من فــقــه الجــهــاد: هل يستطيع أن يجاهد من ليس في جبهات القتال؟ وكيف؟!

الجهاد ومسئوليتنا اليوم:

إنه تمرّ الأزمات بالمسلمين -اليوم- متتابعة متتالية، وبمناسبة هذه الظروف يَرِد السؤال ويتكرر ويخطر ببال كل مسلمٍ: ماذا نستطيع فعله في الأزمات؟ وماذا يجب علينا في مثل هذه الظروف ؟. والبعض يُلقي بالعبء الأكبر على غيره، ويقول: ما بيدنا شيء، أو يقول: ليس لنا من الأمر شيء، أو يقول: هذا من واجب فلان أو فلان. والأمر ليس كذالك، بل وما علِم المسلمون أن بيد كل منهم خيراً كثيراً.

إذاً ماذا بأيدينا؟ وماذا بوسعنا أن نُقدّم؟ وكيف؟ ومتى؟

فأقول: أخي المسلم! لينظر كلّ منا وليتأمل.. ثم لينظر وليتأمل، ثمّ وثمّ… كيف لمسلمٍ يرى ما يحدث لإخوانه في أفغانستان وفلسطين والعراق – وغيرها من أقطار العالم الإسلامي – من قتلٍ وتدميرٍ وتهجيرٍ، ولا يتفطر قلبه ألماً، ولا تدمع عينه حزناً، ولا يثور ولا يغضب، ولا يتحرك لنصرتهم أو الانتقام لهم؟! والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ }الشورى39. وكيف لمسلمٍ أن ينام ليلة وإخوانه لا ينامون ليلاً ولا نهاراً والموت يحيط بهم من كلّ مكان ؟!، وكيف لمسلم أن يرغد في عيشه وإخوانه لا يجدون ماءً ولا طعاماً ؟!، وكيف لمسلمٍ أن يفرح لمرأى أطفاله يلعبون ويركضون، وأطفال إخوانه يروعون ويبكون ويختبئون ويموتون؟! والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

 

يا لأعراض المسلمات !

كيفَ القرارُ وكيفَ يهدأُ مسلمٌ

و المسلِماتُ مع العدوِّ المعُتدي           

الضّارِبات خُدُودَهُنَّ بِرَنَّةٍ

الدَّاعِياتُ نبِيَّهُنَّ مُحمّد                      

القائلاتُ إذا خَشِينَ فَضِيحَةً

جَهْدَ المقالَةِ ليتَنا لم نُولَدِ          

مَا تَستَطِيعُ وما لَها مِن حيلَةٍ

إلاّ التَستُّرُ مِن أخِيها باليَدِ                  

 

أخي المسلم! أين الغيرة؟!، أين المروة والرجولة وأين الرجال؟! تخيّل أمّك، أو أختك يُفعل بها مثل ما يُفعل بالمسلمات! أليست الأفغانية والعراقية المسلمة أخت لك في الله؟

وفي ظل هذا الواقع الذي يمر بالمسلمين؛ يكون لزاماً علينا -المسلمين- أن لا نقف مكتوفي الأيدي، قابعين في البيوت وإخواننا في الثغور يجودون بأنفسهم في سبيل الله، ولابد أن يؤكِّد كلُنا أن المسؤولية عن الإسلام هي مسؤولية كلِّ مَنْ شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، على تفاوتٍ في الدرجات بتفاوت الاستعدادات والقدرات، والمواقع والظروف، وأن العمل الإسلامي هو جهاد أمة، وليس جهاد حزب أو جماعة أو تنظيم أو حركة. ومن هنا؛ فإن إخراج الأمة المسلمة -كلُّ على قدره- هو العلاج الحاسم، والوقاية الحقيقية لكل المسلمين من أيدي الأنظمة الطاغية.

