شهداؤنا الأبطال: نظرة إلى حياة الشهيد السيد عبدالمالك آغا

196240ddd0

196240ddd0

سيد عبدالمالك آغا من أهل السبق والجهاد في ولاية ميدان وردك، حيث كان من مؤسسي العمل الجهادي المسلح في المنطقة، فلقد أنار الطريق لرفاق دربه بتضحياته ودمائه، وقد تحولت هذه المنطقة القريبة من العاصمة كابول ببركة بذله وعطائه إلى ثغر جهادي عظيم حيث عجز الأمريكان بعدتهم وعددهم عن كسر مقاومة مجاهديها الأبطال.

فهيا بنا نقرأ شيئا من سيرة بطل وردك ونطالع حياة الشهيد الجهادية ونستعيد ذكرياته لعل الله ينفعنا بها إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

سيد عبدالمالك آغا:

ولد السيد عبدالمالك آغا بن مير سيد آغا عام 1349 هـ ش في منطقة بهادر خيل بمديرية سيدآباد ولاية وردك، وينتمي الشهيد آغا إلى قبيلة سيدان ولذلك يُدعى بـ السيد.

درس العلوم الإبتدائية في مسقط رأسه. وحين بدأ الإنقلاب الشيوعي في أفغانستان وانتفض الشعب الأفغاني ضد الكيان الشيوعي في كافة أنحاء أفغانستان، وبدأت المقاومة الجهادية ضد أذناب الروس الشيوعين، كان عبدالمالك آغا آنذاك في مقتبل العمر من شبابه حيث تقلد سلاحه وأخذ يقاتل أعداء الإسلام.

وذهب لتلقي التدريب الجهادي في معسكر للشيخ الحقاني حفظه الله في منطقة لواره الواقعة بين ولاية باكتيكا وإقليم وزيرستان.

ويقول أحد رفقاء دربه المولوي فضل ربي: كنت آنذاك في مدرسة أنوار العلوم في وزيرستان، وكان أخونا عبدالمالك يذهب إلى جبهات القتال في ولاية خوست، وقد شارك في الكثير من العمليات الجهادية فيها، كما أنه كان موجوداً عند فتحها التاريخي تحت إمرة الشيخ جلال الدين حقاني حفظه الله.

استمر السيد عبدالمالك آغا يجاهد في سبيل الله ولم يضع سلاحه عن عاتقه إلى أن انهار النظام الشيوعي وسقطت كابول بأيدي المجاهدين، حينها عاد إلى مدرسة أنوار العلوم لينهل من نبعها ويروي عطشه العلمي.

وبعد مدة من الدراسة في أنوار العلوم التحق بمدرسة الشيخ جلال الدين حقاني في مدينة ميران شاه واستمر في تلقي العلوم الشرعية مدة عامين.

 

التحاقه بحركة طالبان الإسلامية:

ولما اندلعت الحروب الداخلية بين التنظيمات الجهادية، وقعد المجاهدون الصادقون في بيوتهم، وخلت الساحة للأوباش المفسدين الذين صاروا يعتدون على أعراض المسلمين وأموالهم، قامت حركة طالبان للقضاء على الفساد وتطهير المنطقة من عصابات الشر والإجرام.

وكان المجاهدون والعلماء يمهّدون الطريق لدخول حركة طالبان إلى المناطق والولايات من غير قتال، فذهب الأخ عبدالمالك مع سبعة من رفاقه إلى منطقتهم لتبيين الحقائق للرأي العام وتمهيد الطريق لدخول حركة طالبان إليها، فالتقى بعلماء المنطقة ومجاهديها ووجهاء القوم وأخبرهم عن حركة طالبان الإسلامية، ولما علم أن الحركة وجدت مكانا في قلوب الشعب، أرسل الأخ فضل ربي والأخ هاشمي إلى كندهار ليلتقوا بقيادات الحركة بمن فيهم أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد والشيخ الشهيد إحسان الله إحسان، وبعد اللقاء كلفتهما قيادة الحركة بالذهاب إلى جبهة الحزب الإسلامي الواقعة بين ولاية غزني ووردك ليخبراهم بأن طالبان لا يريدون سوى إنهاء الإقتتال الداخلي والقضاء على الفساد.

