وضع العقبات أمام إتفاق السلام

بعد توقيع “اتفاق إحلال السلام في أفغانستان” (الذي تم بين الإمارة الإسلامية والولايات المتحدة وحظي بتأييد واسع من الأمم المتحدة والمجتمع الأوروبي، والقوى العظمى مثل الصين وروسيا، ودول المنطقة)؛ كان لزاما على أمريكا أن تفي بعهودها وتسارع بجهودها للإفراج عن السجناء حتى يتمهد الطريق للحوار الأفغاني-الأفغاني وينتهي الاحتلال، لأن إطلاق الأسرى يعد من البنود الأساسية لهذه الإتفاقية، حيث نصت الإتفاقية على إطلاق سراح 5 آلاف سجين من الإمارة الإسلامية وألف من سجناء الطرف الآخر بحلول 10 مارس\آذار 2020، وستكون خطوة أولى نحو الحوار الأفغاني-الأفغاني.

وها قد مضى نحو شهرين على توقيع الإتفاقية ولكن لم يتم إحراز أي تقدم ملموس على أرض الواقع في عملية الإفراج عن السجناء، والعملية تجري ببطء شديد، بل هناك مماطلة متعمدة وعراقيل مقصودة، وسعي لإيجاد العوائق ووضع العقبات أمام إتفاق السلام من قبل إدارة كابل.

كما أن الولايات المتحدة لا ترغب في تنفيذ إتفاق الدوحة بل قد ارتكبت خروقات منذ توقيعها عليه، وتحاول التنصل بحيلة وأخرى عن مسؤولياتها تجاهه، وفشلها في تطبيق بنود الإتفاق وإصرارها على الحرب والعنف ومواصلتها للغارات الجوية على المدنيين العزل مما يؤكد عدم جديتها في السلام.

هذا، وتصرّ الإمارة الإسلامية على إطلاق سراح الأسرى تفاديا لتفشي وباء “كورونا” والذي اجتاح أفغانستان ويزداد عدد المصابين به يوما فيوم، ولا قدر الله إن ولج إلى المعتقلات والسجون فستحدث كارثة إنسانية، لأن السجون مكتظة بالسجناء وأغلبهم من المرضى وذوي الإصابات وكبار السن الذين يعيشون في ظروف غير صحية ولو أصيب سجين واحد فقط سيصبح كل السجناء في خطر.

وقد أعربت الإمارة الإسلامية عن قلقها البالغ إزاء المخاطر المحتملة لتفشي فيروس “كورونا” بين السجناء والمحتجزين في أفغانستان، وحذرت في بيان من أن الوضع الهش للسجناء يجعلهم عرضة لخطر كبير في حال تفشي الفيروس، بسبب ظروف الاعتقال المروعة، وأن أمريكا هي من ستتحمل مسؤولية كارثة إنسانية ناجمة عن تفشي الفيروس، لأنها هي من قامت باعتقال معظم هؤلاء الأسرى، ولأنها هي من تقوم بدعم إدارة كابول عسكريا واقتصاديا وسياسيا.

كما انطلقت حملات ومناشدات إعلامية نظّمها رواد وسائل التواصل الاجتماعي معربين عن قلقهم إزاء اكتظاظ السجون، الأمر الذي قد يكون سببا في انتشار أوسع لوباء كورونا، مطالبين بالإفراج عن الأسرى كإجراء وقائي ضد الفيروس، ولكن إدارة كابول أصرت على الرفض ضاربة بكل النداءات والمناشدات عرض الحائط.

وقد شاهد الناس أولئك الأسرى الذين أطلق سراحهم قبل أيام في ولاية “قندهار” حيث كانوا من الشيوخ العجزة الذين لا يقدرون على القيام والحركة بدون مساعدة فضلا على أن يمشوا خطوات، لكن عملاء أدعياء حقوق البشر واصلوا اعتقالهم وتعذيبهم.

ولا زال العملاء في إدارة كابول يتلمسون مصالحهم المشؤومة في استمرار الحرب، فلم يثلج صدروهم بعد اضطهاد وقتل وسفك دماء هذا الشعب المسلم، ويريدون أن يعرقلوا مشروع إطلاق سراح الأسرى تحت ستار حجج واهية وأعذار باطلة، حتى يصلوا إلى هدفهم المشؤوم بإفشال اتفاق الدوحة، وإفشال مشروع السلام واستمرار الحرب، لتأمين سلطتهم الفاسدة على حساب دماء الشعب الأفغاني.

ولكن تغير الواقع وتغيرت الأحوال، فقد ولّى زمن الدسائس والمؤامرات والخدع، وأدرك المحتلون الغربيون أنهم لن يكسبوا هذه الحرب مهما واصلوا مقارعة الشعب الأفغاني، فقد أزعجتهم نتائجها وعيل صبرهم ونفدت إمكانياتهم وباتوا متّفقين على أنه لابد من إنهاء هذه الحرب الظالمة.

إن إدارة كابول تؤخر الإفراج عن المعتقلين بذرائع مختلفة، ولكن برأي الخبراء إن تأخير الإفراج عن السجناء من سياسة الأمريكيين، لأن أمريكا تلقت هزيمة تاريخية ومدوية في أفغانستان، وخسرت في تاريخها حربا مكلفة، طويلة وعديم الفائدة؛ وللتستر على هذه الفضيحة يحاولون أن يحولوا الحرب الراهنة إلى حرب داخلية ويخرجون سالمين من ميدان المعركة.

ولتعلم أمريكا أن الأفغان كلهم ينتظرون تنفيذ بنود الإتفاق على أحر من الجمر ويتساءلون هل أمريكا صادقة ومتعهدة بتنفيذ إتفاق الدوحة؟ وهل هي قادرة على تنفيذه؟

فإن كانت قادرة فلم لا تعمل وفق بنودها؟

أما الإمارة الإسلامية فأوفت بجميع التزامات “السلام” التي ينص عليها اتفاق الدوحة واتخذت خطوات عملية نحو تنفيذ الإتفاقية بإطلاق الأسرى، وأبدت استعدادها للحوار الأفغاني-الأفغاني، لكن إجراءات الجانب الأمريكي بطيئة وضئيلة مما يحتمل أمرين:

إما أن الأمريكيين لا يملكون صلاحية تنفيذها.

أو ليسوا صادقين في وعودهم، ويتعمدون تأخيرها.

والاحتمال الأول ضعيف جدا، لأننا لو رجعنا بالنظر في الحوادث الماضية (العدوان العسكري الأمريكي، الاحتلال، وتنصيب إدارة عميلة) لرأينا أن الأمر كله بيد أمريكا تنصب وتعزل وتأمر وتنهى، وأن العملاء مجرد دمى ليس لهم من الأمر شيء.

ولا يوجد شخص ولا حزب في دائرة إدارة كابول العميلة ليرفع صوته ضد قرارات أمريكا، وبذلك نقول إن أمريكا قادرة على تنفيذ وعودها، وليس بوسع العملاء أن يخالفوا أولياء نعمتهم.

فلو أرادت أمريكا لبدأت عملية الإفراج عن السجناء وتكللت بالنجاح، ولتمهّد الطريق للمفاوضات الأفغانية.

ونحن على ثقة تامة بأنه سيتم الإفراج عن السجناء، وستقوم حكومة إسلامية، وسيسود السلام سائر أرض الأفغان بإذن الله شاء من شاء وأبى من أبى، وسينسحب المحتلون من بلادنا وسيفتضح الخونة المجرمون الذين يعرقلون جهود السلام ويسعون لإطالة أمد الحرب، وسيحاكَمون من قبل الشعب الأفغاني المسلم.