كيف نربي الأطفال؟

إعداد: حافظ منصور

 

إن مرحلة الطفولة من أهم مراحل الحياة عند الإنسان، وأكثرها خطورة، فهي تتميز عن غيرها بصفات وخصائص واستعدادات، وهي أساس لمراحل الحياة التالية، وفيها جذور لمنابت التفتح الإنساني ففيها تتفتق مواهب الإنسان، وتبرز مؤهلاته وتنمو مداركه وتظهر مشاعره وتتبين إحساساته وتقوى استعداداته وتتجاوب قابلياته مع الحياة سلبا أو إيجابيا، وتتخذ ميوله واتجاهاته نحو الخير أو الشر، وفيها تأخذ شخصيته بالبناء والتكوين لتصبح – فيما بعد – متميزة عن غيرها من الشخصيات الأخرى. [أدب الأطفال أهدافه وسماته، محمد حسن بريغش، ص 12، ط: 2، مؤسسة الرسالة بيروت 1996].

والطفولة أرض صالحة للاستنبات، فكل ما يغرس فيها من مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، وكل ما يبذر فيها من بذور الشرّ والفساد، أو الغيّ والضلال يؤتي أكله في مستقبل حياة الطفل، ولذلك فهو يكتسب من بيئته العادات السارة والضارة، ويأخذ السبل المستقيمة أو المنحرفة، وهذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أبويه يهوَدانه أو ينصَرانه أو يمجسانه. [الطفل المثالي في الإسلام، أحمد الخطيب، ص 7، ط: 1، المكتب الإسلامي، بيروت 1980].

وإذا كانت الطفولة أمل المستقبل وإشراقة الغد المأمول للأمة، فإن إعداد هذه البراعم الصغيرة للغد المأمول يجب ألا يتم عشوائياً.

والقرآن الكريم أهم مصدر أصيل لأدب وثقافة الطفل، يمثل جذراً لا غنى عنه لكل مراحل الطفولة، ولمعظم كتاب الطفل، غنيّ بموضوعه وجماليات عرضه، والقيم والمبادئ المجسدة فيه، من شجاعة وصبر وحكمة وتسامح ودفاع عن الحق واحترام للمبدأ، قيم العدل والخير، والتراحم والعطف والحب بين الصغار والكبار، وحفظ الدماء والأرواح والنفوس، والسلام والجمال كلها – وكثير وغيرها – قيم ومبادئ أخلاقية تربوية، يزخر بها القرآن الكريم، ولابد أن يتشربها في سني عمره المبكرة، حتى ينشأ عليها، يستطيع كاتب قصة الطفل استلهامها من مادتها الأصلية وإعادة عرضها، بما يملك من وسائل وأدوات العرض الغني الجيد، ليشبع بها حاجات أجيال قادمة من الأطفال، وإلى الأبد.

وفي الحديث عن ابن مسعود: (إن هذا القرآن مأدَبة الله في الأرض فتعلموا من مأدبته). قال أبو عبيدة: “وتأويل الحديث أنه شبه القرآن بصنيع صنعه الله للناس، لهم فيه خير ومنافع ثم دعاهم إليه”.

فقصص القرآن الكريم – على سبيل المثال – كثيرة متنوعة مشوقة ثرية الموضوعات متنوعة أساليب العرض وطرائقه، فمنها قصص حول الأنبياء والرسل، وقصص تتعلق ببعض الصحابة والصحابيات والنساء، وأخرى حول بعض الحيوانات والطيور، وللطفل حول عدد من المواد القصصية في القرآن، وقصص أخرى حول أحداث الزمن القديم، وأحداث إسلامية وغزوات، وأخرى حول رجال وأقوام باد عهدهم بسبب من أفعالهم فضلا عن صور العاصين في جهنم، وصور المؤمنين في الجنة، وصور الإحسان والتسامح والعدل، وجزاء المؤمنين العاملين بها في طاعة الله، وصور العصاة والسارقين والرافضين لأوامر الله وجزائهم بما يدعم قيمة الجزاء العادل والتمسك المعتدل القويم بأسس عبادة الله.

وكلها – وغيرها كثير – مواد أصلية يمكن أن تجسد في عروض قصصية ذات مستويات فنية مناسبة ناضجة مع حسن التوظيف للمضامين والأفكار، فتغذى عقل ووجدان ونفسية الطفل، وتشبع اهتماماته، وتثبت في وجدان العميق قيما تبقى معه طوال حياته.