وبينما كان الأخ عبدالمالك آغا وإخوانه مستمرون في عملهم هذا، وصلت قافلة حركة طالبان إلى الولاية المجاورة غزني، ووقعت منطقة سالارو من ولاية وردك بأيدي الطلبة من غير قتال، وتمكن القائد الملا مشر رحمه الله بمساندة من الطلاب المحليين من إقناع مدير مديرية سيد أباد بالكف عن القتال ضد حركة طالبان الإسلامية.

وبعد فتح ولايتي لوكر وميدان شهر، ذهب السيد عبدالمالك آغا وإخوانه إلى جبهة ولاية غزني، ثم إلى باكتيكا ثم إلى تشار آسياب ثم إلى جبهة ميدان شهر.

لقد اكتسب السيد رحمه الله تجارب وخبرات واسعة في فن القتال وذلك لتنقله بين الجبهات، ورباطه على خطوط النار الأمامية لمدة طويلة.

وفي جبهة ميدان شهر تولى السيد عبدالمالك آغا وإخوانه المجاهدون مهمة الرباط على نقطة كوه قرغ الإستراتيجية، وكوه قرغ كانت سلسلة من الجبال الشاهقة، وتعد نقطة خطرة وذا أهمية كبيرة حيث كان مجاهدوا طالبان يرابطون تحت الثلوج في الخيام ويشربون الماء المذاب من الثلج، لقد كانت هذه النقطة سداً منيعاً أمام تقدم مليشيات أحمد شاه مسعود نحو ولاية ميدان شهر، وقد شنت المليشيات هجمات متتالية عليها لكن مجاهدي طالبان ثبتوا وصمدوا وصدّوا حملاتهم بصبر ومصابرة.

 

بعد فتح كابول:

بعد فتح ولاية كابول كان عبدالمالك آغا يقاتل في جبهات الشمال، وفي عام 1997 الميلادي كان جندياً في عسكر الإمارة الإسلامية الذي دخل شمال البلاد عن طريق نفق سالنج.

لقد شارك السيد عبدالمالك آغا في الكثير من الفتوحات إبان الإمارة الإسلامية، منها فتح ولاية باميان في المرة الأولى. ولما اعتدت القوات الصليبية على أفغانستان كان في جبهات الشمال واٌصيب في غارة للقوات الأمريكية فنٌقل إلى ولايته.

 

الجهاد ضد أمريكا:

يقول الأخ الملا محمد فريد والمولوي عبدالصمد وزير (وهما من أخلاء السيد آغا): بعد الإحتلال الأمريكي وسقوط كابول، لما رجع السيد إلى منطقته سيد أباد، كثّف جهوده لحماية المجاهدين، وذلك بصد هجمات المليشيا والمفسدين وعدم السماح لهم بالدخول إلى المنطقة، وكان لجهوده على المستوى المحلي أثراً إيجابياً جلياً على ظروف المجاهدين.

ولم يكتفِ بهذا، بل سعى سعياً حثيثاً لبدء الجهاد المسلح ضد الصليبيين وأذنابهم، فانتقل عدة مرات إلى باكتيا والتقى بالشيخ سيف الرحمن منصور رحمه الله، وكان في ذلك الوقت منهمكاً بالإعداد لمعركة شاهي كوت التاريخية.

كان اسم السيد عبدالمالك آغا على قائمة المطلوبين للأمريكيين في ولاية وردك وكانوا يسعون لإلقاء القبض عليه، فاضطر آغا إلى ترك ولايته والهجرة إلى منطقة أخرى، وعلى الرغم من صعوبة حياة الهجرة إلا أنه لم يترك الجهاد في سبيل الله.

فقد ولّته قيادة الإمارة الإسلامية مسؤولية تنسيق الأعمال الجهادية في ولاية وردك، فذهب خفية إلى منطقته وجمع رفاقه السابقين، وتشاور معهم في كيفية تنسيق وتنظيم الأعمال الجهادية في ولاية وردك.

وبينما كان السيد ينسق صفوف المجاهدين في وردك، تنصّتت القوات الأمريكية على خط هاتفه، وشنوا مداهمة على بيته ليعتقلوه.