و من المسؤولية إعداد النفوس إعداداً متكاملاً في باب الجهاد في سبيل الله – عزَّ وجلَّ – مع فقه الحديث القائل: قال عليه الصلوة والسلام: [مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ] (رواه مسلم)، فلا يكفي أن يحدِّث الإنسان نفسه أنه سيغزو، مكتفياً بذلك، وهو متكئٌ على أريكته، قد أُشرب قلبه حب دنياه، فتحديث النفس هذا ليس هو الحديث المنجي، إنما الحديث المنجي هو أمور عمليّة وخطوات من الإعداد العلمي، والفقه في الدين، والبصيرة فيه، حتى يفقه لماذا يجاهد؟ وكيف يجاهد؟ ومَنْ يجاهد؟ وعلى أيِّ عقيدة يجاهد؟. والإعداد التربوي والسلوكي، من إخلاص النية لله، والتقرُّب له بالطاعات، والتخلُّق بأخلاق الإسلام. والإعداد البدني، وذلك بالرعاية الصحية، والرياضة البدنية، وركوب الخيل، والسباحة، والرّماية، ونحو ذلك مما من شأنه أن يكون فيه إرهابٌ للعدوّ. والتربية على الإنفاق في سبيل الله، وتخليص النفس من الشُّحِّ وحب الدنيا.

وأنه ليست مجاهدة الكفار مُقتصرة على السلاح، بل هي باليد وباللسان، وبالمال وبالقلب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: [جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ] (رواه أبو داود).وقال عليه الصلاة والسلام: [ مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ] (رواه مسلم). والجهاد في سبيل اللّه عُرّف في الشرع بما يرادف الحرب لإعلاء كلمة اللَّه، ووسيلته حمل السلاح وما يساعد عليه ويتصل به من إعداد وتمويل وتخطيط، وعلى هذا يشترك فيه عدد كبير من الناس، من زرّاع وصنّاع وتجّار وأطباء ومهندسين وعمّال ورجال أمن ودعاة وكُتَّاب، وكل من يسهم في المعركة من قريب أو بعيد، وكل جهاد يؤجر عليه الإنسان، لأن كل ذلك جهاد، لكن الجهاد الأعظم هو الجهاد الذي هو موطن الشهادة الذي يقتل فيه الإنسان وهو يجاهد في سبيل الله، وهو قتال العدو، وهذا هو الجهاد الذي ورد الأجر العظيم فيه من الله سبحانه وتعالى.

ولا يشك عاقل بأن الجهاد في سبيل الله هو أعلى مراتب الإسلام “وذروة سنامه”، ولكن كيف يجاهد كل مسلم في ظل واقعنا اليوم؟، ولهذا قام العبد بجمع بعض الخطوات العملية “الجهادية” (جمعاً، لا حصراً) حتى لا يُحرم من ليس في جبهات القتال من الأجر:

 

الجهاد من ناحية إصلاح الفرد والمجتمع -عقيدةً وعملاً- :

 قد نفذ أعداء الأمة خطة مدروسة ومفصّلة لسلب هذه الأمة هويتها الإسلامية، ولتشويه كثيرِ من العقائد والثوابت في عقول المسلمين والتي هي قوة المسلمين الضاربة في وجه الأعداء، فعلى كل مسلم إفشال هذا المخطط الرهيب الذي يحارب كيان أمّتنا وسر وجودها، بالقيام بإصلاح الفرد والمجتمع -عقيدةً وعملاً- وذالك بتعلم معنى التوحيد -الذي يشمل “توحيد الألوهية” والذي عليه مدار دعوة الأنبياء-، وتعلم معنى الإيمان، وتعلّم أركان الإسلام، وتعلم أسماء الله وصفاته، وتعلّم نواقض الإيمان حتى لا يقع الرّجل فيها، والقيام بإصلاح الفرد، والمجتمع.

