ما أشبه اليوم بالبارحة

عرفان بلخي

 

إن عريض القفا وصاحب العيون الخضراء رجل كما يصفه عبدالباري عطوان :”طاردته الفضائح والتحرشات الجنسية، في سنوات حياة انشغل فيها بالصفقات التجارية، وتكديس المليارات، ولم يتصور أنه في أي يوم من الأيام سيصبح رئيسا للدولة (الأعظم) في العالم، فهو الوحيد بين 44 رئيسا أمريكيا سبقوه، لم يخدم في الجيش الأمريكي، ولم يتول أي منصب حكومي، وعاش بين أحضان الجميلات في أبراجه العاجية الفخمة، متنقلا بطائرته “البوينغ” العملاقة بين العواصم العالمية بحثا عن المزيد من الثراء والجميلات “.

هذا الرجل من يوم تقلده رئاسة أمريكا جند جل جهوده لمحاربة الإسلام وأهله، فقد طالب في أولى تصريحاته المثيرة للجدل بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وإغلاق الحدود في وجوههم، ووصف المسلمين بالحيوانات. وهو الذي قال في إحدى الندوات: إن المسلمين ابتهلوا وهللوا في الحادي عشر من سبتمبر، فطالب بضرورة استخدام الكاميرات لمراقبة كافة المساجد في الولايات المتحدة.

ونحن نعرف أن عداوته وعداوة جميع الكفار للمسلمين قضية مقررة محسومة، وعقيدة راسخة معلومة، بيّنها الله في القرآن الكريم، وشهد بها التاريخ والواقع الأليم، فمن لم يقنع ببيّنة القران، فليشاهد ما يجري بالعيان في الدول الإسلامية التي تئن تحت وطأة الاستعمار والاحتلال.

 

يا عجبا قد شغف بالرئيس الأمريكي المشار إليه أكثر قادة المسلمين الذين هبت عليهم ريح الذل والطمع والهوان، أولئك الذين افرطوا في حبه وسبحوا بحمده وثنائه، كأنهم تجاهلوا أن اليهود والنصارى لا يرضون عنا حتى نتبع ملتهم، فكيف نرضى عنهم وهم لا يرضون عنا!؟

قبل عدة أشهر عند ما كان ترامب ضيفا على المسلمين، تسلّم هدايا “مجنونة” -كماقيل- من الدولة التي لها في نفوس المسلمين مكانة وعظمة لاحتضانها الحرمين، لكن ترامب وصف تلك الدولة بالبقرة الحلوب، وقال: حينما ينفد حليبها سنذبحها!

ومن تلك الهديا المجنونة التي تلقاها ترامب: تمثال مصغر للحرية في أميركا من الذهب والألماس والياقوت، ومسدس من الذهب الخالص والنادر في العالم، سيف من الذهب الخالص، وزنه يزيد عن 25 كلغ من الذهب المرصّع بالألماس والحجارة النادرة يفوق ثمنه 200 مليون دولار، عقد ثمين، و25 ساعة يد كلها من الألماس والذهب له ولعائلته، ثمنها أكثر من 200 مليون دولار، وأكثر من 150 عباءة مرصّعة بالأحجار الكريمة له ولعائلته بمقاسات مختلفة، وعملا فنيا يضم صورة للرئيس الأمريكي تظهره بالغترة والشماغ، ومجموعة من السيوف متعددة الأشكال، وعدد من الخناجر وحاملات وحافظات الذخيرة الجلدية، وفراء لنمر وفهد، وخنجر مصنوع من الفضة الخالصة المزود بغمد من اللؤلؤ، ويخت طوله 125 متر، هو أطول يخت في العالم لشخصية خاصة، ويضم 80 غرفة مع 20 جناحا ملكيا ومعظم مكوناته من الذهب الخالص.

هذا وكتب بعض الكتاب “المسلمين” – أيام زيارته للمملكة بعد أن اشترك في رقصة شعبية وحين لقائه بعشرات القادة من المسلمين-: “إن ملك السعودية جمع العالم على قلب رجل واحد” ثم استدرك ذلك وأردف قائلا: “ألا وهو قلب خادم الحرمين الشريفين”!!! وقال بعضهم: إن هذه القمة كانت مباركة. وقال بعض نخب المسلمين: إن ترامب يقود العالم والإنسانية إلى مرافئ الأمن والأمان والاستقرار والرخاء والحضارة!