ولكن أبى السيد وأخوه الأكبر اسماعيل آغا أن يسلموا أنفسهم للأمريكان فآثروا ماعند الله وقاتلوا أعداءه الصليبيين، وبعد مقارعتهم وجهاً لوجه، ارتقى الأخوان شهيدين في سبيل الله بعد نكاية في أعداء الإسلام المعتدين، نحسبهم كذلك والله حسيبهم.

ونقل الأمريكان جثماني الشهداء إلى قاعدة باجرام وألقوهما بالقرب من القاعدة، وتحت إصرار أهالي المنطقة بتسليم أجساد الشهداء، خضع لهم الأمريكان بعد 42 يوماً من مطالباتهم، وسلّموا الأجساد إليهم ورأى الناس بأم أعينهم كيف أن جسدا الشهيدين لم يتغيرا رغم مرور عشرات الأيام على استشهادهما.

 

ذكريات الشهيد عبدالمالك آغا:

يقول مجاهدوا ولاية وردك أن السيد عبدالمالك آغا كان يُعرف كمؤسس للجهاد في المنطقة، حيث كان من الأوائل الذين بدأوا العمليات الجهادية ضد القوات الغازية الأمريكية.

ويقول الأخ الملا محمد فريد (أمير مجموعة السيد آغا الآن): إن السيد الشهيد كان تقياً متديناً وذا خلق حسن، وكان خلوقاً إلى درجة أني لم أسمع منه طوال المدة التي عايشتها معه لا الشتائم ولا البذاءة ولا الفسوق، ولم يكن يفسق مع أحد أثناء الكلام، حتى أنه لم يكن يذكر الأعداء بالألقاب السيئة، ولم يكن يشتمهم، وكان يداوم على تلاوة كتاب الله بكرة وأصيلاً.

ويقول المولوي عبد الصمد وزير، نقلاً عن نائبه المولوي عبد الباقي رحمه الله: كنا نعيش زمان الإمارة الإسلامية في كندز، وذات ليلة نام الإخوة وكنت يقظاً اٌراقبه، فهبّ من فراشه وجعل ينظر في وجوه الإخوة، ولما علم أن الجميع قد ناموا قام من موضعه وخرج.

وبعد مكث ساعة، حدّثتني نفسي بأن السيد آغا أطال الغيبة؟ فخرجت في طلبه، وبحثت عنه في جميع المواضع لكني لم أجده، فازداد قلقي، وكدت أوقظ الإخوة لنبحث عنه معاً، وفي أثناء ذلك دخلت إلى غرفة غير سكنية كنا نضع فيها الحطب والوقود، فوجدت آغا قائمٌ يصلي، وأشعلت السراج فإذا به يبكي في الصلاة ويتضرع إلى ربه ويتقرب إليه بالعبادة.

ويقول المولوي وزير: كما كان السيد آغا عابداً لربه، كان خادماً لإخوانه أيضاً، مع أنه كان أميراً لمجموعتنا إلا أنه كان يتولى خدمة المجاهدين بنفسه كطبخ الطعام وغسل الأواني، ولم يكن يستطيع أحد أن يسابقه في خدمة المجاهدين.

ويضيف المولوي وزير: أثناء تواجدنا على خطوط النار كنا نقسم الوقت على الإخوة للحراسة، فكان الإخوة الآخرون يحرسون ساعة واحدة، والسيد آغا كان يحرس كل ليلة ثلاث ساعات بطيب نفس.

وفي الختام نقول لأعداء الله الأمريكان: لقد خبتم وخسرتم! أتزعمون أنكم بقتلكم للمجاهدين وأمرائهم ستطفئون نور الله، وأنكم ستقضون على الجهاد في سبيل الله!.

فلا والله لن تطفئوا نور الله، فالله متم نوره ولو كرهتم أيها الكافرون، وإن المجاهدين في ازدياد، فلا تظنوا أن المجاهدين سينتهون بقصفكم.

لا والله، لقد ربى كل مجاهد في سبيل الله عشرات من المؤمنين الصادقين عاهدوا الله على أخذ ثأر الشهداء ومواصلة دربهم.