وهذا -أي الجهاد من ناحية العقيدة- من شأنه أن يصرف المؤمن إلى الله سبحانه وتعالى دون سواه، ويقوي يقينه بالتسليم بالغيبيات التي ذكرها الله، و يزيل عن قلب المسلم الخوف من البشر، ويزوده بسلاح التوكل على الله، وأن يجنب المسلم السلبية في العمل من أجل هذا الدين. ويجعل حياته منظمة وفق دستور إلهي، ويزرع في قلبه الرضى والصبر … وهكذا. ثم إن الإصلاح مما يدفع العقوبات، قال عليه الصلاة والسلام وقد سُئل: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ: [نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ] رواه البخاري ومسلم. والخبث إذا كثُر، والمنكر إذا ظهر، والمعاصي إذا فشت، والفجور إذا انتشر، كان ذلك سببًا في الهلاك، وهو أعظم من الحرب، قال عليه الصلاة والسلام: [إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَة فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَاب اللَّه] رواه الحاكم، وصححه. وقال: [إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد . فالصلاح في النفس، والإصلاح في الغير مما يدفع الله عز وجل به العقوبة.

فعلى المسلم تحقيق التوكل وعدم الإرجاف، وإخافة الناس بالوهم، فإن الإرجاف والتخويف سمة من سمات المنافقين، فليحذر أن يكون ممن قال الله فيهم:{ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا[60]مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا[61]}[سورة الأحزاب].

وربّ إرجاف وتخويف أورث الضعف والهوان، وإنما كان قول المؤمنين على مر الزمان:{…كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [249]}[سورة البقرة].

 

الجهاد من ناحية تربية الأولاد:

قد ركز الأعداء على التعليم الابتدائي لأبناء المسلمين ووصموا كل ما يمت إلى الإسلام الصحيح بصلة بالتعليم “المتطرف”، فتجاوبت معهم كثير من الحكومات التي غيّرت ما بقي من المناهج الإسلامية لتتوافق ومخططات الأعداء، والأعداء يريدون -بذالك- اقتلاع الحس الجهادي وجانب القوة العقدي المتمثل في التربية الإيمانية للناشئة، ومن هنا تأتي أهمية جهاد التربية.

فعلى كل مسلم تربية أبنائه تربيةً إيمانيةً بعيدةً عن المؤثرات المخالفة لمنهج القرآن والسنة، وإن كان لا يستطيع ذلك، فليسلمهم إلى العلماء العاملين يؤدبونهم.

وليعلّم أبناءه الفرق بين المسلم وغير المسلم، وأن من لم يكن مسلماً فإنه كافر يخلّد في النار أبداً، وأن الله لا يقبل غير الإسلام ديناً، فينشأ ابنه وله شخصيته الإسلامية المستقلة البعيدة عن الانهزامية النفسية.

وليعلّم ابنه أنه ليس كغيره من البشر، وأنه صاحب رسالة في هذه الدنيا، وأنه يجب عليه إبلاغ دين ربه للعالم، وأن عليه حِمل تغيير واقع هذه الأمة، فيشبّ ابنه عالي الهمة، جاد مجتهد، ولا يقل أحد: وما عسى أن يفعل ابني الصغير، فكل الرجال العظام كانوا أطفالاً صغاراً، وكثير منهم لم يكن آبائهم أصحاب نفوذ أو سلطان، ومع ذلك غيّروا وجه التاريخ.

وليشجّع أبنائه على البذل للجهاد والمجاهدين، فيشبّوا على حب البذل والجهاد والمشاركة الإيجابية الفعالة في قضايا أمتهم.

وإياه، ثم إياه، ثم إياه أن يسلّم ابنه للتلفاز، أوللشبكات، يربيه اليهود والنصارى والمنافقون، فيشب: شبه رجل، ونصف مسلمٍ. كلٌّ مسؤول أمام الله عن تربية ابنه (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته). إن جهاد التربية من أعظم أنواع الجهاد في عصرنا، فإياه أن يؤتى الإسلام من قِبَله.

وعلى المسلم بقصص الأنبياء والصحابة، وليشغل بها أبناءه فيشبّوا على بطولات سيف الله خالد بن الوليد، وعلى إقدام الزبير بن العوام، وعلى رقة أبي بكر وشدة عمر، وعلى قوة علي وحياء عثمان، وعلى فقه ابن مسعود وأمانة حذيفة بن اليمان.

