شرطة من اللصوص

رضوان الكابلي

 

إن تدفق ملیارات الدولارات على أفغانستان بعد الاحتلال الأمریكي لها، أثر في الشعب الأفغاني آثاراً سلبیة كثیرة. آثاراً حذر العلماء والدعاة الشعب منها قبل خمس عشرة سنة. ولكن أین الآذان الصاغیة والقلوب الواعیة؟ ناهیك عن التأثیرات الخلقیة التي خلفتها المساعدات الخارجیة والتي كانت توزع عبر المؤسسات، فإن تأثیرها علی تكثیر الرشی وتعوید رجال الأمن والحكم علی سرقة أموال الشعب، كان أكبر. وفي هذه الأیام وبعد تقلیص المؤسسات الخارجیة وتقلیل الدول الأجنبیة مساعداتها المادية، وقعت حوادث مؤلمة جداً جعلت الشعب یغدو ویروح بخوف وقلق بالغین، وجعلته يفقد شعوره بالأمن في الشوارع العامة وفي بیوته.

لقد سمعنا  وشاهدنا خلال الأشهر الماضیة وقوع كوارث عدیدة تكشف مدی تلوث أیدي رجال الشرطة والأمن بالسرقة والتعدي على أموال الشعب المسكین وعرضه أحیاناً. هذه الظاهرة كانت أحد الآثار المشؤومة للدولارت الأجنبیة التي عودت رجال الشرطة علی ملئ جیوبهم منها. ولكن الیوم بعدما قُطِعت عنهم هذه الأموال، بدأوا بسرقة الشعب في رابعة النهار. وقد ثبت للجمیع أن بعض رجال الشرطة موالون لبعض السارقین المحترفین. وقد نفذت في الأشهر الماضیة كثیر من عملیات السرقة، خاصة في الشوارع العامة، ثم ألقي القبض علی بعض رجال الشرطة. وقبل خمس أشهر سمعنا من بعض الجهات الموثوقة، أنه في إحدی المدیریات في غرب أفغانستان اجتمع جمع كثیر من رجال الشر‌طة للسرقة والتعدي على المسافرین. وقد أكبّ هؤلاء علی عملهم الإجرامي مدة سنتین. وأخیراً استطاع الناس إلقاء القبض علیهم وتسلیمهم إلی الجهات القضائیة.

ورأی الكاتب بنفسه رجلاً مسكیناً یشكو من الشرطة أنهم أفرغوا جیوبه وسرقوا ما فیها.

ورجل آخر، هوایته بیع المواشي، یحكي قصته فيقول: (كنت في ساحة بیع الحیوانات، إذ جاء رجل وبین یدیه عدد لا بأس به من الشياه والخراف، یرید بیعها. فاشتری الحاضرون بهائمه، واشتریت أنا ثلاثاً منها. وبعد ساعات جاء إلینا رجل آخر وادعی أن هذه البهائم سُرِقت من عنده، وطلب منا أن نحضر السارق، وإلا فإننا نحن السارقون. فبدأت بالبحث عن السارق یوماً كاملاً، وفي الأخیر وجدته مع رجلین آخرین علی تخوم المدینة، فسلمت اثینن منهم إلی الشرطة، واصطحبت الآخر. فإذا بالشرطة الذین سلمتهما إلیهم من أصدقائهم، فأطلقوا سراحهما، وبدأوا یلتمسون مني أن أترك صاحبهم الذي عندي. فقمت برد طلبهم، وذهبت به إلی مقر الشرطة. فحضرتُ وحضر صاحب المال والمشترین الآخرین.

من وجهة نظر القانون، تنتهي هنا مسؤولیتنا، لأن السارق یعترف بجرمه ویتحمل أعباء جریمته. إلا أن رجال الشرطة سجنونا من أجل المال. وبعد تسلیمنا خمسة آلاف أفغاني إلیهم؛ أطلقوا سراحنا، ففرحنا أن القضیة قد انتهت، جهلاً بما ینتظرنا من المصائب. وبعد مدة أُحضِرنا في المحكمة، وبعد شهرین متتابعین، قضت المحكمة بتأدیة خمسة وعشرین ألف أفغاني، ثم أطلقتنا).

إن هذه الوقائع تخبرنا عن مدی تغلغل الفساد في هیكل حكومة كابل. والیوم صار مثلاً لدی الشعب أنهم یقولون: حذارِ حذارِ من الشرطة والمحكمة، فإنهما بدل حل المشكلة، یعقدانها. إن واقع العیش في أفغانستان مؤلم جداً. إن صورة الحكومة المتشكلة في مخیلة الشعب، هي صورة لمجموعة الحیوانات الضاریة التي جعلت الشعب تحت مخالبها وترید ابتلاعه.

والله إن أرض أفغانستان صارت جحیماً لا یُتحمل، وصارت غابة تحكم فیها قوانین الحیوانات وهي مدینة “إرت” كما في المثل الأفغاني (مدینة إرت هي مدینة یقترف فیها كل من شاء ما یشاء ولا یُسئل). وهذه الصورة المزرية جعلت الشعب ينفر من حكومة كابل.

لقد رفع الشعب صوته منذ سنوات لإيقاف هذه الحالة من الفساد، لكنه لم يُسمع؛ لأن الإعلام موالٍ لحكومة كابل، ولا يرید إلقاء الضوء على هذه المشكلة. وبدأ هذا الاعتراض يتشكل بالهجرة ومغادرة البلد. وباتت أرقام الهجرة مرتفعة جداً، فلا یوجد بلد في العالم  إلا وفیه عدد كبیر من الأفغان.

وأخیراً، نشرت إحدی القنوات تقریراً ساخناً عن مغادرة كثر من أبناء الشعب للبلد، وقد صرح المغادرون أن العلة الأساسیة لهذه المغادرة هي البطالة والرشوة وعدم الثقة بالشر‌طة ویأسهم من مستقبل البلد.

وسنشاهد في مستقبل الزمان كثیراً من السلبیات التي هي من نتائج المساعدات الغربیة فجأة، ومن نتائج حضور المؤسسات التي أرادت إفساد بلدنا.

نسأل الله العفو والعافیة الدائمة.