وقفات مع الكفریات والضلالات في الدستور الأفغاني الجديد – الحلقة الثالثة

 


 

محاربة الجهاد والمجاهدین:

من المعروف في هذا الزمن أنّ الغرب بقیادة أمریكا يعتبر الجهاد (إرهاباً) والمجاهدین (إرهابیین) في العالم أجمع، وقد كوّن تحالفاً عسكریاً عالمیاً لمحاربة الجهاد والمجاهدین في العالم، وبسبب اشتراك الحكومات العلمانیة المرتدة انساقت هذه الدول أیضا وراء أمریكا في تسمیة (الجهاد) بالارهاب، ووضعت قوانین وشرائع خاصة تبیح لها محاربة المجاهدین بكل أنواع الحرب. ومن هذه الحكومات الحكومة العمیلة في أفغانستان أیضا والتي نصّت في دستورها علی محاربة الإرهاب (الجهاد) حیث جاء في المادة السابعة من الدستور بأنّ الدولة تكافح جمیع أنواع (الإرهاب). وعلاوة علی ذكر محاربة الإرهاب في الدستور فإن هذه الحكومة وضعت قانوناً خاصاً لمحاربة الجهاد والمجاهدین وسمّته (قانون مكافحة الإرهاب)، وبموجبه تُنفق الملیارات في محاربة المجاهدین، وتزّج بالشباب المسلمین في السجون، وقد أودعت هذه الحكومة حتی الآن مایقرب من 27000 شاب في زنازین سجونها الظالمة، وبموجب هذا القانون أیضاً حاربت ثقافة الجهاد في المنهج التعلیمي، وفي الإعلام، وفي المجمتع ، وبموجبه تعتبر الإنتماء إلی الجهاد والمجاهدین جریمة یعاقب علیها القانون.

 

إدراج القیم الغربیة اللادینیة في الدستور:

أدرج هذا الدستوربقصد تغريب الشعب الأفغاني المسلم كثیراً من القیم الغربیة اللادینیة في كثیر من مواده ومنها:

عدم وجود الفرق بین المسلم والكافر: حیث تنص المادة الثانیة عشر من الدستور على مايلي: (یُمنع تفضیل بعض المواطنین علی البعض). علماً بأنّ المواطنين في هذا البلد مسلمون وغير المسلمين من الأقلیات الكافرة، والدستور في هذه المادة یمنع من أن یعتبر المسلم أفضل من الكافر، أو أن یُعتبر الكافر من (أهل الذمة) الذین یجب علیهم أن یدفعو الجزیة للدولة الإسلامیة. وكذلك یمنع الدستور من أن یُمنع الكافر من تقلّد الوظائف الهامة في الدولة الإسلامیة بسبب كفره، بل یعتبر هذا الدستور المواطن الكافر مساویاً في كل شيء مع المواطن المسلم.

تسویة المرأة بالرجل في كل شيء: حیث ینص الدستور في المادة الثانیة والعشرین على: (أنّ المرأة تتمتّع بحقوق وواجبات مساویة مع الرجل تجاه القانون). وكذلك ینص هذا الدستور في المادة الثالثة والثلاثین على مايلي: ( یتمتّع المواطنون بحق الترشیح الترشح)، وهذا یعني صراحة بأنّ المرأة لها حق الترشح لجمیع الوظائف التي یجوز للرجل أن یترشح لها بلا استثناء، أي یمكنها أن تكون رئیسة الدولة وقائدة الجیوش وفي جمیع الوظائف، والإسلام یمنع المرأة من تقلّد الوظائف التي لاتتناسب مع طبیعتها الأنثویة، وتعتبرشهادتها نصف شهادة الرجل.

الحریة علی الطراز الغربي: هذا الدستور یعترف بالحرّیة المطلقة للإنسان، ولیست لهذه الحرّیة حدود مالم تصطدم بحریة الآخرین أو بالمصالح العامة التي ینظمها قانون الدولة العلماني حیث ینص الدستور في المادة الرابعة والعشرین: (الحرّیة حق طبیعي للإنسان، ولاتحدها سوی حرّیات الآخرین والمصالح العامّة التي ینظّمها القانون). وهذا المفهوم هو نفس مفهوم اللیبرالیة الغربیة التي تطلق للإنسان حرّیته مالم تصطدم بحرّیات الآخرین، ولا تعترف بأیّة قیود و منهیات دینیة وخُلُقیة، بینما الحرّیة في الإسلام هي أن لا قید علی تصرفات الإنسان ولا تمنعه السلطة من أي فعلٍ إلّا إذا كان محظوراً شرعاً أو یفضي إلی الضرر بالآخرین أو بالمصلحة العامة. فالإنسان في الإسلام (عبد) لله تعالی، ویجب أن تُقیّد حریته بقیود الشرع، و ألّا یُترك لارتكاب المنكر، و إن كان تأثیر ارتكابه ینحصر فیه فقط، ولایتعداه إلی الآخرین. وهذه هي فلسفة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). ولأنّ المسلم بإعلانه لـ ( لا إله إلاّ الله محمد رسول الله) یعلن الإلتزام بحكم الإسلام و الإستسلام إلی أوامره ونواهیه، وما دام أعلن هذا الإعلان فیجب علیه تقیید حریته بحدود الشرع المنزّل الذي يجعل لجرأته حدوداٌ ولايتركها مطلقة كما تصوّرها اللیبرالیة الغربیة التي تُبنی علی أساسها الدساتیر في الدول الإسلامیة التي یحكما المحتلّون بأنفسهم مباشرة، أو یحكمونها بالوكالة عن طریق الحكام العلمانیین الدیموقراطیین المرتدين.