ولا ينسى المسلم العلم الدنيوي، بعد تعليم أبنائه العلم الشرعي، فالعلم الدنيوي تبعٌ للشرعي، وقد يكون تعلمه واجباً على أفراد الأمة. يعني المهندس المبتكر، والطبيب الحاذق، والتاجر الناجح. وليكن الأصل في التعليم هو الشرعي فيكون كالقاعدة يُبنى عليه التعليم الفني وليس العكس، لأنه إذا تعلم الدنيوي أولاً أصبح هذا أساساً يقيس عليه الشرعي وهذا لا يستقيم.

ولا يجعل من ابنه نعجة تملأ جوفها طعاماً فيسمن ويترهل، ويخمل ويكسل، ولكن ليعلّمه الشدة والقسوة وشغف العيش. يمنعه من الطعام في بعض الأوقات، ويأخذه إلى الصحراء تلفعه الشمس، وليجعله يصعد الجبال ليتقوى ويخشوشن، وليلقِ به في البحار والأنهار ليقارع الأمواج. لا نريد ذكوراً يخافون ظلَّهم، بل نريد رجالاً يخاف الأعداء من ظلّهِم.

 

الجهاد من ناحية الدعوة:

لقد جيشت دول الكفر أساطيلها تحارب دعاة الإسلام في كل مكان، وهذا من شأنه أن يضعف جانب الأمة الروحي الذي هو سلاحنا الأقوى في مواجهة أعدائنا.

فعلى أخوتي المسلمين التصدي لهذا الغزو بتكريس جزء كبير من حياتهم للدعوة إلى الله “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ..” (يوسف : 108)، ولا يستقيم هذا الدين ولا تثبت العقائد إلا بنشر العلم والدعوة إلى الله. وذالك بتعلُّم عقيدة الولاء والبراء، والحب في الله والبغض في الله. ليعلم المسلم كيف يفرق بين معاملة الكافر بالبر والقسط، وبين مقاتلته إن هو قاتل المسلمين، أو ظاهر على قتالهم أو وقف في وجه دعوتهم. مع بغض الكافر في جميع الأحوال.

فمن وقف مواقف الدعوة إلى الله، ولو بكلمة، أو جهد، أو كتاب، أو شريط، أو محاجة، أو بيان حق؛ فقد وطئ موطئاً يغيظ الكفار، كما أغاظوا المسلمين يوم تسلّطوا على ديارهم ورقابهم، نغيظهم نحن بالدعوة إلى دين الله عز وجل، بل نغظيهم بصلاح أنفسنا، والرجوع إلى الله. أما قرأنا قول الله عز وجل في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم:{ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ…[29]}[سورة الفتح].؟

ليس للداعية حدود تحده في الدعوة: فكل مسلم في بيته داعية، وفي عمله داعية، وفي مدرسته داعية، وفي الشارع داعية، وبين أصحابه داعية، فأينما حلّ أو نزل فهو يدعو إلى الله بالابتسامة، بالكلمة، بالهدية، بمساعدة الآخرين، بزيارة المريض، بالسلام، بكل جوارحه وعواطفه، وروي: “لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”.

 

الجهاد من ناحية العمل المباشر:

فعلى ذي العلم من المسلمين واجب البيان للناس: بالكتابة، أو بالقول، أو بالفعل، أو بهم جميعاً، ولا يجوز له التقاعس أو التقوقع في مثل هذه الظروف. وعلى الجاهل التعلم من الآن بالجلوس في حلق العلم وسؤال أهل الاختصاص من العلماء الثقات.

ومن يحسن القتال على الطريقة الحديثة -استخدام الأسلحة الحديثة- فعليه أن يحاول الوصول إلى داخل الجبهات وذلك بالتنسيق مع إخواننا المجاهدين هناك، ولا ينفرد بهذه الخطوة الحساسة إلا بالتنسيق معهم، لأنه قد يفسد عليهم أكثر مما يصلح.

