دستور بلا مصداقیة

عماد الدين الزرنجي

 

احتفلت حكومة الوحدة الوطنیة بأسبوع الدستور الأفغاني الشهر المنصرم، وهو احتفال تقوم به الحكومة في کل عام. وتنفق على عقده میزانیة ضخمة وتقوم بتغطیته إعلامیاً. کل هذه النشاطات في أسبوع الدستور، لتعریف الشعب بأهمیته في حیاة الشعب ودور التمسك به في إرساء قواعد الأمن في البلد. إن الاحتفال بالدساتیر رسم عُمل به منذ أمد في البلاد الغربیة ومنها انتقل إلی بلاد المسلمین.

والدستور الأفغاني الحالي كان قد اعتُمِد في الجمعية التأسيسية (لويا جيرغا) التي عقدت اجتماعها بين 13 ديسمبر 2003 و4 يناير 2004 وقد صادق عليه الرئيس الأفغاني رسمياً في 26 يناير 2004م.

وتعتمد الجمهورية نظاماً رئاسياً حيث تتكون السلطة التنفيذية للحكومة من رئيس ينتخبه الشعب ونائبين للرئيس. ويعيّن رئيس الجمهورية الوزراء والمدعي العام وقضاة المحكمة العليا.

مضی من عمر هذا الدستور ۱۵ عاماً بين مد وجزر. دستور لم یجمع کلمة الشعب بل فرقهم وجعلهم أحزاباً یتقاتلون فیما بینهم سیاسیاً وعرقیاً. إن هذا الدستور باتفاق من الخبراء والخصصین في مجال القانون أنه مستنسخ من القوانین الغربیة في کثیر من مواده. هذا وادعى أشرف غني في الاحتفال الذي عُقِد بتاریخ 16 من شهر جدي بمناسبة افتتاح أسبوع الدستور، والذي حضره جمع من کبار المسؤولین في الحكومة، أن الدستور الحالي من أرقی الدساتیر بین بلاد المنطقة. وزاد أشرف غني في کلمته: أن الدستور الأفغاني مظهر للهویة الإسلامیة والشعبیة للبلد، وقد حدد أسلوب عمله، لذلك نظامنا نظام جمهوري إسلامي ودولتنا تقام بتصویت الشعب، ولا یستطیع أحد السیطرة علی الحکم بقوة الأسلحة والسیف. انتهی(وکالة اسپوتنیک).

لاشك أن الدستور الجدید یحمل معه مشاکل کثیرة جداً، یقف علیها کل من له خبرة بتاریخ الدساتیر التي نفذت في البلاد الإسلامیة.

المشکلة الأولى: أن الدستور الحالي لیس إسلامیاً کما یدعي أشرف غني. ولو أنصفنا فسنقول أن نصفه إسلامي ونصفه کفري. ولکن المشکلة أن أکثر النصف الأول وهو الإسلامي لا یُطبق في واقع الشعب.

إنه دستور بلا مصداقیة. دستور مطمور في طیات الکتب وبعید عن واقع حیاة الشعب. إن الحریة المطلقة التي أعطاها هذا الدستور للمرأة، لاعلاقة لها بما منحه الإسلام لها. والتغییرات التي أحدثها هذا الدستور في النفس والاجتماع والتعلیم والسیاسة والاقتصاد، تقنعنا بمدى بعده عن الإسلام.

المشکلة الثانیة: أن هذا الدستور الراقي -على حد تعبیر أشرف غني- قد اختُرِق مرات کثیرة من قبل واضعیه، ولم یزل یُخترق. کان آخرها، خرقه بعد الانتخابات الرئاسیة. کما قلنا أن السلطة التنفیذیة للحکومة تتکون من رئیس ینتخبه الشعب ونائبین للرئیس. ولکن رجال الحکم قاموا بتأسیس حكومة وحدة وطنیة وتعیین رئیسن لها، فصاروا بهذا من الناقضین للدستور. لأن الدستور الأفغاني لا یصرح ولا یشیر إلی تشکیل حكومة وحدة وطنیة یرأسها رئیسان. بل إن هذا يُعدّ اختراق واضح لدستورهم. فکیف یمکن العیش في بلد یسود فیها دستور یُخترق من قبل واضعیه! فالاحتفال من جانب والاختراق من جانب آخر، استهزاء بشعبنا الأبي، وجرم لا یغتفر.

المشکلة الثالثة: أن هنالك تناقض عریض بین مواد الدستور وبین واقع حیاة الشعب. إن الدستور الأفغاني الحالي دستور بلا مصداقیة. إن أخس الأشیاء لدی الشعب هو هذا الدستور الذي تُحسب عليه إسلامیته ولکنه بعید كل البعد عن الإسلام. لأن الشعب لا یری تطبیقه في الواقع. وحتی الآن لم يستطع رجال حكومة الاحتلال تطبیق مواده الخاصة بالسرقة على السارقین. لذلك نری أن معدل السرقة یزداد یومیاً.

وجاء في هذا الدستور أن الرشی وبعض المفاسد الخلقیة الأخری التي تضیع حق الآخرین، تعد جرماً. ولکننا نری بأم أعیننا أن الموقعین لهذا القانون من أکبر المرتشین، ولا تطبق العقوبات التي رسمها الدستور علی هؤلاء.

وکُتِب في هذا الدستور أن العمالة والتجسس للأجانب جریمة. أما واقع الحیاة فیخبرنا بأن جمیع رجال هذه الحكومة عمال للأجانب.

فهذا الدستور لا یجوز الاحتفال به؛ لأنه بلا مصداقیة في واقع الحیاة، ولیس إلا ککراسة واجب منزلیة لتلمیذ.

المشکلة الرابعة: إن هذا الدستور، للفقراء والمحتاجین. لأنه یُطبّق علیهم بطمأنیة عجییة ولا یطبق علی رجال الحکم وأصحاب المال والرجال العسکریین. إذهبوا إلی المحاکم لتشاهدوا هذا التمييز بین الفقراء والوجهاء.

لذلك نستطیع أن نسمی هذا الدستور “دستور بلا مصداقیة”.