حتی لا ننسی الشهداء في خضم الانتصارات

أبويحيى البلوشي

 

ينبغي أن يسمّى هذان الشهران الأخيران بشهري الفتوحات والانتصارات، حيث بدأت سلسلة من الفتوحات وسقوط المديريات واحدة تلو أخرى بأيدي المجاهدين، ورأينا عساكر إدارة كابول العميلة يستسلمون زرافات ووحدانا، فيأتي الجنود مكتوفي الأيدي إلى المجاهدين يعطون أسلحتهم ويرجعون إلى مناطقهم ويلتحقون بأهليهم. حيث تستقبلهم الإمارة الإسلامية بصدر رحب، ويستقبلهم جنود الإمارة الإسلامية بحفاوة وترحاب ويخاطبونهم بكلمات تقطر أدبًا وعسلًا، وتفوح إخوّة وحنانا، كلمات لن ينساها التاريخ من قبيل: (تعال إلي وأنت أخي لا فرق بينك وبين أخي) أو جملة تفوّه بها أحد المجاهدين بعد أن قبّل جبين الجندي وقال: تعال إلي فمهما قاتلت ضدنا، فإنك اليوم أحد إخواننا، ونحن نعلم بأنكم لا تقاتلون إلا مضطرين لأجل المال.

وفي خضم هذه الانتصارات ووسط الفرحات بالفتوحات، نشعر بمكان الشهداء الشاغر بيننا، ونتذكر أيامًا كانوا يطمحون إلى أن يروا انتصارات كهذه الانتصارات وفتوحات كبيرة على ثری البلاد والمديريات.

مررت قبل مدة على مقبرة الشهداء بخاشرود، إنها مقبرة تغرس في أغوار قلب كل مار الحنينَ إلی الشهادة وحب الشهداء، وتحرّضه على التفاني ونصرة دين الله، مقبرة عندما تمر عليها، تنزل عليك السكينة وتسود على أركان جسمك الطمأنينة، ويغمرك الحنين إلى الشهادة ويستقر في قلبك العزوف عن الدنيا.

مررت على هذه المقبرة المباركة ووقفت أمامها وقفة استحضرت فيها مآثر هؤلاء الشهداء الكبرى وخدماتهم الجليلة وأعمالهم الخالدة.

هنا وقفت وقفة تأمّل أجدد فيها ذكراهم الطيبة في هذه الأيام المباركة، تحت ظل الفتوحات المنصورة الأخيرة.

وقفت أحيي ذكرى الشهداء والجرحى وأجدد قصصًا من حياتهم، وأتذكر طموحاتهم للفتوحات والانتصارات وآمالهم ليروا راية الإسلام عالية فوق كل مكان.

تذكرتُ أننا قبل سنوات عديدة، كنا ننتظر فتح مقر صغير للعدو طيلة شهر، ونفرح بذلك أشد الفرح، أما اليوم فكل يوم من الأيام نشهد انتصارات عظيمة.

هنا تذكرتُ أن كل ما نشاهده اليوم يعود فضله إلى الشهداء، تحرر أكثر من ثمانين في المائة من تراب أفغانستان من براثن المحتلين وعملائهم الضباع، وسلسلة فتوحات المديريات مستمرة، تفتح كل يوم أربع أو خمس مديريات، والدبابات خاضعة تحت أقدامنا، والأمن متوفر في مناطق فتحتها الإمارة الإسلامية والعدل متوفر بين الناس؛ لاشك أن كل ذلك من مآثر الشهداء وتضحياتهم، وما خضوع أمريكا اليوم للانسحاب، إلا ثمرة من ثمار دماء الشهداء التي أقامت الشعب وحرضت الأقوام وأقامت الشباب والشبان والنساء والرجال لنصرة المجاهدين وردع الأعداء.

ما أجحفت لو قلت: يستطيع اليوم أن يسير طفل عمره عشر سنوات من محافظة هلمند إلى فراه، ومنها إلى نيمروز، ماراً بمديريات كثيرة من بهرامتشه إلى ديشو وبكوا ودلارام، ويستطيع أن يرقد في سهل هذه المناطق ووعرها وجبلها وفلاتها في راحة وأمنٍ. وإن كنا ننام نحن في راحة بال في غرفتنا مع المجاهدين من بداية الليل إلى نهايته، لا نخاف سوى الرحمن جل في علاه، لا غرو أن هذا نتاج لتضحيات هذه العصبة المباركة.

حكى لي بعض المجاهدين السابقين من مديرية خاشرود بمحافظة نيمروز، أنهم قبل سنوات، ما كانوا ليناموا ليلة واحدة هادئة في بيتهم على سرير ناعم، بل كانوا في كر وفر، وحل وترحال، من بيت إلى آخر ومن نهر إلى آخر ليجدوا مكانا آمنا يأمّنهم من غارات العدو اللدود. ولكن في الآونة الأخيرة سافرتُ بنفسي إلى عدة مديريات حاملا بندقيتي لا يريبني عدو ولا يخيفني عميل، بدأت رحلتي من بهرامتشة إلى ديشو وخاشرود، ثم من هناك إلى تشخانسور وراجعا إلى منار وبكوا، فلم أجد سوى رجال الطالبان؛ أصحاب العقيدة السمحة يواصلون الليل بالنهار ويقفون على جنبات الطريق وعلى المخافر ليحافظوا على الأمن.

إن الشهداء فرقة اصطنعهم الله لنفسه، ورباهم بتربيته الحسنة، فوهبهم حب الجنة والحنين إلى لقاء الله، ومن أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، فامتحنهم بمر الحياة وحلوها، ثم اجتباهم فقضوا نحبهم في سبيل الله، رحلوا وبقيت آثار جهادهم، استشهدوا ومازالت في قلوبنا جراح بفراقهم وفي البلاد آثار من تضحياتهم. رحمهم الله رحمة واسعة.