 

تعیین معاییر الجریمة والعقاب وفق القوانین الوضعیة: أي (لاجریمة ولا عقوبة إلّا بنص دستوري أوقانوني). ومن الضلالات والكفريات الموجودة في دستور الإحتلال الأمریكي في أفغانستان أنّه لا یحلّ ما أحلّ الله، ولا یحرّم ما حرّم الله، بل الجریمة فیه ما اعتبرته القوانین النافذة للدولة، حیث ینص هذا الدستور في المادة السابعة والعشرین: (لا یعتبرأي عمل جریمةً إلاّ وفق القانون النافذ قبل ارتكاب الجریمة). وبما أنّ الشریعة الإسلامیة غیر نافذة في أفغانستان الآن، ولأنّ الدولة دیموقراطیة، ونظامها منبثق عن إرادة الشعب، فلا تحرَّم الأعمال التي اعتبرتها الشریعة جریمة، لأنّ الشریعة الآن غیر نافذة، وبما أنها غیر نافذة فلا یجرّم الشخص بالأعمال التي تعتبرها الشریعة جریمة.

وأمّا معاقبة المجرم فهي أیضا لاتكون وفق حكم الشریعة الإسلامیة، بل تتمّ وفق القانون النافذ قبل ارتكاب الجریمة من قِبَلِ محكمة ذات صلاحیة رسمیة. ویصرّح الدستور في هذا الأمر في المادة السابعة والعشرین بالتالي: (لا یُعاقب أحدّ إلاّ وفق الحكم الصادر من محكمة ذات صلاحیة، وإلاّ وفق أحكام القانون النافذ قبل ارتكاب الجریمة).

إن الجريمة في الإسلام هي ما اعتبرته الشريعة جريمة، والعقاب علی الجريمة لايكون إلّا ما قرّرته الشریعة، أو خیّرت فیه القاضي كما في التعزیرات.

إنّ الشریعة الإسلامیة یجب أن تطبّق ابتداءً، لأنّ الإلتزام بالشریعة لایقوم علی اعتراف البشر أو إنكارهم، فالشریعة ملزمة لكونها أوامر الله ونواهیه، وهي لا تحتاج في صلاحیتها للتطبيق إلى موافقة الدولة أو اعتبارها لها رسمیاً.

 

عدم اشتراط الإسلام في التشریح والترشح:

الدستور الأفغاني لايشترط في المترشح والمرشح لأیّة وظیفة حكومیة أن يكون مسلماً، بل ترك الباب مفتوحاً بمصراعیه لكل من یرید أن یرشّح أو أن یترشح لأیة وظیفة أو منصب، سواءً كان مسلما أو غیر مسلم، وینصّ الدستور في المادة الثالثة والثلاثین: ( جمیع المواطنین في أفغانستان یتمتّعون بحق الترشیح والترشّح، وینظّم القانون طرق وآلیات الاستفادة من هذا الحق).هذه المادة في الدستور هي في الحقيقة تمهيد للطريق من قبل المحتلّين الأمريكيين و أذنابهم العملاء أمام الكفار أن يصلوا إلی المناصب العليا في الدولة والنظام ليحكموا هذا الشعب ويسيّروا أموره كما يريده الكفار من الدول التي تريد فرض إرادتها علی الشعوب المسلمة.

 

وجوب اتباع أحكام هذا الدستور علی جميع المواطنين:

يوجب هذا الدستور اتباعه علی جميع الأفغان علی الرغم من مخالفاته الصريحة للإسلام وشريعته السمحة ولا يعتبر الجهل بأحكامه عذراً لمن لم يتّبع أحكامه كما جاء في المادة السادسة و الخمسين: (اتّباع أحكام هذا الدستور والانقياد للقوانين و… واجب علی جميع المواطنين في أفغانستان، ولا يُعتبر الجهل بأحكام القانون عذراً). ولكن في نفس الوقت يضمن هذا الدستور فې المادة السابعة والخمسين حقوق و حرّيات الرعايا الأجانب في حدود القوانين الأجنبية التي يُسمّيها بـ (العالمية) ولا يُوجب عليهم اتّباع أحكام هذا الدستور إلّا في حدود القوانين العالمية ليترك لهم المخرج من الخضوع لقوانين هذا البلد التي ربّما تحُدّ شيئاً من حرّياتهم الاستعمارية.

