حول التعليق المؤقت للتعليم الجامعي للإناث في أفغانستان

الزبير الغزي

 

مَنَعت طالبان تعليمَ البنات في الجامعات مؤقتاً، وألزم أمير المؤمنين من تحته من أهل الإسلام بالسمع والطاعة في ذلك.

 

وفي هذا الحدث عدة وقفات مهمة:

أولًا: يعلمُ كل مسلم غيور حرص الطالبان على إقامة دين الله تعالى وشرعه، وأنهم من أغيرِ الناس على حرمات الله أن تُنتهك، ولا شكَّ أن منع النساء من التعليم بالكلية محرمٌ شرعًا، وكذلك السماح بالاختلاط ووجود المناهج الفاسدة في التعليم: محرمٌ شرعًا؛ فاجتمعت مفسدتان، وفي النظرِ فيهما يتنازعُ الناس، وسأفصل ذلكَ بعد بيانِ بعض الأمور.

 

ثانيًا: في كل يوم تثبت الإمارة الإسلامية “الطالبان” حرصها على الشريعة، وأنها دولة يقودها العلماء حقا؛ هؤلاء العلماء الذين يهمهم إصلاح دين الناس قبل دنياهم، وإحياء قلوبهم قبل ملء جيوبهم.. والعلماء عزُّ أمتنا ومصدر قوتها وكرامتها؛ فجزاهم الله خيرًا، ولا شك أنهم أهل للاجتهاد في مثل هذا الشأن العظيم، نحسبهم ممن يخشون الله ولا يخافون فيه لومة لائم.

 

ثالثًا: وأما أيُّ المفاسد أعظم لدرئها وأيُّ المصالح أعظم لجلبها؟ فهل مفسدة الاختلاط والمناهج الفاسدة مفسدة أعظم أم تعليم الإناث مفسدةٌ أكبر؟!

هذا أمرٌ تقديري، والذي لا أشك فيه ابتداءً أن مثل هذا الأمر مما يجب تركه لاجتهاد العلماء والأمراء في دولة الطالبان الفتية؛ فهم أدرى بمصالح أنفسهم ودولتهم، وقد باتوا اليوم أكثرَ من سنة وهم مقرون للمنظومة التعليمية القديمة بعُجرها وبُجرها، ورأينا بعض المقاطع التي تُظهر حرصهم على منع الاختلاط؛ فما السر أنهم أوقفوا التعليم الآن؟!

غالب الظن أن الإمارة الإسلامية قد غلب عندها – في الوقت الحالي – جانب مفسدة تعليم البنات؛ لما يصاحبه من اختلاط محرم، وفساد في المناهج، ويد خفية للمحتل لإفساد الجيل؛ فقررت الإمارة لأجل ذلك إيقاف هذا الفساد ودرأَه؛ على قاعدة “درء المفسدة أولى من جلب المصلحة”، حتى تزول هذه المفاسد وتعمل على رسم خطة مكتملة تُراعى فيها حرمات الله تعالى ويزول فيها هذا الفساد.

 

رابعًا: نظرةُ أمة الإسلام في حضارتها وتعليمها ليست نظرة مادية صرفة؛ فلا تنظر الشريعة لمجردِ حصول المرأة على الشهادة، بل ولا الرجل؛ لكنها تسعى مع ذلك أيضًا إلى أن تكون هذه الشهادة بابًا للدين والتقوى والأمانةِ، فقد قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}؛ فما الفائدة من علم دنيوي صِرفٍ يكون حربًا على الآخرة؟

ولا زالت تجارب الأمة كثيرةٌ في هذا الإطار، فكم من صاحب شهادة في أعظم جامعات الغرب كان وبالًا على أمته؟!

 

خامسًا وأخيرًا: أُثيرت قضية إيقاف الطالبان لتعليم النساء في الحكم الطالباني الأول (1996 – 2001م) وقد بحث هذه المسألة من كتب في حال الطالبان من أهل العلم؛ فذكر الشيخ يوسف العييري أن  مردَّ ذلك “إلى أن الطالبان وجدوا أن مناهج التعليم المعمول بها ومعظم المدارس هي نفس المناهج والهيكل الذي وضعه الشيوعيون ولا يمكن أن يسمحوا لهم ويأتمنوهم على تعليم البنات، فأوقفوا التعليم برمته، إلى أن يتم توفير المنهج والكادر الذي يمكن أن يؤتمن على هذه المهمة وأن ما أثاره الإعلام الغربي والتابع له وجهال الحركة الإسلامية كان مرده للتعصب والكره ولم يكن موضوعياً” [الميزان لحركة طالبان].

وجاء في مجلة البيان الشهيرة: “سيذكر التاريخ أن تلك الحكومة الناشئة، وبالرغم من كل ما أنجزته من إصلاحات في زمن قياسي قصير، نالت الحظ الأوفر من عداء ما يسمى بـ(المجتمع الدولي)؛ حيث لم يعترف لها بفضيلة واحدة من تلك الفضائل، ولم ير فيها إلا أنها (حكومة متزمتة) ؛ لأنها قدمت توظيف الرجال على النساء في مجتمع معدم، وأرجأت تعليم البنات في بلد خرج المستعمرون الشيوعيون منه بعساكرهم ولكنهم بقوا بمناهجهم” [مجلة البيان: الجزء 170 / ص 98].

وما ذُكر في حكم إخواننا الأول يُقال في حكمهم اليوم؛ فالظرف واحد، والحال متقارب..

 

اللهم أبرم لأهلنا في أفغانستان أمرًا رشَدًا يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر..

والحمد لله رب العالمين.