ولكن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن حميدهم يقتل المسلمين في أدنى الأرض وأقصاها، وينفخ في الرماد لإضرام النار بين الشعوب الآمنة ليشفي غليل صدره بإهراق دماء المسلمين وتدمير بيوتهم. كما قال ترامب نفسه في بعض تقاريره حول أفغانستان: “إنهم لم يأتوا لإعمار البلاد”. (نقول: بل جاءوا لتدميرها). وقال مستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين قبل يومين من تسويد هذا المقال: “تماما كما واجهنا من قبل النازية والأمبريالية والشيوعية، فهذه هي فكرة الإسلام والمسلمين ويجب علينا استئصالهم”. إن دم المسلم دم وحشي في قاموس أمريكا، ليس له حرمة البتة. والرئيس السابق نيكسون قال يوما أنه ليس هناك من شعب ـ حتى ولا الصين الشعبية ـ له صورة سلبية في ضمير الأمريكيين، بالقدر الذي للعالم الإسلامي. هذه هي أمريكا راعية حقوق البشر المتباكية على الحرية ورؤسائها الحاقدين.

نحن نرى بأم أعيننا مظالم ترامب وجنوده من نسف وقصف وقتل وإحراق، ولقد احتلت أمريكا بلادنا بحجج واهية من القضاء على الإرهاب وإرساء الديمقراطية واستتباب الأمن والاستقرار.

وهيهات تلك الأماني، فبعد احتلال دام أكثر من 16عاماً هانحن في نفق مظلم، البلاد وأهلها في بركة دم، لاسيما أن بعض العملاء وأذناب الاحتلال يصفقون لكل ما يمليه عليهم سيدهم ترامب، ويشجعونه في الخوض أكثر في مستنقع بلادنا لتكون حياتهم في مأمن تحت مظلته. فقد أصبح الاحتلال مصدرا ضخما لحمايتهم وحماية أموالهم، ووجود القوات الأمريكية في البلاد يصب في مصلحتهم، فهم يعتمدون على استمرار الاحتلال، فلا أحد في الطبقة الحاكمة في بلادنا له مصلحة في إنهاء الحرب والاحتلال، وستفعل حكومة العملاء أي شيء لحماية نفسها وأموالها بدوام الاحتلال والتوسل بترامب، لأنه بمجرد الانسحاب الأمريكي الكامل ستتمكن خيرة الشعب من السيطرة على البلاد وطرد هؤلاء العملاء والاستحواذ على تجاراتهم التي تحميها أمريكا المجرمة ورئيسها ترامب المشار إليه.

إننا نعلم أن ترامب يعادي المسلمين وينهل من ثرواتهم، فعلى سبيل المثال: اشرف غني يلمح له أن يتربع على عرش ثروات بلادنا الطبيعية، وقد نقلت «نيويورك تايمز» في حين زيارة ترامب للرياض: “أنّ لعاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سال إزاء ما نُقل إليه عن ثروات المعادن الهائلة، الدفينة في أرض أفغانستان”. نعم هنالك أكثر من ترليون دولار نحاس وفولاذ ومعادن دفينة. و طرح الرئيس أشرف غني سؤاله على ترامب، أثناء قمّة الرياض وهمس في أذنه: “نحن نرقد على أكثر من ترليون دولار في الثروة المعدنية، فلماذا لا تطمع بها الشركات الأمريكية بدلاً من الصينية؟”.

ولهذا أعلن ترامب استراتيجيته الجديدة باستمرار الحرب والقتال، وإن سيناريو إرسال المزيد من القوى يشهد أن أمريكا تريد إبقاء قواتها في المنطقة لحماية مصالحها ومصالح عملائها. فالمعتدين مغرورون بقوتهم وجبروتم، ونحن على يقين وثقة بربنا أن باستمرار احتلالهم لبلادنا سيحين دور انصهار أمريكا وذوبان جليد كبريائها وتمريغ أنفها في وحل بلادنا، فهي التي قامت بما قام به الغزاة السابقون وأبادت بكل الوسائل المتاحة لديها، كما أباد المحتلون في الماضي، وإنها ما تورعت لحظة عن شن هجمات على المدنيين والأطفال والنساء، ولا عن شن غارات على البيوت السكنية والأماكن المقدسة وهتك الحرمات وتدنيس المقدسات بحجة مكافحة الإرهاب. وقد تمثلت في أمريكا نفسها أعظم أنواع الإرهاب، وبلغ فيهم الاضطهاد والإرهاب مبلغًا لم يشهد مثله أي بلد في عالمنا الحاضر، بل وعلى مر التاريخ المتقدم. لقد خالفوا الأديان والشرائع بل والقوانين الوضعية أيضا.

