هل ينجح جند الرحمن في أفغانستان؟

بقلم: د. عبد الرزاق قسوم

 

جُنْدُ الله الغالب، هذا الطالبان المحارب، والمحقق لجل المطالب، والمستهين بكل المصاعب، هل سيصمد أمام المؤامرات، والمكائد والمصاعب؟

فبعد عناء ومعاناة، وبعد جهاد وتضحيات، وكمائن ومطاردات، وبعد ترهيب وترغيب، ومفاوضات، ها هو جند الطالبان، يدخل كابول منتصرًا، ورافعًا للرايات.

أيًّا كانت المواقف الإيديولوجية من حركة الطالبان، ومهما تكن القراءات السياسية من الموالين لهم أو المعادين كالأمريكان، فإن ما يجب التسليم به لهم، هو أنهم فتية آمنوا بربهم، وتجذروا في حبهم لوطنهم، وآلوا على أنفسهم تحرير بلادهم من المعتدين عليهم.

فمرحبًا بالطالبان، بعد أن كسبوا الرهان، وأعطوا للمعارضين لهم الأمان، ورفعوا راية العفو، والتسامح، كمنهج للإعمار والبنيان.

ومرحبًا، بالمقاومين الطالبان، إذ يعلنون الشريعة منهجًا لحكمهم، والإسلام عقيدة لعلاقاتهم، ولكن عن أية شريعة يتحدثون، وأي إسلام يريدون؟

إن الشريعة الإسلامية التي نريد للطالبان أن يحكموا بها، ويجعلوها شرعة ومنهاجا، هي الشريعة التي تنبع من عقل علمي مفتوح؟ وقلب إنساني مشروح، وسلوك إسلامي مسموح.

فلا يحسبن جند الله الطالبان، أنهم سيدخلون الجنة في أفغانستان، وإن كانت قد خلت من كل شيطان، بل سيجدون وطنًا مكبّلا بأغلال التبعية السياسية، التي تفتح الأبواب للنهب، والناهب، والمنهوب، وسيصطدمون، باقتصاد هش، أهلك الحرث والنسل، وأفلس الخزينة والجيوب، والأنكى من كل هذا، سيدعون إلى التعايش مع شعب أنهكته الحروب، وبلد سدت فيه كل الدروب.

من هنا تبدأ المسؤولية الحقيقية للحكم الراشد المنشود، حتى لا ينطبق على الوافدين الجدد، ما وصفهم به أحد المعلقين، من أن الطالبان جند الله، في الزمن الضائع الموؤود.

معاذ الله، فالطالبان، تحت أي وصف وضعوا سواء من الأعداء أو الأصدقاء، هم مجاهدون لتحرير الوطن، وصامدون لتخليصه من كل أنواع المصاعب، والمحن والفتن، وعاملون على تخليص العقول من العبودية لأي صنم أو وثن.

فبهذه القيم، تمكنوا من الانتصار على أغنى الدول عددًا، وعدة، وعتادًا، وينطبق عليهم قول الله تعالى: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾ [سورة الأنفال، الآية: 65].

وإذن، فقد انتصر الطالبان على الأمريكان وها هم يدخلون القصر الرئاسي بكابول، في عزة وكرامة وأمان وإيمان، فما هو واجبهم نحو أمتهم؟ وما هو واجب أمتهم نحوهم؟

إن رسالة حركة الطالبان، نحو الأمة الإسلامية، هي أن يرسموا لأمتهم معالم التحرير والمقاومة، والثبات على الحق والمداومة، وحسن التعامل مع الانتصار، بعيدًا عن نشوة الغرور وما ينجم عنها من عتوّ، وعلو، ومساومة.

كما أن من رسائل النصر في أفغانستان، فتح الآمال أمام الشعوب المضطهدة، التي تعاني، القمع، والكبت، والاستبداد والاحتلال، فلا ييأسنّ أي مجاهد وأي مقاوم، مهما ادلهمت الشدائد واحلولكت الظلمات، فلا بد من طلوع الفجر.

 

فلا بد لليل أن ينجلي *** ولا بد للقيد أن ينكسر

 

تلك هي رسالة المنتصرين الأفغان، إنها أمانة في أعناقهم؛ أن لا يعبثوا بما تعبوا عليه دهرا، ولا يتنازعوا، فيفشلوا وتذهب ريحهم.

لِيتعظ الطالبان، من تجارب غيرهم المريرة، والتي حولت الانتصار إلى هزيمة، والقوة إلى ضعف، والوحدة إلى شتات.

 

أما واجب الأمة الإسلامية نحو أفغانستان الجديدة، فهو أن يهب علماء الأمة إلى الأخذ بيد الحكام الجدد، فيحيطوهم بالنصح والإرشاد.

إن أفغانستان تعاني التخلف الشمولي بسبب الاحتلال المغولي، ويتجلى هذا التخلف في أمية الأجيال الصاعدة التي يجب على علماء الأمة الإسلامية أن يهبوا لتعليمها وتوجيهها، لتكون مؤهلة للنصر وتملك القابلية لتولي الأمر.

كما أن التخلف يتجلى في أمية المرأة وهي نصف المجتمع فيجب إخراجها من التخلف بالعلم، والوعي، وفتح العقل للسعي.

ويتجلى التخلف أيضا في الفقر المدقع الذي عليه الجماهير الأفغانية المطحونة، بعد أن سرق أموالها المفسدون، وعبث بخيراتها المتحكمون، وهرّب ثروتها العملاء الهاربون.

في هذا الجو المزيج من الانتصار والانكسار يجب أن يبرز دور أغنياء الأمة الإسلامية لإطعام الجائعين، وتعليم الجاهلين وإيقاظ الغافلين، وترشيد الحاكمين.

فيا أبناء أمتنا في أفغانستان!

يا جند الله الطالبان الأفغان!

إن الجهاد الأكبر الحقيقي، سيبدأ الآن..

فأمامكم الكثير من التحديات، وستنصب لكم الفخاخ والمكائد والمؤامرات، فلتتحطم هذه المكائد والمؤامرات على صخرة وحدتكم، وصلابة عزمكم، ووعي صفوتكم.

إن الوطن أمانة في أعناقكم، حمّلها إياكم الشهداء، والعلماء، والزعماء، فصونوا الأمانة، واحرصوا على تقديم وجه الإسلام ناصعا، وحكيما وواقعيا.

فلا تكونوا أسوأ محامين عن أعدل قضية فالعالم كله ينظر إليكم، فماذا أنتم فاعلون بوطنكم، وجهادكم، وعقيدتكم؟ وإنا معهم منتظرون! ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [سورة الحج، الآية: 40].