سقوط أمريكا في أفغانستان حوّلها إلى مجنون يهدد العالم

أفغانستان أسقطت نظام القطب الواحد وأنهت دور أمريكا كقوة مهيمنة، فتحولت إلى تاجر سلاح ومخدرات، ومجرم يهدد أمن وسلام العالم.

 

ـ كتبه الأستاذ مصطفى حامد ـ

 

بعد 16 عاما من حربها في أفغانستان لم تعد الولايات المتحدة كما كانت. فتلك الدولة المتغطرسة وذلك الجيش المتجبر بأسلحة لم تعرف البشرية لها مثيلا، لم يعد كما كان قبل تلك الحرب الطاحنة. فقد سقطت أمريكا بفشلها العسكري المدوي من مكانتها كقطب عالمي أوحد ومهيمن، فتغيرت بالتالي صورة العالم كما تغيرت صورة أميركا وتغير دورها في العالم. وحتى أوضاعها الداخلية تغيرت بعمق خلال تلك الحرب وبسببها مباشرة. كان أكبر دلائل ذلك التدهور هو تلك الأزمة المالية والإقتصادية العظمى عام 2008 ـ بعد ثمان سنوات من الحرب ـ والتي لم تُشف منها أمريكا حتى الآن. الرئيس الأمريكي (جورج بوش) الذي هاجم أفغانستان، وهو مسخ إمبراطوري تقمص دور الفارس الصليبي فأعلن حملته الصليبية على أفغانستان عام 2001 من داخل كتدرائية في واشنطن. وفي نهاية فترة حكمه الثانية كانت بلاده تعاني من أزمة مالية تعدت في خطورتها أزمة الكساد الأمريكي الكبير عام 1929، والذي لم ينته إلا بقيام الحرب العالمية الثانية عام 1939.

عند تلك الأزمة تحديدا أدرك المتابعون أنها (لعنة أفغانستان) قد أصابت الولايات المتحدة كما أصابت قبلها الإتحاد السوفيتي وبريطانيا العظمى. اللذان إختفيا كقوى عظمى بعد أن جردهم شعب أفغانستان من كل أسباب العظمة، وأخرجهم من بلاده أذلاء وقد تحطم أساسهم الإمبراطوري، أي جيوش الغزو التي يرهبون بها العالم ويذلون الشعوب.

من قبل أن يبدأ حكمه، كان “أوباما” يدرك أن أفغانستان هي الجريمة القاتلة التي ارتكبها سلفه، الذي ظن أن بلاده ستتقوى (بعائدات الأفيون، ونفط جمهوريات آسيا الوسطى) ـ ولكن الشعب الأفغاني كان قراره أن الجهاد هو الحل، وفيه مصرع الجبابرة وأمن المستضعفين. فكان “أوباما” متيقنا أن الإنسحاب السريع من أفغانستان هو الحل، ولكن جنرالات الغرور والحماقة كان لهم رأي آخر.

فطالبوه بفرصة أخيرة. وكان هناك “الإيباك”ـ لوبي الضغط اليهودي في أمريكا وهو أقوى من أي حكومة في ذلك البلد ـ الذين أرعبهم انسحاب أمريكي من أفغانستان بينما (مشروع الشرق الأوسط الجديد) يتعثر ويتلقى الصفعات، سوى بعض النجاحات التي أغرتهم بالاستمرار في حلمهم لتحقيق إمبراطوريتهم في الشرق الأوسط (يعنى بلاد العرب) تحت تغطية من احتلال أمريكي لأفغانستان، عسى أن يتحطم الإسلام في أهم وأقوى معاقله على سطح الأرض (في بلاد الأفغان)، فتنتهي بذلك قصته.

كثيرون هم المنافقون الذين يتمنون، وينتظرون، سقوط جهاد الأفغان حتى يعلنوا استسلامهم لليهود ويفتحون لهم كل الأبواب الموصدة.

 

لحظة إكتشاف الحقيقة:

المسيرة الأمريكية في أفغانستان تشابه ما حدث للسوفييت في أفغانستان. فالزعيم السوفيتي برجينيف، وقد ضربه خرف الشيخوخة ـ قرر غزو أفغانستان، مستغلا ترنح غريمه الأمريكي بضربة كبرى تلقاها في الشرق الأوسط تمثلت في ثورة إيران أخرجتها من نطاق السيطرة الإمبراطورية الأمريكية، ومثلت بالتالي تهديدا لإسرائيل، ركيزة أمريكا الأساسية في المنطقة. لم تكن أفغانستان لقمة سائغة للسوفييت ـ كما لم تكن كذلك طول التاريخ ـ ولن تكون إلى قيام الساعة لقمة سائغة لأي قوة دولية طاغية، طالما يسكنها ذلك الشعب تحديدا وذلك الدين (الإسلام) بمفهومه التوحيدي الجهادي الإنساني العالمي.

