربتي، الرقم 3374 . 9-أسرار التنزيل – خ، في التوحيد.10-المباحث المشرقية – ط. 11-أنموذج العلوم – خ. 12-أساس التقديس – ط. رسالة في التوحيد. 13-المطالب العالية – خ، في علم الكلام. 14-المحصول في علم الأصول – خ. 15-نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز – ط، بلاغة. 16-والسر المكتوم في مخاطبة النجوم – خ (وبعضهم أنكر نسبة هذا إليه) 17-الأربعون في أصول الدين – ط. 18-نهاية العقول في دراية الأصول – خ، في أصول الدين. 19-القضاء والقدر. 20-الخلق والبعث. 21-الفراسة 22-البيان والبرهان. 23-تهذيب الدلائل. 24-الملخص في الحكمة. 25-النفس، رسالة. 26-النبوات رسالة. 27-كتاب الهندسة. 28-شرح قسم الالهيات من الإشارات لابن سينا، ط. 29-لباب الإشارات – ط، تهذيبه. 30-شرح سقط الزند للمعري. 31-مناقب الإمام الشافعي – ط. 32-شرح أسماء الله الحسنى، ط. 34-تعجيز الفلاسفة بالفارسية، وغير ذلك..( الأعلام :6 / 323 ).

قد لخص تفسيره محمد بن محمد بن محمد أبو الفضل المعروف بالبرهان النسفي، الذي ولد سنة ستمائة تقريبا، وله مقدمة في الخلاف مشهورة، وكتب في علم الكلام، توفي ببغداد سنة سبع وثمانين وستمائة..كان أوحد في الخلاف والفلسفة، وكان زاهدا مولده تقريبا سنة ستمائة، ومات في الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وستمائة. (تاج التراجم لابن قطلوبغا: 1/10).

 

الوعظ والإرشاد:

ابن خلكان:وكل كتبه ممتعة، وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة فإن الناس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين، وهو أو لمن اخترع هذا الترتيب في كتبه، وأتى فيها بما لم يسبق إليه.

وكان له في الوعظ اليد البيضاء، ويعظ باللسانين العربي والهجمي، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء، وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة. (4/ 250)

 

وعظ السلاطين:

وحضر الإمام الرازي يوما عند محمد بن سام صاحب غزنة فوعظه، وقال: يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى، ولا تلبيس الرازي يبقى، وإنّ مَرَدَّنَا إلى الله، فانتحب السلطانُ بالبكاء. (والسلطان محمد بن سام، قتلته الإسمعيلية في شعبان، 603هـ بعد قفوله من غزو الهند، وكان ملكا جليلا مجاهدا، واسع الممالك، حسن السيرة).. (شذرات الذهب: 5/8).

 

مرتبة الرازي:

كان في الرّي طبيب حاذق له ثروة ونعمة، وكان للطبيب ابنتان، ولفخر الدين ابنان، فمرض الطبيب وأيقن بالموت فزوج ابنتيه لولدي فخر الدين، ومات الطبيب، وصارت جميع أمواله لفخرالدين ، فَمِنْ ثَمَّ كانت له النعمةُ، ولازم الأسفار، وعامل شهاب الدين الغوري صاحب غزنة في جملة من المال، ثم مضى إليه لاستيفاء حقه منه فبالغ في إكرامه والإنعام عليه.

وحصل له من جهته مال طائل، وعاد إلى خراسان، واتصل بالسلطان محمد بن تكش المعروف بخوارزم شاه، وحظي عنده، ونال أسنى المراتب، ولم يبلغ أحد منزلته عنده، ومناقبه أكثر من أن تعد، وفضائله لا تحصى ولا تحد.. وكان يُلَقَّبُ بهراة “شيخ الإسلام”. (4/ 250).

 

صورة من حلقة درسه:

وكان العلماء يقصدونه من البلاد، وتشد إليه الرحال من الأقطار، وحكى شرف الدين بن عُنَيْنٍ الشاعر الدمشقي: أنه حضر درسَه يوما وهو يلقي الدروس في مدرسته بخوارزم (أوزبكستان) ودرسه حافل بالأفاضل، واليومُ شاتٍ، وقد سقط ثلجٌ كثيرٌ، وخوارزم بردها شديد إلى غاية ما يكون، فسقطتْ بالقرب منه حمامةٌ وقد طردها بعض الجوارح (سباع الطيور)، فلما وقعت رجع عنها الجارح، خوفا من الناس الحاضرين، فلم تقدر الحمامة على الطيران من خوفها وشدة البرد، فلما قام فخر الدين من الدرس وقف عليها.. ورَقَّ لها.. أخذها بيده.. فأنشد ابن عُنَيْنٍ في الحال:

 

يا ابن الكرام الْمَطْمَعِين إذا شَتَوْا *** في كل مسغبةٍ وثلجٍ خاشفٍ

مِنْ نَبَأِ الورقاءِ أَنَّ مَحَلَّكُمُ *** حرمٌ وأنك ملجأٌ للخائفِ

 

