تحسبهم جمیعاً وقلوبهم شتی

بقلم: مسلميار

 

تصاعد الجدال بین الرئیس والرئیس التنفیذي مرة أخری إثر مخالفة عبدالله علی تعیین “نادري” رئیسا لمفوضیة إعمال الإصلاحات في قوانین الانتخابات. إن حدوث الخلاف بین الرجلین لیس بالأمر الجدید؛ بل منذ حرکة قطار دولة الوحدة الوطنیة قبل سنتین، شهد العالم والشعب الأفغاني المظلوم اختلافات عدیدة بین الرئیسین. ولذلك تعوّد شعبنا علی سماع مثل هذه الأخبار. فأساس دولة الوحدة الوطنیة بُني علی الخلاف والجدال وذلك بعد تدخل الأجانب، والجدار المعوج یرتفع إلی ثریّا معوجاً كما في المثل السائد.

إن الخلافات السابقة کانت قد تنحل بعد مدة، ولکن الخلاف الحالي أعمق بکثیر من أشقائه؛ لأن وراءه أیدي ومخططات. إن مصالحة عبدالله مع أشرف غني بعد الانتخابات لم تکن موضع تأیید المنتسبین إلی الجهاد؛ لأنهم کانوا متیقنین من فوزهم في الانتخابات وتزویر منافسهم. فکانوا یتطلعون إلی تسلم دفة الحکم بمصراعیها. ولکن عبدالله فاجأهم بالمصالحة. ومن جانب آخر کان أشرف غني یعُدّ نفسه الفائز بغالبیة الأصوات، وکان أنصاره یرون حضور عبدالله في الدولة وإعطائه الامتیازات، مانعاً في سبیل تطبیق برامجهم ومخططاتهم. فکان کل خلاف یحدث بینهم طیلة السنوات الماضیة، یُنتهز کفرصة للإطاحة بحُکم الآخر. ولکن تدخل المحتلین، وفشلهما في میادین الصراع مع أبناء الإمارة الإسلامیة، أجبرهما علی الجلوس علی طاولة الحوار والتنازل عن بعض متطلباتهما.

إن الخلاف الأخیر الذي لم یزل یتصاعد، فرصة یسعی الطرفان لانتهازها وعدم تفویتها للقضاء علی الآخر. لذلك نری أن تدخل الأجانب حتی الآن لم یُهدّء الأوضاع، ولم يُذيب جبال الثلوج بینهما مثل السابق. ووفقاً لما أعلنت عنه وسائل الإعلام، قام عدید من سفراء البلاد الأروبیة والأمریکیة بلقاءات خاصة مع أشرف غني وعبدالله عبدالله.

هذه اللقاءات والتوصیات المتکررة بعد حین أقنع الطرفان علی اللقاء فیما بینهم. هذا وتبادل الطرفان کلمات جارحة أثارت غضبهما، وقام کل واحد منهما بعقد جلسات خاصة مع أنصاره؛ لتقییم الأوضاع، والبحث عن اتخاذ موقف حاسم تجاه الطرف الآخر. وقد أعلن المتحدث باسم أشرف غني أنه سوف یقوم بتجدید النظر في نص المصالحة التي جرت بینه وبین عبدالله بعد الانتخابات السالفة.

والنقطة المهمة أن أساس الخلافات الواقعة بینهما هو المتطلبات الفردیة. یعني لم یحدث ولن یحدث خلاف في صالح الشعب. بل الخلاف إما حزبي وإما فردي. هذا ما أشار إلیه رئیس البرلمان، مسلمیار في خطابه للشعب. لذلك عندما التقی الرئیسان – بعد الجهود التي بذلتها الدول الأجنبیة، في ۲۸ من شهر أسد- کان الشعب المسکین ینتظر فتحاً مبیناً في صالحه. وعلى رأس التوافقات بینهما کان إبقاء أحد الولاة، التابع لعبدالله عبدالله، في منصبه في ولایة من الشمال. وبعد ذلك تدویر “لوی جرگه” لإعطاء صفة الرسمیة للرئاسة التنفیذیة تحت اسم “رئیس الدولة” بعد مقام الرئاسة الجمهوریة. أیاً کانت متطلبات الطرفین، فإن الخاسر في مثل هذه القضایا هو الشعب. الشعب الذي یدعي هؤلاء تمثیلهم له في الدولة، والدفاع عن حقوقه. الشعب یعاني من الفقر والبطالة ومشاکل عدیدة أخری، وهؤلاء یتصارعون فیما بینهم ابتغاء المال والسلطة.

ومن جانب آخر، کشف أشرف غني الستار عن سبب آخر للخلافات الموجودة بینهما، وقد صرح بذلك في البرلمان التعلیمي لشباب أفغانستان، إذ قال: “کلما أردنا رفع ملف المفسدین إلی المحکمة والسعي لکفاحهم، یبادر البعض إلی إثارة الخلافات بیننا”. [موقع شفقنا].

لا شك أن الفساد بمعناه العام ظاهرة مؤذیة، خیمت علی جمیع دوائر الحکومة، وسببت الکثیر من المشاکل للشعب. وملف کلا الرئیسین ثقیل ضخم في هذه القضیة. لذلك يبادر الأقدر بالإطاحة بالآخر من هذه الناحیة. والطرف الآخر یتخذ موقفاً شدیداً تجاهها. ومن جانب آخر یتهم الرئیس التنفیذي، الرئیس الآخر بتلوثه بالفساد. وقد کتب رئیس تحریر جریدة “سرنوشت” في افتتاحیتها في تاریخ ۲۸ أسد: “في السلسلة الجدیدة من الاتهامات بین الرئیسین، وجه عبدالله عبدالله في مجلس خاص مع اتباعه، اتهامات جدیدة إلی أشرف غني بتلوث حکومته بالفساد. وأضاف عبدالله بأن الفساد في الحکومة ضرب رقماً قیاسیاً، وأن المفسدین انخرطوا في سلك مافیا الفساد”. [موقع رادیو آزادی].

حبیبه دانش، إحدی أعضاء البرلمان في کابل، تقول: “إن السبب الأکبر في عجز الحکومة عن رفع الفساد عن البلد هو أن المفسدین مازالوا موجودین في هیکل الحکومة. وأضافت دانش: بأنه بعد عام ۱۳۸۴هـ.ش عندما وشح قانون البرلمان، فُقِد أکثر من ملیار وستمائة ملیون ومئات الآلاف أفغاني في خمس وزارات فقط. وقد أغلقت الدولة ملفهم ولم تُلقِ بالاً إلیه”. [ موقع آوا].

هذا والشعب یعاني من أزمات اقتصادیة واجتماعیة وثقافیة. إلی متی هذا الصراع الدامي بین الرئیسین، ومتی ستنحل المشاكل بینهما؟

هل إلی الصلح بینهما سبیل، هل یمکن القضاء علی أزمات أفغانستان في ظل هذه الخلافات؟!

یعتقد کثیر من الخبراء بأن الخلافات الموجودة في دولة کابل ستُثار حینا بعد حین. لأن جدار الثقة بین الرئیس الجمهوري والرئیس التنفیذي قد تهدّم، ولا یمکن تشییده من جدید. وزاد الطین بلة النعرات القومیة التي رُفعت أخیراً. ومن هذا المنطلق نستطیع أن نحکم بأن مرد هذه الخلافات إلی العصبیة البغیضة القومیة.

لا ندري إلی أین مسیر أفغانستان. ولکننا علی یقین بأن الله لا یضیع أجر المحسنین.