فما أن حل عام 1983 حتى أدرك السوفييت أن لا بقاء لهم في أفغانستان وأن ذلك الشعب سوف يحطم امبراطوريتهم ويذيبها بالتدريج وبلا أسلحة نووية، بل ببقايا أسلحة الحملات البريطانية في القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين، ثم بأسلحة الجيش السوفيتي نفسه التي غنمها المجاهدون.

أفنت الحرب في أفغانستان ثلاثة من الزعماء السوفييت المتهالكين بداية من بريجينيف ثم أندرويوف وشيرننكو ـ حتى وصل إلى الحكم “الشاب” (غورباتشوف) 1985 الذي قرر تنفيذ الإنسحاب. ولكن جنرالات الجيش الأحمر الفاشل والمنهزم طالبوا بمهلة ـ لعل وعسى ـ أن تتحطم إرادة المقاومة لدى الشعب الأفغاني، في ضربات سوفيتية أقوى بأسلحة أحدث، يدفعونها إلى ساحة المعركة ـ خاصة في سلاح الجو والصواريخ والذخائر دقيقة التوجيه. فتنهار عزيمة المجاهدين ويستسلمون. ولكن الحرب استمرت إلى أن انسحب الجيش السوفيتي فعليا في فبراير عام 1989.

ــ “أوباما” سار على نفس خطى “غورباتشوف ” فأعطى جنرالاته فرصة. وفي بداية حكمه بدأ استراتيجيتة من نقطة وسط بينه وبين الجنرالات، فأرسل إلى أفغانستان بتعزيزات عسكرية مكونة من 30 ألف جندي مصحوبة بموعد للإنسحاب الكلي بنهاية 2014 “!!”.

فشلت الخطة الأمريكية. وفي الموعد المقرر انسحب “أوباما” جزئياً من أفغانستان وغيّر من طبيعة تواجده العسكري معتمدا أكثر على المرتزقة الدوليين والقوات المحلية العميلة وفي مقدمتها الجيش ثم باقي الأجهزة المسلحة القمعية والتجسسية وصولاً إلى الميليشيات التي تفنن في استحداثها وتقويتها.

تلك (الترقيعات الاستراتيجية)، مع الظروف التي استجدت في “الشرق الأوسط” ودوامة الصراعات فيه، ثم الموازين الدولية التي بدأت تميل في غير صالح الولايات المتحدة والغرب عموما، ولصالح انعطاف حضاري جديد نحو الشرق المتنوع بقوى أساسية جديدة تطرق أبواب التاريخ بشدة، وفي قمتها الشعب الأفغاني، الذي تهيأ هذه المرة ـ بعكس كل تجاربه الجهادية الماضية ـ أن يتولى بنفسه إدارة شؤونه والإستفادة من نتائج انتصاره، والمشاركة الفعلية في صناعة مستقبل بلاده ومستقبل المسيرة العالمية التي مهّد لها وشق لها الطريق بدمائه وتضحياته التي أسقطت نظامين دوليين متتابعين خلال عقود قليلة. فالشعب الأفغاني، أصبح له قيادته الجهادية الميدانية التي اختارها بنفسه ولم تفرضها عليه قوة عميلة من المنافقين العاملين لمصلحة الغرب.

كما أن العزلة المفروضة على الشعب الأفغاني وجهاده بغرض إضعافه وفصله عن العالم والشعوب المسلمة، وتحويل الحرب في أفغانستان إلى مجرد حرب مجهولة ومنسية، تلك العزلة أفادته كثيراً فأصبح أكثر وعياً وتمرساً وخبرة واستقلالية.

فليس لأحد ـ أو أي قوة كانت ـ سلطة أو يد أو نفوذ داخل قواه الجهادية التي تشكلت لديها رؤيتها الخاصة، ووعيها وإرادتها المستقلة. ورؤيتها الإسلامية الأصيلة التي صقلتها الحروب والمعارك وميادين القتال، وأعاصير السياسة حول أفغانستان وفي داخلها.