ومن لا يستطيع الوصول إلى الداخل -ويُحسِن القتال- فعليه بذل النصيحة واستخدام خبرته العسكرية لتوجيه المجاهدين في الداخل، وتدريب إخوانه المسلمين من الشباب في الخارج.

وعلى من لا يحسن القتال أن يشغل نفسه بالاستعداد البدني والعسكري والتدرب على ما يستطيع من الأسلحة والتكتيكات العسكرية. “وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً” (التوبة : 46).

على الإخوة في الجيوش الإسلامية تثقيف أفراد الجيش تثقيفاً شرعياً وزرع حب الجهاد والشهادة في سبيل الله بين أفراد هذه الجيوش (كلٌّ حسب قدرته).

ومن لا يستطيع التدرب على السلاح في بلاده فليسافر إلى بلاد أخرى (وإن كان في الإجازة الصيفية) تتوفر فيها الأسلحة فيتدرب على ما يستطيع من الأسلحة الحديثة.

ومن لا يستطيع مغادرة بلاده لسبب أو لآخر فليلتحق بالجيش فيها بنيّة الإعداد للجهاد، وليتدرب على ما يستطيع من الأسلحة الخفيفة والثقيلة وعلى فنون القتال الحديثة.

ومن لم يستطع الجهاد بالبدن لعذر شرعي – بأن كان كبيراً في السن أو غير لائق بدنياً- فعليه الجهاد بالمال: إما بماله إن كان ذا مال، أو بتحريض المسلمين على البذل في سبيل الله وبيان ما في ذلك من الأجر والثواب، قال تعالى: “..وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ..” (النساء : 84)، والتحريض يقوم به القادر أيضاً، وتقوم به النساء.

فكثير من الجبهات لا ينقص المجاهدين فيها (بعد عون الله) إلا المال، وعليه بالمشاركة في الصحف والمجلات، وأن يكفل الدعاة ولينشر الأشرطة والكتب الإسلامية الدعوية.

وعلى كل مسلم استخدام سهام الليل والسلاح المعطّل الذي انتصر به رُسل الله عليهم الصلاة والسلام، وهو سِلاح فعّال لا يملكه سوى المسلم الموقن بوعد الله ونصره، ومع ذلك كثيراً ما نترك هذا السلاح أو نُفرّط فيه ونهمله، فنتكاسل أن نرفع أيدينا، وهذا غاية العجز، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: [ أَعْجَزُ النَّاس مَنْ عَجَزَ عَنْ الدُّعَاءِ] رواه ابن حبان وغيره.

 

الجهاد من ناحية الفكر:

هناك كثير من المفاهيم الخاطئة التي أصبحت مسلّمات عند كثير من المسلمين ينبغي أن تُصحح وتُزال من أذهان المسلمين حتى تستقيم الأمور ويجاهد الناسُ على بينة، منها:

 

رسالة الإسلام، والقوانين البشرية:

من المسلّم أن القوانين البشرية التي تحكم أحوال الناس اليوم تحول – دون شك – بين الناس وبين رسالة الإسلام في صفائها ونقائها، ومهما زعموا من دعوى حرية الرأي، وحقوق الإنسان، فإن الواقع يشهد بأن تلك القوانين تحول بين الناس وبين معرفة الإسلام على حقيقته، ولو ترك الناس والإسلام لدخلوا في دين الله أفواجاً.

فعلينا توعية الناس بالقضية، وتعرية مزاعم قوى الكفر وتبصير الناس بحقائق دعاوى الكفار، كتبجّحهم بالديموقراطية والعدل والمساواة إلى غيرها مما أُلغيت في التعامل مع قضايا المسلمين في سائر أقطار الأرض!، وهذه الحرب اليومية قد أسقطت الكثير من الأقنعة، وتبين لكثير من الناس – حتى مَن خُدِعوا فيهم – الوجه الكالح لأمم الكفر، ولأئمة الكفر!