فلذك لا ينبغي ولن يصف بنو الإسلام هذه الدولة الغازية بقيادة رئيسها الأحمق بأنها حاملة الحرية والعدالة والأمن والسلام والرخاء، فإنَّ لأهل الحرية علامات، ولمنتسبي العدالة منهج، ولأصحاب الأمن والرخاء شهود وليس لأمريكا هذا ولا ذاك. وصدق من قال:

 

وكيف يصحُّ أن تدعى حكيماً *** وأنت لكل ما تهوى ركوب

 

كتب أحد الأخوة (خباب بن مروان الحمد): أن (نيكسون) قال يوماً: “على أعداء الولايات المتحدة الأمريكية أن يدركوا أننا نتحول حمقى إذا ضربت مصالحنا… بحيث يصعب التنبؤ بما قد نقوم به مما لدينا من قوة تدميرية غير تقليدية”. وقد فعلوا ذلك عند اجتياح بلادنا بعد أحداث سبتمبر.

وقال يوما وزير الخارجية كولن باول بعد ضربة سبتمبر: “نحن الآن القوة الأعظم، نحن الآن اللاعب الرئيس على المسرح الدولي، وكل ما يجب علينا أن نفكر به الآن هو مسؤوليتنا عن العالم بأسره، ومصالحنا التي تشمل العالم كلَّه”. بل سبقه بذلك بوش الأب حينما ألقى خطاباً عقب انتصار الحلفاء على العراق في حرب الخليج الثانية في إحدى القواعد العسكرية 13/4/1991م حيث قال: “إنَّ النظام العالمي الجديد لا يعني تنازلاً عن سيادتنا الوطنية، أو تخلياً عن مصالحنا، إنَّه ينُّبؤ عن مسئولية أملتها علينا نجاحاتنا”. ثمَّ صرَّح في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 23/9/1991م بأنَّ أمريكا ستقود العالم”.

وهاهم اثبتوا حماقتهم في حماية حملتهم ضد ما يسمى بالإرهاب، ولا أشبهها إلا بكفار قريش وطغاتهم، حين استنقذوا القافلة التي كانت متوجهة من الشام إلى مكة وفيها من الأحمال والقوت الشيء الكثير، ولمَّا انتدبت سرية من سرايا الإسلام لتستولي على هذه القافلة، ولم يتمكنوا من ذلك، أرادوا بعدئذٍ أن يرجعوا إلى مكة بعد حمايتهم للقافلة، ولكن رؤساء الكفر، ورموز الغرور في الأرض، أرادوا أن يتغطرسوا وينتفشوا أمام كفار العرب ومن حالفهم، فقال أبو جهل لا والله لن نذهب إلى مكة، بل سنبقى في مكاننا هذا مدَّة ثلاثة أيام تغني لنا فيها القيان، وتُذبحُ لنا الجزور، حتى يتسامع العرب بأنَّ قريش قوة لن تغلب، ودولة لن تقهر أو تكسر، فنحن نعلم ماذا فعل بهم غرورهم ذاك؟! فكان “يوم الفرقان”، حيث كان عدد المسلمين فيها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وعدد المشركين تسعمائة وخمسين رجلاً بعتادهم، ولكن كانت مع المسلمين القوة الإلهية، والمعية الربانية التي لا تغلبها أية قوة في الأرض مهما كانت، فكان النصر للمسلمين، ومكَّن الله سيوفهم من رقاب أعدائهم، فخرَّ الأعداء الواحد منهم تلو الآخر صريعاً مُجندلاً.

ما أشبه اليوم بالبارحة، فسيكون مستقبل غرور أمريكا مثل غرور قريش إن شاء الله.