 

الإستقلالية نتيجة الحصار:

غورباتشوف ـ الذي  أعطى جنرالاته فرصة أخيرة ـ أدرك بعد عدة محاولات عسكرية كبرى في أفغانستان عقم محاولات الحسم العسكري، فقرر الإنسحاب باتفاق سياسي مع الأمريكيين يضمن تقاسما للنفوذ داخل أفغانستان، عبر حكومة في كابول مكونة من عملاء للطرفين، سواء ظاهرين في واجهة الحكومة أو مستترين داخل أجهزة الدولة. كان يمكن للأمريكيين وقتها أن يقرروا بضمان سيطرتهم على حركة الجهاد، بالسيطرة على الأحزاب الفاسدة في بيشاور وقياداتها المنحرفة. وأيضا عبر جماعات التمويل التي أظهرت صداقة للجهاد معتبرة إياه مجرد حرب بالوكالة عن المصالح الأمريكية، وليس جهادا إسلاميا لخدمة الدين والشعب المسلم في أفغانستان، وعموم المسلمين في العالم.

هذه الأجواء الموبوءة زالت نتيجة للحصار المفروض على شعب أفغانستان وجهاده. فأنتج الحصار إستقلالية، وقوة سيكون لها ما بعدها بعد زوال غمة الإحتلال نهائيا، والسقوط المؤكد للدولة الأمريكية المعتدية وتحالف الناتو الذي يجمع ذئاب أوروبا وأوباش من أنحاء العالم. الآن لا أحد يقرر نيابة عن شعب أفغانستان، ولا أحد في مقدوره أن يضغط على قيادته. فالضغط الأمريكي أنتج مزيدا من القوة الأفغانية وخلصها من الكثير من الشوائب التي علقت في الماضي بتجاربه الجهادية المذهلة التي غيرت وجه العالم الحديث مرتين، ولكنها لم تغير من حال الشعب الأفغاني، بل زادته بؤساً وتخلفاً.

ذلك الضغط الأمريكي العسكري والسياسي على شعب أفغانستان أنتج مزيدا من الضعف للولايات المتحدة بحيث لم تعد هي نفس الدولة التي دخلت أفغانستان بالإنتفاش الصليبي الذي صرخ به جورج بوش من داخل كتدارائية واشنطن. ولم يتحقق لليهود ما تمناه عضو بالكونجرس الأمريكي قبل غزو أفغانستان بقوله: (سوف نحول أفغانستان إلى إسرائيل أخرى في المنطقة).

 

الإمارة الإسلامية صاحبة القرار:

دخلت الحرب الأمريكية على أفغانستان عامها السابع عشر. وهم يدركون تماما أن لا حل في أفغانستان سوى بالإنسحاب التام، وإلا فالسقوط الأمريكي قادم لامحالة داخل الولايات المتحدة نفسها. ولكنهم يطمعون فيما حصل عليه السوفييت عند انسحابهم من اتفاق سياسي يضمن مصالحهم في أفغانستان، أو معظم تلك المصالح.

ولكن لا طرف في مقابل الأمريكيين يصلح للتفاوض سوى الإمارة الإسلامية، وقوتها الضاربة (حركة طالبان) فهي المالكة لزمام القرار حربا أو سلما.

وذلك بالنسبة للأمريكين أشبه بتناول السم القاتل، لأن الإمارة، وطالبان، لن يقبلوا بأي حديث سياسي مع المحتل إلا بعد زوال الاحتلال تماما. وإذا بدأ حديث سياسي بعد ذلك فسوف يكون البند الأول فيه هو تعويضات الحرب، وتحرير الأسرى. وسواء بدأ حديث تفاوضي بعد ذلك أم لم يحدث، فإنه لا نقاش يمكن أن يطال استقلال وحرية شعب أفغانستان، وكامل سيطرته على جميع أراضيه وثرواته، وحقه الطبيعي في إقامة نظامه الإسلامي حسب رؤيته الجهادية والتاريخية.

ــ هذا ما صار إليه شعب أفغانستان بعد 16 عاما من الحرب الجهادية فما هي حال المعتدي الأمريكي ودولته؟

أبلغ تعبيرعن ذلك هو زعيم تلك الدولة الذي أدهش شعبه والعالم بحالة التردي العقلي والسلوكي التي يتخبط فيها كالسكران أو المجنون، بسياساته الداخلية والدولية. إنها علامات انهيار لم تصل إليها قوة دولية بدون حرب عالمية كبرى، وحتى بريطانيا والسوفييت قبل زوال مكانتهما الدولية واندحارهما على أرض أفغانستان لم يبديا كل ذلك القدر من التخبط وفقدان الإتزان.

الشعب الأمريكي وشعوب العالم مجمعون على أن ذلك الرئيس المختل عقليا والمنحرف سلوكيا هو خطر على العالم بأسره، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أولا.