 

الحدود المرسومة، والحقيقة:

البلاد الإسلامية بلاد واحدة، وهذه الحدود المرسومة هي حدود مصطنعة يجب أن تزال من العقول المسلمة (وإن بقيت عملياً). فالمسلم الياباني والأمريكي والأوروبي والهندي مواطن في مكة والمدينة كغيره ممن ولد في تلك البلاد لهم ما لهم من الحقوق وعليهم ما عليهم من الواجبات، لا فرق بين هذا وذاك “لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى”.

 

وحقاً على الله إذا رفع شيئاً أن يضعه:

كثير من الأمم القوية والعظيمة ذهبت بعد عز وقوة، فدوام الحال من المحال (والله الأول والآخر)، وكان حقاً على الله إذا رفع شيئاً أن يضعه. إذا كانت الدولة اليوم للغرب فلن تبقى لهم، وليعلم بأن هذا من العرض الزائل، وأن العاقبة للمتقين. والله سبحانه وتعالى أخبرالمسلمين بأنهم إذا امتثلوا أمره، لم يزالوا منصورين على عدوهم، وأنه إن سلَّط أعدائهم على المسلمين فلتركهم بعضَ ما أُمروا به، ولمعصيتهم له، ولكنه لم يُؤُيسهم، ولم يُقنِّطْهم، بل أمرهم أن يسْتَقْبلوا أمرهم، ويداووا جِرَاحَهم، ويعُودوا إلى مُناهضةِ عدوهم فينصرهم الله عليهم، ويُظفرهم بهم، فقد أخبرهم الله بأنه معَ المتقين، ومعَ المحسنينَ، ومعَ الصابرين، ومعَ المؤمنين. ومقام الكفرة في بلادنا غير دائم، إن شاء الله تعالى.

كما أن فلسطين أرض إسلامية ومقام اليهود فيها استثنائي غير دائم، كذلك الحكم بغير ما أنزل الله في البلاد المسلمة، وغيرها من الأمور المخالفة للشريعة والتي أصبحت من عرف الناس، فلا يجب التعامل معها إلا من هذا المنظور. ولا عبرة بمن يقول إن هذا واقع يجب التعايش معه، بل نقول هذا خلل يجب أن يصحح، وعارض لا بد من العمل على إزالته.

فلا يجوز لمسلم أن يكون مع كافرٍ ضد مسلم، ولا يجوز لمسلمٍ أن يُعين كافراً على مسلم فهذا من نواقض الإسلام، وإن أخطأ مسلماً في حق كافر فإنه لا يسلَّم للكافر أبداً، بل يحاكم وفق الشريعة الإسلامية.

 

هل يتوقف الجهاد على وجود إمام ؟!

الجهاد في سبيل الله تعالى ذروة سنام الإسلام وشعيرة ظاهرة من شعائر الدين لا يتوقف على وجود إمام، ولكن لا بد له من بعث الجيوش، وتنظيمها؛ خوفاً من الفوضى، وحدوث ما لا تحمد عقباه؛ ولذلك كان بدؤه، والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين، فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه، مخلصاً وجهه لله، راجياً نصرة الحق، وحماية الإسلام، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي، وعدم العذر؛ فهو آثم. والواجب التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونه ومن ذلك إعداد العدة والقوة.

ومن هنا يجب الالتفاف حول العلماء، والانتفاع بتوجيهاتهم تنفيذاً للتوجيه الرباني:{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ…[83]}[سورة النساء]. وعدم التفرّق والتناحر والتنازع؛ لأن الضعف مرهون بالتنازع:{…وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[46]}[سورة الأنفال]، ويجب تفويت الفرصة على المنافقين المتربصين الذين يتحيّنون الفُرص لبث سمومهم، والعدو إنما يدخل من خلال الثغرات التي يصنعها له الطابور الخامس؛ ولذا قال عليه الصلاة والسلام: [مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ] رواه أبوداود والنسائي وأحمد،.

فعلى المسلم ضبط الحماس، وترك التصرفات الفردية؛ لأنها تضرّ أكثر مما تنفع، فالعاطفة إذا لم تُضبط بالشرع صارت عاصفة! وليآزِر العلماء الثقات، وليشدد على أيديهم، وليكثر سواد مؤيديهم ليكون لهم ثقل ووزن في الساحة السياسية وصناعة القرار.

