النظام الضریبي الجدید وتجاهل واقع الشعب

محمد أمين الزرنجي

 

بالتزامن مع نهایة السنة المالیة في أفغانستان، یرتفع ضجیج التجار وأصحاب الشركات والمؤسسات الناشطة فيها. وقد كتبت مقالة في هذا الموضوع في السنة الماضیة في نفس الوقت وذلك بعد فرض الضرائب غیر المسجلة علی التجار والمؤسسات التعلیمیة الخصوصیة. والمشكلة نفس المشكلة إلا أنها في هذه المرة مسجلة ومعلنة رسمیاً عبر الإعلام والتوجیهات الإداریة.

القصة هي فرض الضرائب الثقیلة علی الشركات والموسسات الخصوصیة وذلك بهدف فطام الحكومة من لبان المساعدات الخارجیة. بادرة ربما تكون في ظاهرها بسیطة؛ لأن فرض الضرائب الجدیدة أمر معمول به في جمیع الدول، إلا أن القضیة في أفغانستان مختلفة تماماً عن شقیقاتهاً. لأن الدول الأجنبیة تفرض الضرائب الجدیدة لخدمات جدیدة تقدمها إلی التجار وعملیة التجارة. أما حكومة كابل فلم تقدم خدمات جدیدة ولا تفكر في هذا الموضوع، بل الهدف منها قطع حاجة الحكومة الفاسدة إلی المساعدات الخارجیة واستمرار بقائها.

علی مدی السنوات الـ ۱۵ الماضیة، كان الاقتصاد الأفغاني یعتمد بشكل كلي تقریباً علی المساعدات الخارجیة، فوفقاً لوزارة المالیة، كانت المساعدات الأجنبیة تعمل علی تمویل 100% من میزانیة الوزارة التنمویة، و45% من میزانیة وزارة العمل، وكانت الولایات المتحدة هي الجهة المانحة الرئیسیة لهذه المساعدات.

وقد تعهدت الدول الأجنبیة باستمرار هذا العطاء إلی نهایة عام ۲۰۲۰م وذلك بمبلغ ۱۵.۲ ملیارد دولار، وبعد ذلك العام يبقى الحال مجهولاً علی الجمیع، إلا أن المجتمع الدولي لا یظهر رغبة في استمرار منح المساعدات لأفغانستان.

وقد قال وزیر المالیة لأشرف غني: نرید الوصول إلی رفع عوائد الدولة إلی ۲.۵ ملیار حتی عام ۲۰۱۷م. ویعتزّ مسؤولوا وزارة المالیة بنجاحهم في رفع عوائد الدولة.

هذا ما أغضب التجار وجعلهم یضربون عن تأسیس المتاجر والشركات الجدیدة. من جانب آخر، یشكو التجار من كساد سوقهم في ظل الفقر والبطالة المطبقة علی البلاد. وقد وصلت الحكومة إلی هدفها بزيادة عائدات الدولة، لكنها فشلت في ترغیب التجار في تأسیس الشركات الجدیدة وجلب الثروات من الخارج. فوفقاً للإحصائیات الجدیدة فإن عملیة تأسیس الشركات والمصانع والمتاجر الجدیدة تدنّت إلی ۳۰٪ بالنظر إلی العام المنصرم.

وهنالك ظاهرة أخری زادت التجار غضباً وهي أن الشركات المنسوبة إلی رجال الحكومة لم تؤدي الضرائب خلال السنوات الخمسة عشر الماضیة. وبالمقابل أُخِذت الضرائب من الشركات الأخری بالتهدید أحیاناً.

الإصغاء إلی شكاوى التجار وأصحاب الشركات ربما یوضح لنا كثیر من الحقائق. هذا مصطفی صادق، صاحب شركة “بهار” یقول: إن الدولة تفكر فقط في ملء جیوبها من أیة جهة كانت، ولا تفكر بتنمیة التجارة. إن رجال الدولة یسعون إلی رفع الضرائب علی كل ما بقي لك من العوائد. إن همهم أنفسهم ولا یهمهم خسارة دافع الضريبة. إن شركة “بهار” یعمل فیها أكثر من مئتي عامل، وضعف هذا العدد بعض الأحیان. ووفقاً للقوانین الصادرة في أواخر العام الماضي فإن ضرائب الفاكتورات الأصلیة تضاعفت وارتفعت من ۲٪ إلی ۴٪. تؤدي الشركات حالیا أربع ضرائب، والضغوط علی الشركات باتت كثیرة جداً. (جریدة أفغانستان الیومیة).

إن التجار الأفغان یشكون من هذه القوانین الظالمة ویشكون أیضاً من موظفي وزارة المالیة، ویقولون: إن النظام المالي ضعیف جداً، وجریان الأمور بطيء جداً. وهناك بعض المدراء والرؤساء في الوزارة یطلبون منا الرشی للتسریع في الأمور.

إن هذا النظام الفاسد والأوضاع الحرجة أدی بكثیر من التجار إلى أن یقوموا بتورید الأمتعة والمواد الغذائیة منخفضة السعر من إیران وباكستان.

إن هذه العجلة في فرض الضرائب الجدیدة علی الشركات والمؤسسات تكشف الستار عن إفلاس في الحكومة. وقدیماً قیل: الإكثار من الضرائب المثقلة علی المواطنین، هو علامة إفلاس حكومي.

سیؤدي هذا الإفلاس بالتأكید إلی تغییرات سلبیة علی المجتمع، منها: إضراب التجار عن تأسیس الشركات الجدیدة وبالتالي قلة وجود العمل والأشغال النافعة للمواطنین، ومن ثم تفشي الفقر في البلد. والفقر یسبب كثیر من الأمراض الخلقیة والجسمیة وغير ذلك. وقد قال الرسول صلی الله علیه وسلم: (كاد الفقر أن یكون كفراً). ولا يمكن إنكار الفساد الخلقي الذي سينتجه مثل هذا النظام الضریبي الفاسد علی التجار. إنه یجبرهم، ومن ثم یعوّدهم، علی الكذب لكي ینجوا من الضرائب المثقلة لعواتقهم.

والنظام الإسلامي الرشید یرعی في فرضه الضرائب علی التجار حالهم. ویتحری السهولة لهم، ویتجنب من الظلم في هذا المجال. نسأل الله يرفرف علم النظام الإسلامي في أفغانستان مرة ثانیة.