حسب قول أحد المحللين السياسيين، فإن ترامب لم ينجح سوى في شيئين إثنين، الأول هو إستنفار الروح العنصرية تحت شعاره (إستعادة القومية الأمريكية) فانتعشت الكراهية في صفوف الشعب. والنجاح الثاني كان إنقسام المجتمع الأمريكي إلى نصفين متباعدين تفصلهما هوة تتسع بإستمرار. فهناك دعاوى إنفصالية داخل الولايات المتحدة بذرائع دينية ومذهبية وعرقية، وهناك ولايات أمريكيه ترغب في الإنفصال عن الإتحاد الأمريكي.

وإذا حدث ذلك أثناء تواجد القوات الأمريكية في أفغانستان فسوف تواجه تلك القوات مشكلة عويصة. فمن منها سيكون تابع للإتحاد الأمريكي ومن منها تابع للولايات المنفصلة؟

ومن أين سيتلقى كل منهما الأوامر والتمويل؟ في النهاية قد تستسلم تلك القوات بكاملها للمجاهدين، أو ينسحب منها فرد واحد قد يتمكن من الخروج سالما من أفغانستان كما حدث للبريطانيين حين انتهت حملتهم الأخير بنجاة طبيب واحد فقط.

 

جيش الدولة المنحطة يتحلل:

الجيش هو عماد القوى الإستعمارية الكبرى. ومع نهايته، أو فقدانه الرغبة والحماس للقتال، تنتهي تلك الإمبراطورية. فلا يذهب جنود جيشها إلى مغامرات خارجية إلا بضغط الحاجة المعيشية وهربا من ضغوط إجتماعية ونفسية.

فالجيش الأمريكي بالفعل هو جيش من المهمشين إجتماعيا الذين لا سبيل أمامهم للعيش بشكل معقول سوى أن يبيعوا أنفسهم كوقود للآلة العسكرية النهمة.

جنود الجيش هم من الطبقات المهمشة في قاع المجتمع، من الشواذ والمنحرفات. ومن ضباط أعينهم على وظائف عالية الأجر في شركات المرتزقة بعد تركهم صفوف الجيش، وجنرالات أعينهم على وظائف عليا في شركات النفط والسلاح، أو الدرجات العليا في العمل السياسي والمجالس النيابية، أو تأسيس شركاتهم الدولية الخاصة للإتجار بالمقاتلين المرتزقة.

ـــ لا أحد في العالم يحسد جنود أمريكا في أفغانستان. بضغوط نفسية ومعارك قاسية، وفساد ضرب أطنابه في تلك القوة المحاربة، بداية من جنرالاتها الكبار، وحتى وقود المعارك من الجنود الصغار الذين يقتل منهم كثيرون. والذي يخرج منهم سالما تفتك به لاحقا عاهات عقلية ونفسية، وتجاهل حكومي وإزدراء من المؤسسة العسكرية نفسها.

ــ تحليل أجراه مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي كشف عن طرد عدد كبير من العاملين في وزارة الدفاع الأمريكية لأسباب تتعلق “بسوء السلوك!”. وفي تقرير نشر في شهر يونيو 2017 نشر المكتب المذكور في موقعه على الانترنت أن 57,141 جنديا طردوا من الخدمة خلال الفترة ما بين العامين (2011 ـ 2015 ) لأسباب تتعلق “بسوء السلوك”.

نسبه 16% منهم تم تشخيص حالاتهم بأنها (إضطراب وتوتر ما بعد الصدمة) أي الرعب الناتج عن صدمة المعارك القاسية. وحالات أخرى ارتبطت “بسوء السلوك”. وبعض الاضطرابات كانت بسبب شرب الخمر. وأن 23% من المفصولين تم تصنيفهم “غير شرفاء” وهذا يحرمهم من الحصول على فوائد الرعاية الصحية من إدارة شؤون المحاربين القدماء.

اشتكى التقرير من أن البحرية لم تطلب فحصا طبياً قبل الحكم بفصل المتهمين “بسوء السلوك” للتأكد من أن تلك التهم ليست ناتجة من (اضطراب ما بعد الصدمة).

أمين شؤون المحاربين القدماء (ديفد شولكن) أعلن سابقا عن خطط للنظر في شكاوى المحاربين القدماء من نقص الدعم الذي  يقدمه الجيش لهم.

هذا مجرد جزء صغير من صورة الانحدار المأساوي التي يعيش فيها الجيش الأمريكي، نتيجة لحرب أفغانستان أساساً، والتي شهدت أبشع أنواع إنحطاطهم العقلي والنفسي في مجازرهم الوحشية ضد الأبرياء.

