أيها الأمريكان كفّوا عن الغدر وقتل الأفغان

حافظ منصور

 

لقد دل التاريخ الحاضر والقديم على كثرة خيانة الكفار للمؤمنين، وغدرهم إثر كل عهد يُعقد، فكثيرًا ما يعاهدونهم ثم يغدرون بهم، ويُؤَمّنونهم ثم يخونونهم، وجميع طوائف اليهود في المدينة خانت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تف واحدة منها بعهدها مع المؤمنين، فكانت عاقبة خيانتهم القتل والجلاء عن المدينة؛ عقوبة من الله لهم على غدرهم.

والاتفاقية الموقعة بين الإمارة الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية في التاسع والعشرين من شهر فبراير من العام الجاري، تنصّ على أنّ: “الولايات المتحدة وحلفاؤها الأجانب وإدارة كابل تتوقف عن شن الغارات الجوّية واستخدام الأسلحة الثقيلة والصواريخ بعيدة المدى”، لكن منذ توقيع الاتفاقية إلى يومنا هذا، نقضت الولايات المتحدة الاتفاقية حيث استهدفت القوات الأمريكية المحتلة والإدارة العميلة المدنيين في مرات عديدة وألحقت بهم خسائر مادية وبشرية فادحة.

ففي 10 من أبريل، استشهد وأصيب 11 مدنياً جراء غارة جوية شنتها طائرة بدون طيار تابعة لقوات الاحتلال الأمريكي على قرية –خوشاب- في مديرية دامان بولاية قندهار، وجميع ضحايا هذا الحادث المؤلم من الأطفال (ذكور وإناث) بحسب شهود عيان من المواطنين.

وفي الشهر الماضي استشهد وجرح عدد من المواطنين ودمرت منازلهم عقب غارات جوية ونيران مدفعية أطلقها الاحتلال الأمريكي والعملاء، وذلك في كل من ولاية قندوز، وبغلان، وأروزجان، وبكتيكا، وهلمند، وغزني، وزابل، وفارياب، وبدخشان. ومن المؤسف أننا نشهد في الأيام الأخيرة من هذا الشهر جرائم بشعة أخرى من اضطهاد وقتل وإصابة للمواطنين العزل، وتدمير منازلهم على أيدي قوات الاحتلال والعملاء.

واستنكرت الإمارة الإسلامية بأشدّ العبارات استهداف المواطنين وقصفهم من قبل القوّات الأمريكية، وحذّرت بأنها لا يمكنها أن تتحمل قتل وإصابة شعبها الأبي وتدمير بيوت المدنيين الأبرياء ونهب ثرواتهم إطلاقاً.

وقالت: يجب على الولايات المتحدة أن توقف الحرب المستمرة والقصف والغارات الجوية ضد الشعب الأفغاني، وأن تعمل وفق الاتفاقية التي أبرمتها مع الإمارة الإسلامية، وتزيل العقبات الموجودة في وجه عملية السلام.

إن خرق العهد ونقض الميثاق وفسخ الاتفاق، إنما هو دين وديدن اليهود، قال ابن جريج: “لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه، ويعاهدون اليوم وينقضون غدًا”. وهذا حق وصحيح، تؤيده وقائع الأحداث وشواهد التاريخ عبر العصور. قال سيد قطب – رحمه الله -: “وقد أخلفوا ميثاقهم مع الله تحت الجبل، ونبذوا عهودهم مع أنبيائهم من بعد، وأخيرًا نبذ فريق منهم عهدهم الذي أبرموه مع النبي – صلى الله عليه وسلم – أول مقدمه إلى المدينة، وهو العهد الذي وادعهم فيه بشروط معينة، بينما كانوا هم أول من أعان عليه أعداءه، وأول من عاب دينه وحاول بث الفرقة والفتن في الصف المسلم، مخالفين ما عاهدوا عليه المسلمين”.

ثم إنه من المعلوم أن للحرب أحكاما ليست للسِلم، قال الله تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأنفال:56-57]. يقول الشيخ السعدي في تفسيره: “هؤلاء الذين جمعوا هذه الخصال الثلاث: الكفر، وعدم الإيمان، والخيانة، بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه ولا قول قالوه، هم شر الدواب عند الله، فهم شر من الحمير والكلاب وغيرها، لأن الخير معدوم منهم، والشر متوقع فيهم، فإذهاب هؤلاء ومحقهم هو المتعين، لئلا يسري داؤهم لغيرهم، ولهذا قال: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) أي: تجدنهم في حال المحاربة، بحيث لا يكون لهم عهد وميثاق، (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي: نكِّل بهم غيرهم، وأوقع بهم من العقوبة ما يصيرون به عِبْرة لمن بعدهم، (لَعَلَّهُمْ) أي: من خلفهم، (يَذَّكَّرُونَ) صنيعهم، لئلا يصيبهم ما أصابهم، وهذه من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي، أنها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي، بل وزجرا لمن عملها أن لا يعاودها”.