من أخلاق المجاهد – الدعاء وأثره في تغییر مجری الحياة

 

من الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المجاهد في حياته هي اللجوء إلى الله تعالى والاستكانة إليه في جميع أحواله؛ في بأسائه ونعمائه، في كل ما يحدث له من خير وشر، فإذا كانت نعمة يحمده وشكره ويدعوه شاكراً، وإذا كانت مصيبة يستكين إلى الله ليعينه ويزيل عنه الغم، ويدفع عنه الكرب ويدعوه صابراً.

وعلى أنّ حياة المجاهد مليئة بالأخطار، وعيون الأعداء تحدق به من كل جانب، عليه أن يلتزم بالدعاء في جميع أحيانه، ليثبت الله أقدامه ويصونه من شر الأعداء، ويهتم بالأدعية المأثورة التي وردت عن مشكاة النبوة عسى الله أن يجنبه مزالق الحياة ويحفظه من جميع الشرور الدنيوية والأخروية.

فضل الدعاء

وقد أثنى الله تعالى على الذين يتضرعون إليه ويطلبون منه في غير موضع من كتابه ودعا عباده أن يدعوه مخلصين له ويتضرعوا إليه فقال: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (سورة الأعراف الآيتان: 55-56).

وقال: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ (سورة غافر آية: 65).

کما وعد الله بالاستجابة لمن دعاه وحذر الذین یعرضون عن ذکره والطلب منه فقال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ (سورة غافر آية: 60). وقال : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (سورة: البقرة، الآية: 186).

کما مدح المؤمنين الذين يدعونه ويتضرعون إليه فقال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ (سورة الإسراء آية: 57).

وقال: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ (سورة الأنبياء آية: 90). إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على الدعاء والطلب منه.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتزم بالدعاء ويحث عليه، وكتب الحديث طافحة بحث النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء، نذكر جملة من هذه الأحاديث:

ـ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنَّ رسول الله قال: الدعاء هو العبادة، ثمَّ قرأ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ.

ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: أفضل العبادة الدعاء.

ـ عن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ.

ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالي حيى كريم يستحي إذا رفع الرجل إلية يديه أن يردهما صفرا خائبتين.

نماذج من دعاء الرسل والأنبياء

لقد كان أنبياء الله ورسله يدعون الله تعالى في جميع أحوالهم، وقد حكى الله تعالى قصصهم والتجاءهم إليه عند النعماء والبأساء، وأثنى عليهم، وإذا أجلت النظر في القرآن ترى نماذج حية من دعاء الأنبياء، ناهيك دعاء سيدنا إبراهيم، ويونس، وأيوب وموسى وسليمان وغيرهم من الأنبياء، فترى سيدنا سليمان ويوسف يدعوان الله تعالى شاكرين على ما أنعم عليهما من الملك، وأمطر عليهما من النعم، فيقول سيدنا يوسف: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.

ويقول سيدنا سليمان: وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.

وهكذا ترى سيدنا أيوب ويونس عليهما السلام يدعوان الله تعالى ويتضرعان إليه بما ألمّ بهما من النوازل، فهذا سيدنا أيوب يدعو: رَب أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين. وهذا سيدنا إدريس يقول: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين.

فإذا نزل بساحة المجاهد نازلة، أو ألمت به مصيبة ينبغي أن يلجأ إلى دعاء سيدنا أيوب ويونس عليهما السلام، وإذا منحه الله تعالى نعمة أو غنيمة أو ملكا أو نصره على الكفار فليدع بدعاء سيدنا سليمان ويوسف ليكون شاكراً وصابراً في جميع أحيانه.

بعض آداب الدعاء

وللدعاء آداب وشروط ينبغي مراعاتها حتى يكون الدعاء أكثر قبولا عند الله، وقد رويت هذه الآداب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أهم هذه الآداب:

ـ أن يبدأ أولا بتحميد الله تعالى والثناء عليه ثم الصلوة على النبي صلى الله عليه وسلم، جاء في الحديث:إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله تعالی والثناء عليه ثم ليصل على النبي  صلى الله عليه وسلم  ثم ليدعو بما شاء.

