لماذا طالت الحرب…؟!

تمر العصور ويتكرر مشهد  من المشاهد التي اختصت بها أفغانستان عن سائر البلدان. احتل الاتحاد السوفييتي بكل ما يملك من الآلات والإمكانیات الجویة والبریة آنذاك أرض أفغانستان أكثر من تسعة أعوام، وقصف وارتكب الجرائم بحق شعب أفغانستان الذي لم یركع لغیر الله سبحانه وتعالی. ورغم الخسائر التي أتت علی البنیة الأساسیة في أفغانستان بظلم وجور السوفييت إلا أنهم في نهاية المطاف لجأوا للفرار أو ما أسموه بالانسحاب عام 1989 م.

والفرق بین الفرار السوفيتي وبین الفرار الأمیركي هو أن السوفييت طالبوا الشعب الأفغاني أن يدعهم ويسمح لهم بالخروج من مستنقع أفغانستان بالشرف الأدنی ودون أن يلحق بهم خزي أشد مما لحق بهم، لكن الأمريكان احتلوا أفغانستان لمدة أطول من احتلال السوفیيت، بغیة إخضاع الأفغان، لكنهم لجأوا إلی الانسحاب والفرار والهروب من أفغانستان دون أدنى شرف، بل بخزي أكبر وضرر أكثر مما وقع للسوفييت.

إن الحرب علی أفغانستان تعد السبب الرئيسي في الخسائر الكبیرة التي لحقت باقتصاد الولایات المتحدة، وستستمر الخسائر مادام هنالك جندي محتل واحد في أفغانستان، وقد اتفق الأمريكان بعد إلحاح من العملاء بإبقاء جزء من جنودهم ومغادرة الآخرین إلى بلادهم. لقد أرغمت نفقات الحرب في أفغانستان الولایات المتحدة على إنفاق أكثر من تریلیون دولار علی أفغانستان ولكن دون تحقيق أي نجاح ملموس.

تضرر الشعب الأفغاني من الحرب العقیمة في البلاد بسبب استمرار الاحتلال وبسبب استمرار الفكرة الاستعماریة التي تحررت منها أكثر بلدان العالم اليوم باستثناء أفغانستان. ولا ننسی الحرمان الشدید والفقر المدقع  الذي رافق ظروف الحرب وتفاقم بسببها. فالبرغم من كل الحرمان والشدائد المریرة التي تصب علی الشعب الأفغاني، استخدم  الأمريكان خلال الحرب أسالیب مختلفة ضد الشعب الأفغاني لكسب المعركة، منها:

1 – استمرار قصف المناطق السكنية في كافة أنحاء أفغانستان، مستغلّين إمكانیاتهم العسكریة الفائقة. وصناعة عملاء يقاتلون في أرجاء أفغانستان نیابة عن الولایات المتحدة.

وقد ارتكب الجنود العملاء -الذين استلموا الآن المهام الأمنیة في أفغانستان بمساعدة الأمريكیین- عمليات اعتقال الأبریاء، ونهب الثروات، وقتل الآلاف نیابة عن الحلف الأطلسي، والآن يتركهم الأمريكان وحیدين ويفرّون هاربين خاسئين.

حاول الأمريكان عدة محاولات للضغط على المجاهدين من خلال إدراجهم في قائمة الإرهاب، ومطاردتهم، حتی يتسنى للولایات المتحدة إحكام السيطرة على أفغانستان، لكن ذلك لم يحدث حتی الساعة، والمساحة الشاسعة من أفغانستان تخضع لسيطرة المجاهدین.

2 – لم يخض الأمريكان الحرب علی أفغانستان وحدهم كما خاضها السوفييت، بل شنّوا حرباً عالمیة علی منطقة محدودة من العالم (أفغانستان)، وتلك الحرب التي شنتها الولایات المتحدة تشبه الحرب العالمیة الثانیة ولكن بفارق وحيد وهو أن الحرب علی أفغانستان كانت بهجوم عالمي علی بلدٍ واحد وعلی شعب واحد. وحسبت الولایات المتحدة أن النجاح في الحرب على أفغانستان سيكون سهلاً ومتحققاً، ولم يكن في حسبانها أن النجاح إنما یكون بالإیمان وحب الوطن والتضحیة والمثابرة، لا بالعدة والعتاد.

وعندما أشارت الدراسات والتحليلات إلى تزاید الخسائر في صفوف الجیش الأمیركي، عزم الأمريكان على عقد اتفاقیة أمنیة مخزية مع عملائهم تسمح لهم باستمرار احتلال أفغانستان والتحكم بشؤونها. وكانت هذه الاتفاقیة بمثابة غطاء يحجب عن أعين المتابعين حجم الخسائر المهولة التي يعانيها الكیان المحتل جرّاء المقاومة البطولية من قبل المجاهدين. وبالرغم من أن العملاء قبلوا بالاتفاقیة، نری أن الولایات المتحدة لا تلتزم بما نصّت علیه الاتفاقیة. فقبل أیام ظهر أشرف غني ينتقد علی أوباما عدم التزام الولایات المتحدة ببنود الاتفاقیة، وتنصّلها من مسؤولیة تحقيق الأمن في البلاد والتي كانت تعهّدت بها قبل ذلك، وتجاهل أشرف غني أن الولایات المتحدة لم تستطع – على مدى 13 عاماً – تحقيق ما یسمونه بالأمن، فكیف یمكن لها الآن إرساء الأمن (الفوضی) بعد أن اتسعت سیطرة المجاهدین على معظم مناطق أفغانستان، ولم يعد العدو يجد له من ملاذ آمن يحميه من رصاص الشعب الأفغاني.

لقد استمرت الحرب حتی الآن نحو 13 عاماً، فلماذا طالت الحرب؟

إن السبب الرئيس في امتداد أمد الحرب هم العملاء والخونة الذین رحبوا بالولایات المتحدة، وأسكنوها في مساكنهم، وأیدوها، وقاتلوا لأجل تحقيق أهدافها في أفغانستان، مع أن العملاء أنفسهم حتی الآن یكتبون في صحفهم ومجلاتهم وإعلامهم أنهم لا یعلمون الأهداف الرئیسیة للولایات المتحدة في أفغانستان.

إن العملاء سبب تشتت الشعب الأفغاني إلی حدٍ ما، وسبب جرأة الولایات المتحدة في البقاء في أفغانستان، حیث أن الموعد المقرر لانسحاب الولایات المتحدة من أفغانستان كان في 2014م، لكن تحریض العملاء ومساندتهم أبقى الولایات المتحدة إلی 2015، ولاستمر احتلالها للبلاد لولا صمود المجاهدین وعملیاتهم المباركة.