حقاني بطل الجهاد والعلم والعرفان

Haqani

محمد أمين الحيدري

 

لم يكن إمبراطورًا أو دكتاتورًا أو سلطانًا وزعيمًا، بل كان زاهدًا متقشفًا وفقيرًا أحبّه الله حيث أدخل حبّه في قلوب المؤمنين، وملأ قلوب أعدائه رعبًا وهلعًا وهيبة منه.

كان سبّاقًا إلى الخير، يتلذذ بكلّ نازلة تنزل عليه وإنْ كانت مصيبة أو همّا وكان يرى في ذلك التقرّب إلى الله، وشاع أثره المعنوي في جميع البيوت والقرى والعالم حيث أزال النّوم من جفون الأعداء.

وإنْ سألت عن جهاده فاسأل الجبال الشامخات والشعاب والوديان والتلال الملتوية في بكتيا، عندما كان مرابطًا في سبيل الله على أية صخرة كان يضع رأسه للمنام، أو كان يرقد جالسًا تحت ظلال أية شجرة الطائرة؟

وعندما كان العدوّ يصبّ جام غضبه بالطائرات والنفاثات، وتثور الغبار والدخان في السماء، وتسيل دماؤه الطاهرة على الأرض بجراحاته، أي دروب التاريخ كان يقودها؟ وربما كان يحمل الجرحى إن لم يُجرح بأيديه ويداويهم، ويكفّن الشهداء بنفسه ويدفنهم.

إنّ مكاسبه العالية على الطرقات السريعة بين خوست وجرديز تحكي عن بطولاته وإنجازاته المحيّرة للعقول، وحتى الآن مآت الذين شهدوا تلك المآثر على قيد الحياة يحكونها عن كثب.

ولكم حيّرت تكتيكاته العسكرية جنرالات العدوّ العسكريين، حيث يتحيرون منها!

إنّه أحيى الجهاد في خنادقه وفتح أبواب الجهاد العالمي في منطقته بقيت ذكراها العاطرة حتى الآن.

كيف كان يتسرّب في عصب العدوّ وشرايينه؟ وكيف كان يتعرّف على العدوّ ويعامله؟

وكم أدخل أسرى العدوّ داخل صفوفه بخلقه الكريمة ومعاملته الحسنة الشريفة، حتى صاروا من أقرب أصدقائه بعدما كانوا من ألدّ أعدائه؟

وكم فصول لهجرته وجهاده لعقود متتالية؟ وكيف يحمده أصدقاؤه وأعداؤه؟

إنّه لتاريخ حافلٌ ومجيد سيحكيه التاريخ بتفاصيله للأجيال القادمة إن شاء الله.

وإنْ سألت عن سلوكه وعرفانه، فراجع طفولة جلال الدين عندما كان يصقل معدنه جمعٌ من الأولياء الأصفياء والمربين الصالحين الذين كانوا يربونه ويُهيئونه لأمرٍ عظيم وقيادة رشيدة.

وسل المنابر التي كان جلال الدين يصعدها بعد ما يرجع من خنادق القتال للاستراحة كيف كان يدعو ويعظ الناس والمجاهدين بلسان فصيح وبليغ وفي غاية الجمال والسهولة، وكم كان ينثر الدرر والجواهر في تأبين الشهداء ومراسم تكفينهم وتدفينهم، فيتلوا الآيات الكريمة وينقل الأحاديث الشريفة في هذا المجال.

وقد خلّف مساجد ومدارس ومكاتب عمّرها وشيّد الخنادق والجامعات العسكرية للأجيال المجاهدة القادمة، التي أبادت آمال الغرب ومطامعهم من البلاد الإسلامية.

إنّ حياة مولانا جلال الدين حقاني رحمه الله الجهادية حافلة بالعجائب والغرائب، أرجو بأن لا تُدفن مثله في التراب، بل لا بد من تسجيلها في طبقات التاريخ الخالدة.