الافتتاحية: ألعوبة حقوق الإنسان

إنّ ممارسات أمريكا العنصرية والازدواجية في سياساتها وجرائمها لا تحتاج لمن يكشف عورتها. ويُعد الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات على مستوى العالم أحد أكثر الشعارات الصارخة التي رددها الأمريكيون على مر السنين والعقود لتبرير سياساتهم.

نعم؛ يتشدّق الأمريكان بأنهم يراعون حقوق الإنسان! ونصّبوا أنفسهم مسؤولين عن العدالة، ولكن جميع الحقائق والإجراءات الميدانية لحكومة الولايات المتحدة تظهر أن هناك فرقاً كبيراً بين الادعاءات والحقائق؛ فهم متعجرفون ومنتهكون لحقوق الإنسان في أجزاء أخرى من العالم.

وآخر تجليات ذلك، مقتل 10 مدنيين أفغان أبرياء في خضم الأحداث التي أعقبت انسحاب القوات الأمريكية من كابول. حيث أن القوات الأمريكية غادرت مطار كابول في 29 أغسطس 2021، وبدعوى تحديد هوية أحد مدبري الهجوم الانتحاري على مطار كابول، استهدفوا سيارة المواطن الافغاني (زماري)، ما أدى إلى مقتل 10 مدنيين بينهم سبعة أطفال.

في البداية حاولت وزارة الدفاع تبرير عملها، ولكن بعد تحديد أبعاد القصة، تم الاعتراف بأن هجوم الطائرات بدون طيار كان خطأ! وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي: “البنتاغون ينوي دفع تعويضات لأسر ضحايا غارة الطائرة بدون طيار التي استهدفت بالخطأ 10 مدنيين أفغان بينهم سبعة أطفال”. بعد اعتراف البنتاغون بخطأه، افترض أنه يجب محاكمة المتورطين من الجيش في المحاكم المحلية، أو في المحاكم والمحافل الدولية. ولكن بعد ما يقرب من أربعة أشهر من الحادث، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي للصحفيين مؤخراً إنه لا يقع اللوم على أي جندي أمريكي بتنفيذ غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في كابول في آب، والتي أدت إلى مقتل 10 مدنيين، بينهم 7 أطفال.

يؤكد قرار البنتاغون الأخير أن العدالة وحقوق الإنسان لا مكان لها في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وأن البيت الأبيض يستخدمهما كأداة فقط.

وبحسب الأمم المتحدة، قُتل أكثر من 32 ألف مدني في الصراع العسكري في أفغانستان على مدار الـ 18 عاماً الماضية. ولكن الآن بعد وقوع الجريمة الأمريكية في اليوم الأخير من وجودها في أفغانستان، فإن ذلك يظهر عدم الدقة في مزاعم استهداف الإرهابيين على مدار العشرين عاماً الماضية، وكان الضحايا على الأرجح قرابين لتجارب الأسلحة الأمريكية، حيث لم يسلم من هذه الهجمات حتى الأطفال. لكن الشيء المهم هو أنه لا يمكن مقاضاة أي من مرتكبي الجرائم العسكرية الأمريكية. جرائم واشنطن الدموية في أفغانستان ودول أخرى إما اختفت من وسائل الإعلام، أو لم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني ضدها بحجة حظر إفشائها.

خلافاً لمزاعمهم وشعاراتهم في الدفاع عن حقوق الإنسان، لطالما كان الأمريكيون غير مبالين بأحكام وقرارات المحاكم الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان في المواقف التي تتعارض مع مواقفهم ومصالحهم، بل واتخذوا نهجاً عدائياً تجاه هذه المؤسسات. ويمكن ملاحظة ذلك في قضية محكمة لاهاي لقتل المدنيين في أفغانستان. حيث وافقت محكمة العدل الدولية، وهي محكمة دائمة تم إنشاؤها لمحاكمة الجرائم الكبرى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، في فبراير 2020 على بدء تحقيق في الجرائم المحتملة في الحرب المعلنة على أفغانستان (منذ 2003)، وفي هذه الحالة، ستتهم القوات الأمريكية في أفغانستان بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في أفغانستان؛ وبعد هذا القرار، قاطع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المحكمة الجنائية الدولية. وهدد المسؤولين في محكمة العدل الدولية بأنهم سيواجهون عقوبات اقتصادية من الولايات المتحدة إذا حققوا في تصرفات القوات الأمريكية في أفغانستان دون موافقة واشنطن. وجمد الرئيس أصول هؤلاء المسؤولين في الولايات المتحدة وفرض قيوداً على إصدار التأشيرات الأمريكية لهم ولأقاربهم.