 

الجهاد الأكبر!

وقد وقف أكثر من قام بقيادة الناس – وليس لهم علم بالكتاب والسنة – من فريضة الجهاد العظيمة موقف المعطل لها قولاً وعملاً، ومن شأن هؤلاء عبر التاريخ – في الأغلب الأعم- التثبيط عن الجهاد بحجة محاربة النفس وهواها والوقوف عند ذلك، ولم يوجد لهم عبر التاريخ اهتمام بالوقوف في وجه العدو. وتاريخهم معروف بالقعود والانعزال في الزوايا والتكايا، ومشهور بالتثبيط عن جهاد الأعداء.

وزعم هؤلاء أن مجاهدة النفس جسر إلى جهاد الكفار، من لم يعبره -وإن مات علي ذالك- ليس عليه القتال في سبيل الله! ودعا أكثرهم إلى صرف الناس عن هذه الفريضة، وكثيراً ما يرد على ألسنتهم، (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)، ولا أصل لهذا ولم يروِه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي – صلى الله عليه وسلم- وأفعاله. بل وليس بين مجاهدة النفس وجهاد الكفار من المنافاة في الجمع، كما لا يجب تأخير الثاني عن الأول بقرون وأزمنة، أليس في الصحابة من يؤمن ويحضر القتال في الوقت نفسه، ويُقتل في سبيل الله، رضوان الله عليهم أجمعين. وغيرها من المفاهيم الخاطئة التي أصبحت مسلّمات عند كثير من المسلمين ينبغي أن تصحح وتزال من أذهان المسلمين حتى تستقيم الأمور ويجاهد المسلم على بينة.

 

الجهاد من ناحية الاقتصاد:

لقد تغلب علينا أعدائنا اقتصاديا لدرجة يصعب علينا اللحاق بهم في المستقبل القريب، ولكن جزء كبير من اقتصادهم يعتمد على معاملتهم معنا، فعلى المسلمين الجهاد بهذا الجانب الحيوي ولا تغلبنهم شهوتهم.

فلا يشتري مسلم بضائع اليهود والنصارى المحاربين، وعليه ببضائع المسلمين، ففي هذا تشجيع للصناعة الإسلامية (وهناك دول إسلامية تصنع ما يغنيه عن الكفار)، وليتذكر أن كل درهم يعطيه الأعداء يتحول إلى رصاصة في قلب طفل مسلم “ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”.

ولا يستورد المسلم – إن كان تاجراً – بضائع من يكيد للإسلام والمسلمين حتى يعلموا أن في ذلك زوال أو نقصان لتجارتهم، وعليه بالتعامل مع الدول الإسلامية (إلا في ما يحتاجه الناس – وليس عند الدول الإسلامية – فهذا قد يكون له فيه عذر، ولكن عليه مع هذا تشجيع صناعة مثل هذه السلع في الدول الإسلامية المتطورة).

وليعلِم من حوله من أصحاب المحلات بأنه لن يشتري البضائع الأمريكية أو التي يحارب أصحابها المسلمين، ولقد لاحظنا نتيجة هذه المقاطعة في تصرفات كثير من التجار والمحلات التجارية، والحمد لله.

ولا يسافرنّ مسلم إلى الدول التي تحارب الإسلام والمسلمين، وعليه بالسياحة في بلاد الإسلام فهي أجمل، وأنظف، وأئمن، وأرخص من بلاد الكفار. وللسياحة مدخول اقتصادي هائل على الدول الكافرة، والمسلمون أولى بأموال إخوانهم من الكفار.

وإياه وجلب الأيدي العاملة الغير مسلمة إلى البلاد الإسلامية (وخاصة جزيرة العرب)، وعليه باستخدام الخبراء المسلمين فهم كُثر، وأقل كلفة، وأئمن على المال والعمل.