من شعره:

نِهَايُةُ أَقْدَامِ العقول عِقَالٌ ** وأكثرُ سَعْيِ العالمين ضلالٌ

وأرواحنا في وحشة من جُسُوْمِنَا ** وحاصل دنيانا أذًى ووَبالٌ

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وما قد رأينا من رجالٍ ودولةٍ ** فَبَادُوْا جميعا مسرِعين وزالوا

وكم من جبال قد عَلَتْ شُرُفَاتِها ** رجالٌ، فزالوا والجبالُ جبالٌ

 

(عِقالٌ: الحِبْلُ الذي يُعْقَلُ به البعير. ومعنى البيت: أنّ نهايةَ سير العقل التوقفُ؛ لأنه لا يستطيع أن يُدْرِكَ إلا ما بين أقطار الأرض، وفي معرفة ما وراء ذلك يحتاج إلى الهادي. بادوا: هلكوا.

قال أبو عبد الله الحسين الواسطي: سمعت فخر الدين بهراة ينشد على المنبر عقيب كلام عاتب فيه أهل البلد:

 

اَلْمَرْءُ ما دام حَيًّا يُسْتَهَانُ به  ** ويُعْظَمُ الرُّزْءُ فيه حين يُفْتَقَدُ

 

(الرزءُ: المصيبة) (وفيات: 4/ 248).

 

شيوخه:

ابن خلكان: وكان مبدأ اشتغاله على والده إلى أن مات، ثم قصد الكمال السماني واشتغل عليه مدة، ثم عاد إلى الري واشتغل على المجد الجيلي، وهو أحد أصحاب محمد ابن يحيى، ولما طُلِبَ المجد الجيلي إلى مراغة لِيُدَرِّسَ بها صَحِبَه فخر الدين إليها، وقرأ عليه مدة طويلة علم الكلام والحكمة، ويقال إنه كان يحفظ الشامل لإمام الحرمين في علم الكلام، ثم قصد خوارزم وقد تمهر في العلوم فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى المذهب والاعتقاد، فَأُخْرِجَ مِنَ البلدِ، فقصد ما رواء النهر، فجرى له أيضا هناك ما جرى له في خوارزم، فعاد إلى الري.

وذكر فخر الدين في كتابه الذي سماه تحصيل الحق أنه اشتغل في علم الأصول على والده ضياء الدين عمر، ووالده على أبي القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري، وهو على إمام الحرمين أبي المعالي، وهو على الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني، وهو على الشيخ أبي الحسين الباهلي، وهو على شيخ السنة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهو على أبي علي الجبائي أولا ثم رجع عن مذهبه ونصر مذهب أهل السنة والجماعة.

وأما اشتغاله في المذهب فإنه اشتغل على والده، ووالده على أبي محمد الحسين ابن مسعود الفراء، البغوي، وهو على القاضي حسين المروزي ، وهو على القفال المروزي، وهو على أبي زيد المروزي، وهوعلى أبي إسحاق المروزي، وهو على أبي العباس بن سريج، وهو على أبي القاسم الأنماطي، وهو على أبي إبراهيم المزني، وهو على الإمام الشافعي، رضي الله عنه (4/ 248).

 

وفاته:

كانت ولادة فخر الدين في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وأربعين، وقيل ثلاث وأربعين وخمسمائة، بالري. وتوفي يوم الاثنين، وكان عيد الفطر، سنة ست وستمائة بمدينة هراة، ودفن آخر النهار في الجبل المصاقب لقرية مُزْدَاخان. رحمه الله تعالى، ورأيت له وصية أملاها في مرض موته على أحد تلاميذته تدل على حسن العقيدة. رحمه الله

ولتلميذه شرف الدين بن عنين قصيدةٌ يمدحه، من جملتها:

مَاتَتْ به بِدَعٌ تَمَادى عُمْرُها ** دهرا وكاد ظلامُها لا يَنْجَلِيْ

فَعَلَا به الإسلامُ أرفعَ هَضْبَةٍ ** وَرَسَا سِواه في الحضيضِ الأسفلِ

غَلِطَ امرؤٌ بأبي عليٍّ قاسَه ** هيهات قَصُرَ عن مَداه أبو عَلِيٍّ

لو أنَّ رسطاليسَ يسمعُ لفظةً ** من لفظه لَعَرَتْهُ هَزَّةُ أَفْكَلٍ

ولَحَارَ بطليموسُ لو لاقاه مِنْ ** بُرهانِه في كلِّ شَكْلٍ مُشْكِلٍ

ولو أنهم جُمِعُوْا لَدَيْهِ تَيَقَّنُوْا ** أن الفضيلةَ لم تَكَنْ للأولِ

 

(وفيات الأعيان:4/248،251).