ـ الإيقان بالإجابة، في الحديث:أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

ـ توجه القلب إلى الله تعالى حيث في الحديث:  واعلموا أن الله  لا يستجيب من قلب غافل لاه.

ـ أن يأكل الطيب من الطعام، فإن الله لا يستجيب دعاء الذي غذي بالحرام، وفي الحديث: إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ) المؤمنون وقال ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) البقرة. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له.

ـ عدم الاستعجال في الإجابة، وفي الحديث: ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجاب له ، فإما أن يعجل له في الدنيا ، وإما أن يؤخر له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، أو يستعجل يقول : دعوت ربي فما استجاب لي.

ـ الدعاء عند الرخاء، في الحديث: من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء.

ـ ومن آداب الدعاء أيضا: والْإِخْلَاص لله وَتَقْدِيم عمل صَالح وَالْوُضُوء واستقبال الْقبْلَة وَالصَّلَاة والجثو على الركب وَالثنَاء على الله تَعَالَى وَالصَّلَاة على نبيه أَولا وآخرا وَبسط يَدَيْهِ ورفعهما حَذْو مَنْكِبَيْه وكشفهما مَعَ التأدب والخشوع والمسكنة والخضوع وَأَن يسْأَل الله بأسمائه الْعِظَام الْحسنى والأدعية المأثورة ويتوسل إِلَى الله بأنبيائه وَالصَّالِحِينَ. انظر: الحصن الحصین للجزري.

الأوقات المستجابة للدعاء

ليس للدعاء مكان خاص أو وقت خاص بل إن الله تعالى يقبل الدعاء من العبد أين كان ومن كان وفي أي وقت دعاه، إلا أن هناك أوقاتا خاصة يعجل الله تعالى فيها بإجابة دعاء العبد، وقد وردت تلك الأوقات من لسان النبوة صلى الله عليه وسلم، نذكر بعض هذه الأوقات ليغتنمها المجاهد ويدعو الله تعالى فيها:

ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف في سبيل الله وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة وعند روية الكعبة.

ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدعاء بين الأذان والإقامة.

ـ قال النبي صلی الله عليه وسلم عن يوم الجمعة: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه.

ـ قال الشافعي: ” وبلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال , في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان “.

ومن أوقات الاستجابة أيضا:  وقت السحر وَعند النداء بِالصَّلَاةِ وَبَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَبَين الحيعلتين للمجيب المكروب، وَعند الْإِقَامَة وَعند الصَّفّ فِي سَبِيل الله وَعند التحام الْحَرْب ودبر الصَّلَوَات المكتوبات وَفِي السُّجُود وَعند تِلَاوَة الْقُرْآن لَا سِيمَا الْخَتْم وَعند قَول الإِمَام وَلَا الضَّالّين وَعند شرب مَاء زَمْزَم وصياح الديكة واجتماع الْمُسلمين وَفِي مجَالِس الذّكر وَعند تغميض الْمَيِّت وَعند نزُول الْغَيْث. انظر: الحصن الحصين للجزري.

بعض الأدعية المأثورة التي ينبغي للمجاهد الالتزام بها

وعلى أن للدعاء أثرا كبيرا للحفظ من الشرور والآفات لذلك ينبغي للمجاهد أن يواظب على الأدعية المأثورة في جميع أحيانه، ونسرد هنا بعض الأدعية المأثورة التي تهم المجاهد خاصة.

1ـ عن إبراهيم بن محمد بن سعد عن أبيه عن جده قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم أو أحدثكم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من الدنيا دعا به فرج عنه فقيل له: بلى! قال: دعاء ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

2ـ عن أبي بردة بن عبد الله بن قيس، أن أباه رضي الله عنه حدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما، قال: «اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم».

3ـ عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب “.

4ـ عن أبي هريرة قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلت كذا كان وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان.

5ـ کان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استصعب عليه أمر يقول: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.

6ـ وعن أبي ملجز قال: من خاف من أمير ظلما، فقال: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن حكما وإماما نجاه الله منه.