وإن جندنا لهم الغالبون

بقلم: ماجد أبو عمر

هذا وعد السماء ومن أصدق من الله قيلاً؟ رب العزة يعدنا بالنصر والتمكين ولكن لمن؟ إنه وعد رباني لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً. هذا هو القرآن كلام الله العظيم يفسر نفسه بنفسه، لا تنتهي عجائبه، تكفل الله بحفظه وبذلك وعد.

وكما تكفل بحفظ كتابه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، تكفل أيضاً بنصر عباده المجاهدين المخلصين له الدين حنفاء، حيث قال في حقهم: (إنهم لهم المنصورون، وإنّ جندنا لهم الغالبون) هذه بصفة عامة وهي ظاهرة ملحوظة في جميع بقاع الأرض وفي جميع العصور، وهي كذلك متحققة في كل دعوة لله يخلص فيها الجند ويتجرد لها الدعاة، إنها غالبة ومنصورة مهما وُضعت في سبيلها العوائق، وقامت في طريقها العراقيل، ومهما رصد لها الباطل من قوة عاتية وحديد ونار ومن دعاية وافتراء وتزوير، فسنة الله ماضية ووعد الله لجنده بالنصر والتمكين سنة ربانية ماضية كما تمضي الكواكب والنجوم في دورتها المنتظمة وكما يتعاقب الليل والنهار، وأقول كما قال (صاحب الظلال رحمه الله) فسنة الله لا تخلف ولا تتخلف، وقد تتحقق في صورة لا يدركها البشر، ولقد يريد البشر صورة معينة من صورة النصر والغلبة لجند الله وأتباع رسله، ولكن يريد الله صورة أخرى أكمل وأنقى وأبقى وأسمى، فيها الرقي وتسامي الإيمان وأهله على الكفر وأذنابه.

أستذكر وأستشف وأستحضر قول الملا محمد عمر مجاهد رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى عندما قالها صريحة شافية كافية، مقولته المشهورة والتي نتعلم منها دروساً ودروساً من التوكل على الله حق التوكل والثقة الراسخة والاعتماد الكلي على الله (إن الله قد وعدنا بالنصر، وبوش قد وعدنا بالهزيمة فلننظر أيهما أصدق).

وأعود للتفسير: ولقد يريد البشر صورة معينة من صور النصر والغلبة لجند الله وأتباع رسله، ويريد الله صورة أخرى أكمل وأبقى، فيكون ما يريده الله، ولو تكلّف الجند من المشقة وطول الأمد أكثر مما كانوا ينتظرون. ولقد أراد المسلمون قبيل غزوة بدر أن تكون لهم عير قريش، وأراد الله أن تفوتهم القافلة الرابحة الهينة، وأن يقابلوا النفير، وأن يقاتلوا الطائفة ذات الشوكة. وكان ما أراده الله هو الخير لهم وللإسلام، وكان هو النصر الذي أراده الله لرسوله وجنده ودعوته على مدى الأيام .

ولقد يهزم جنود الله في معركة من المعارك، وتدور عليهم الدائرة، ويقسو عليهم الابتلاء; لأن الله يعدهم للنصر في معركة أكبر، ولأن الله يهيىء الظروف من حولهم ليؤتي النصر يومئذ ثماره في مجال أوسع، وفي خط أطول، وفي أثر أدوم.

لقد سبقت كلمة الله، ومضت إرادته بوعده، وثبتت سنته لا تتخلف ولا تحيد: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون).

وعليه نجد بعض الدلالات الواضحة في كلام الله عز وجل ورسالة واضحة نقية بأن النصر للإسلام لا محالة، بجنده، بشيبه، وشبابه، وبنسائه، وبالدعوة الصادقة التي ليست للدنيا أكبر الهم فيها، ولكن الهم هو هم الآخره وأن نلقاه -سبحانه وتعالى- بنداء المجاهدين الصادقين القائلين بصوت يحدوه الأمل والرجاء: (اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى).

 

فنسأل الله العلي العظيم أن ينصر المجاهدين في سبيله وأن يمكن لهم في الأرض وأن يسدد رأيهم ورميهم وأن يقيم شرعه. إنه وليه والقادر عليه مولانا رب العالمين. والحمد لله رب العالمين.