وليحوّل المسلم استثماراته -إن كانت لديه في بلاد الكفار- إلى البلاد المسلمة يستفيد منها المسلمون، ويساعدهم على إنعاش اقتصادهم وتطوير صناعاتهم.

وليرجع المسلم إلى بلاد الإسلام إن كان من أهل الخبرة والعلم التقني فلا يجلس في بلاد الكفر يقويهم على المسلمين، ولو لم تتوفر نفس الفرصة الوظيفية والراتب، فينفع المسلمين، وليحتسب ذلك عند الله.

 

نداء لمساعدة المجاهدين الأفغان:

المسلم عندما يسمع ويقرأ ما يقاسيه إخواننا المجاهدون الأفغان؛ وما يعانيه المجاهدون في الوقت الحاضر، فإنه يجد الألم والضيق في قلبه، ولا يدري ما الوسيلة المناسبة لمساعدتهم، وهل تكفي المساعدة بالمال أم يلزمه الجهاد بالنفس؟

والحقيقية أن شعوره بالضيق يدل على وجود الإيمان، وإخواننا الذين يجاهدون في سبيل الله من الأفغان لهم حق علينا، فإذا كان أحدنا يستطيع أن يجاهد معهم بيده وبجسده، فليفعل؟ ولكني أظن أنهم لا يحتاجون إلى شيء من فعل أحد ذلك، الآن، ولكن علينا أن نقدم لإخواننا المسلمين المضطهدين في دينهم، ما نستطيعه من دعاءٍ وبذل وعطاء لا سيما من ذوي المال واليسار، والغنى والاقتدار، في تلمّس احتياجات إخوانهم الذين تربطهم بهم عقيدة الإسلام.

وليحث كلٌ نفسه واخوته بكثرة الدعاء لهؤلاء المجاهدين، وبذل الأموال، لأنهم في حاجة ماسة، والرسول صلى الله عليه وسلم صحّ عنه أنه قال: {جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم}. وهذا من واجب الأخوة الإسلامية.

من لهؤلاء المجاهدين؟! من للجياع وللأرامل وللأطفال وللنساء؟! من للشباب الشجعان الذين يقولون: نريد السلاح؟! أنت لهم يا أخي، وهم يستغيثون بالله ثم بك، فهل يجوز لمسلم أن يخذلهم؟!

ومن لم يجد المال فليتبرع بما يستطيع، حتى لو أن يتخلى عن ساعته التي في يده في سبيل الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} [المزمل:20]، ومن لم يجد اليوم، فمن الممكن أن يرسل ويأتي في الغد أو بعد الغد بما يستطيع.

و يجب أن نكون كلنا رسلاً لدعوة الناس إلى التبرع لإخواننا المجاهدين الأفغان. كما أننا نناشد المسلمين في كل مكان أن يقوموا بواجب الأخوة؛ فيساعدوا إخوانهم المسلمين المتضررين حتى يكون المسلمون يداً واحدة على أعدائهم كما كانوا، وما ذلك على الله بعزيز.

 

إخوتي! إن ما نحن فيه ابتلاء وامتحان من الله، وقد اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يمتحن النفوسَ ويبتَليها، فُيظْهِرَ بالامتحان طِّيبَها مِن خبيثها، ومَنْ يصلُح لموالاته وكراماته، ومَنْ لا يصلُح، وليُمحِّص النفوسَ التي تصلُح له ويُخلِّصها بِكِير الامتحان، كالذَّهب الذي لا يخلُص ولا يصفو مِن غِشه، إلا بالامتحان.

هذه الخطوات ما هي إلا اختبار للنفس على تحمل العمل والجهاد والبذل في سبيل الله، ولتكن هذه الخطوات سجيّة لا عرضاً يزول بزوال الحماس. فمن كان جاداً في نصرة هذا الدين فعليه بالعمل الجاد الدؤوب، فالوقت وقت عمل، والخطب جلل، ولا مجال للكسل. فليتأمل كل من يتأمل، وليتوكل.

 

وبما ذُكر يستطيع كلٌّ منا أن يجاهد وإن لم يكن في جبهات القتال، وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.