إن المسلمين مكلّفون من الله تعالی باتّباع أحكام دين الله تعالی كما قال تعالی: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً( [سورۀ النساء / 59 ].

  1. )فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّی يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا([سورة النساء/65].
  2. )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَی اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا( [سورۀ الاحزاب / 36].

وقد أُمروا بالكفر بما يخالف شرع الله تعالی:)أَلَمْ تَرَ إِلَی الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَی الطَّاغُوتِوَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْبِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا( [سورة النساء/60]. ولكنّ هذا الدستور الطاغوت يصرف الشعب الأفغاني المسلم عن اتّباع الشرع الكريم، ويُوجب عليهماتّباع القوانين التي فرضها علی شعبنا المحتلون الأمريكييون الكافرون الغاصبون.

 

التحاكم إلی لجنة (حقوق الإنسان): لا يشك أي مسلم على أن وثيقة حقوق الإنسان الغربية (العالمية) وثيقة كفرية لاحتوائها علی مواد كفرية كإباحة تغيير الدين مثلاٌ، إلّا أنّ الدستور الأفغاني يوصي بالرجوع والتحاكم إليه كما في مادته الخمسين.

 

لايُشترط لرئيسالبلد أن يكون مسلماً: يشترط الدستور في المادة الثانية والستّين للمترشح لرئاسة البلد شروطاً ثلاثة ليس من بينها (الإسلام) وهي كالتالي:

1ــ أن يكون أفغانيا من أبوين أفغانيين ولا يحمل جنسية أي بلد آخر.

2ــ ألا يكون عمره أقل من أربعين سنة في يوم الترشح.

3ــ ألا يكون قد حُكمَ علیه بالجرائم ضدّ الإنسانية أو بالحرمان من الحقوق الإنسانية.

لايوجد في الشروط المذكورة شيء من الشروط التي أجمع علماء الأمّة علی اشتراطها للإمام وهي:

1ــ الإسلام

2ــ الذكورة

3ــ البلوغ

4ــ العقل

5ــ الحرية

6ــ العدل (عدم الفسق).

 

لايُشترط للوزير أن يكون مسلماً: يشترط الدستورفي المادة الثانية والسبعين للمترشح للوزارة أيضا شروطاً أربعة ليس من بينها (الإسلام) وهي كالتالي:

1ــ أن يكون أفغانيا، وإذا كان يحمل جنسية بلد آخر فلمجلس الشعب الصلاحية في ردّه أو تأييده.

2ــ أن يكون حاصلاً علی شهادة الدراسات العليا، وأن يكون صاحب تجربة وشهرة حسنة.

3ــ أن لا يكون عمره أقلّ من 35 سنة.

4ــ أن لّا يكون قد حُكمَ علیه بالجرائم ضدّ الإنسانية أو بالحرمان من الحقوق الإنسانية.

 

لا يُشترط لرئيس المحكمة العليا أن يكون مسلماً: يشترط الدستورفي المادة الثامنة عشر بعد المئة للمترشح لرئاسة المحكمة العليا وأعضاء مجلسها الأعلی أيضا ستّة شروط ليس من بينها (الإسلام) وهي كالتالي:

1ــ أن لاتكون أعمارهم في وقت التعيين أقلّ من 40 سنة.

2ــ أن يكونوا أفغاناً.

3ــ أن يكونوا حاصلين علی الدراسات العليا في العلوم الحقوقية أو الفقهية، وأن يكونوا من ذوي التخصص والتجربة في النظام القضائي لأفغانستان.

4ــ أن يكونوا ذوو سيرة وشهرة حسنتين.

5ــ أن لّا يكون قد حُكمَ علیهم بالجرائم ضدّ الإنسانية أو بالحرمان من الحقوق الإنسانية.

6ــ أن لا يكون منتمياً إلی أيّ حزب سياسي حال كونه موظّفاً في منصب القضاء.

قد يقول قائل أنّهكون هؤلاء أفغاناٌ، يكفيهم أن يّعتبروا مسلمين، لأنّ الأفغان شعب مسلم ولا حاجة لذكر صفة الإسلام على حدة.

نقول إنّ هذا القول ليس بصحيح، لأنّ هذا الدستور نفسه يقدّم تعريف الشعب الأفغاني في المادة الرابعةحيث ينص: (شعب أفغانستان عبارة عن جمیع من یحملون الجنسیة الأفغانیة، وتطلق كلمة (الأفغان) علی كل فرد من أفراد هذا الشعب، ولا یُحرم أي فرد من أفراد هذا الشعب من الجنسیة الأفغانیة).

وفي ضوء تعریف الدستور الأفغاني نری أن الشعب الأفغاني عبارة عن سكان هذا البلد سواءً كانوا من المسلمین، أومن الشیوعیین، أوالهنود، أوالسیخ، أو الأقلیات الكافرة الأخری. ولایسمح الدستور لأحد بسلب صفة (الأفغاني) عن أي فرد من أفراد الشعب ما دام یحمل الجنسیة الأفغانیة بغضّ النظر عن دینه وعقیدته. (يتبع).