 

رئيس الإنحطاط في دولة الإنحطاط:

وهذه هي الصورة التي تجسدها أمريكا كقوة عظمى، خاصة في شخص رئيسها المجنون الذي  يترنح في أرجاء العالم، مهددا ومتواعدا ومبتزاً كأي بلطجي يبتز العاهرات، أو مقامر يسرق زبائنه العابرين والدائمين. فتلك هي مهنته القديمة وخلفيته التاريخية ومصدر المليارات التي يمتلكها.

ــ نجاح ترامب في شق المجتمع الأمريكي بنزعاته العنصرية، التي أحيت الصراع والدعوات الإنفصالية، لا يتفوق عليها سوى إخفاقاته العظمى في سياساته الداخلية، وفشله في تطبيق أيا من وعوده الخارجية أو الداخلية، سوى نجاحات له في (الشرق الأوسط) مع زبائن أمريكا الدائمين. فدعوته إلى (إستعادة القومية الأمريكية) و(أمريكا أولا) لم تنجح في إعادة الشركات الأمريكية التي إنساحت خارج الحدود في بلاد العالم الفقير لتجني الثروات الطائلة بعيدا عن الضرائب، وبلا رادع عن انتهاج سياسات الفساد والإفساد. وبخروجه عن قواعد العولمة والأسواق المفتوحة، أضعف كثيرا الأساس الإقتصادي والسياسي للنظام العالمي، وبخروجه من إتفاقية باريس للمناخ ومحاولة التملص من الإتفاق النووي مع إيران قوّض مصداقية بلاده، وأضعف قيمة الإتفاقات الدولية والقانون الدولي، فتباعد عنه تدريجيا حتى أقرب الحلفاء في أوروبا.

وفي الداخل فإن سوء علاقته مع مجلسي الشيوخ والنواب منعاه من سن تشريعات كان يطمع فيها للضرائب، ومنعاه من إلغاء قانون الرعاية الصحية التي إستحدثها سلفه اللدود “أوباما “، وأحبطا مشاريع قوانين تمنع قدوم رعايا بلاد إسلامية بعينها إلى الولايات المتحدة.

وساد التوتر بينه وبين المؤسسات العسكرية والأمنية، التي أزعجها طيشه وجهله، فألزموه برقابة لصيقة من جنرالات عسكريين يراقبون قراراته الخطيرة على أمن بلاده. فهناك الجنرال “جون كيلى” كبير موظفي البيت الأبيض، والجنرالات “هربرت ماك ماستر” مستشار الأمن القومي والجنرال “جيمس ماتس”، الكلب المسعور ووزير الدفاع، الذي  تعرض لمحاولة اغتيال صاروخية في مطار كابل.

 

أمريكا تفرض الفاشية كنظام عالمي:

وهكذا صارت الولايات المتحدة التي تشيع عن نفسها أنها قلعة الديموقراطية في العالم، مجرد نظام فاشي يحكمه الجنرالات من وراء ستار رئيس مختل عقلياً بدعوى حماية البلاد والعالم من طيشه وجنونه. وفي الواقع فإن الحقيقة الكبرى المختفية وراء حادث 11 سبتمبر الرهيب الذي غير أمريكا والعالم، أنه كان تغطية لانقلاب عسكري استخباري للقبض على زمام الدولة وتحويلها إلى فاشية محلية وعالمية. وذلك ما حدث بأن تحولت دول العالم بدرجة أو أخرى إلى التضييق على الحريات بذريعة الحرب على الإرهاب أو للوقاية منه.

ــ أما مشروع تمكين إسرائيل من خناق (الشرق الأوسط العربي) وإنهاء قضية فلسطين، فقد أوكلها “ترامب” إلى ثلاثة من أشرس الصهاينة الأمريكيين وهم : صهره (جاريد كوشنير)، ومبعوثه الخاص (جيسون جرينبليت) وسفيره في إسرائيل (ديفد فريدمان).

ــ تأجيل الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان عن موعده الضروري، بدأ يعطي تفاعلات سريعة وقاتلة داخل الجيش الأمريكي والمجتمع الأمريكي نفسه. فقد جاء التأجيل بضغط صهيوني، بهدف كسب الوقت، حتى يتم تغيير وجه (الشرق الأوسط) ليصبح إمبراطورية صهيونية. ولكن المشروع اليهودي تعثر، وظل يندفع قدما بتهور وعلى غير أساس ثابت في الأرض، لذا فهو معرض لإنهيار مفاجئ في أي لحظة.

والمشروع الأمريكي نفسه على وشك إنهيار حقيقي في أفغانستان، وستكون واشنطن أول ضحاياه ـ كما كانت موسكو أول من دفع ثمن هزيمة جيشها في أفغانستان.