أمريكا تعبث بدماء المسلمين

بقلم: حافظ منصور

يقول كيفين رايلي – مؤلف كتاب الغرب والعالم –: (إن “أروبا” هي مجرم العالم الأكبر! لقد اكتسبنا القدرة على تبرير أشد أفعالنا همجية باسم الله، أو باسم الحضارة المسيحية، أو باسم العالم الحرّ).

المنصفون يعترفون ببشاعة الغرب، لاسيما أميركا، التي تقود حلفاءها الآخرين من الأروبيين والبلاد الأخرى التي لا خيار لها أمامها. ونحن إذ نذكر قولاً من مفكر، لا يعني أنّ هذا جل القول، وإنما هو على سبيل المثال لا الحصر.

أجل؛ زاد من تأزم الأوضاع الطريقة الهمجية التي تعاملت بها قوات الاحتلال مع الشعوب المسلمة من قصف القرى، وقتل النساء والأطفال، وعدم مراعاة التقاليد والأعراف السائدة في البلاد الإسلامية، ولم يسلم من التطاول الأمريكي حتى المساجد، ما دفع قطاعاً عريضاً من هذه الشعوب إلى الانتقال لجبهة المقاومة، وعلى رأس هؤلاء الشعب الأفغاني المسلم الذي يقاوم الاحتلال بكل شراسة.

وقد كتب الكاتب الفلسطيني محمد عايش مقالاً مفصلاً في جريدة القدس العربي تحت عنوان: (أمريكا التي تعبث في بلادنا وشعوبنا).

جاء فيه: (هناك أرقام وإحصاءات أمريكية أظهرت أن هجمات بطائرات دون طيار «درونز» نفذتها القوات الأمريكية في دول عربية، أدت إلى مقتل ما بين 64 و116 مدنياً عن طريق الخطأ، إذ لم يكونوا هم الأهداف، لكنهم قضوا بمحض الخطأ والصدفة في تلك الغارات، فضلاً عن أن 473 غارة جوية أمريكية على دول عربية (إضافة إلى باكستان وأفغانستان) أدت إلى مقتل أكثر من 2500 مقاتل، أو من يعتقد الأمريكيون أنهم مقاتلون أعداء.

الأرقام والمعلومات التي نشرتها جريدة «واشنطن بوست» تشكل مفاجأة، ليس لأننا أمام مقتل 116 شخصاً بريئاً براءة مؤكدة، إضافة إلى 2500 شخص يُتوقع أن يكون من بينهم أبرياء، كون الطائرات بدون طيار لا تستطيع في طبيعة الحال تمييز المقاتل عن غيره، وإنما المفاجأة تكمن في أن الولايات المتحدة تخوض حرباً صامتة على امتداد الخريطة العربية والإسلامية، وطائراتها تصطاد ما تشاء من الأهداف، ولا توجد لدى الدول الإسلامية أي سيادة على أراضيها ولا حماية لمواطنيها!

الأرقام ليست مفاجأة بكل تأكيد، لأن أي نظام عربي قتل من أبناء شعبه الأبرياء أكثر بكثير من أولئك الذين سقطوا في الغارات الأمريكية، كما أن الدم العربي يظل رخيصاً لدى العالم ما دام رخيصاً في السوق المحلي، أي أنه مستباح أصلاً من الأنظمة التي يتوجب أن تحميه، فكيف لا تستبيحه الطائرات الأمريكية، سواء تلك التي بدون طيار أو التي تزدحم بالطيارين والعسكريين على متنها؟

ليست المشكلة في عدد الذين قتلوا في الغارات الأمريكية، كما استعرضتهم «واشنطن بوست» باستهجان، لكن المشكلة في أن الولايات المتحدة تخوض حرباً عنيفة وصامتة في الوقت نفسه على امتداد العالم العربي، فالعدد المشار إليه من القتلى (2500 + 116) سقطوا في الغارات التي ضربت أهدافاً في كل من اليمن وليبيا والصومال وباكستان (ثلاث دول عربية) وهذه الدول مصنفة لدى الإدارة الأمريكية بأنها «ليست مناطق حرب» والقيام بعمليات عسكرية فيها يتوجب إجراءات استثنائية، أضف إلى ذلك «مناطق الحرب» وهنا نتحدث على الصعيد العربي عن: سوريا والعراق.

بعيداً عن تصنيفات إدارة أوباما التي لا تهمُّنا على اعتبار أنَّ الدمَ العربي واحد من المحيط إلى الخليج؛ فإننا أمام حرب أمريكية تستهدف خمس دول عربية، اثنتان منها معلنتان هما العراق وسوريا، وثلاث من تحت الطاولة هي اليمن وليبيا والصومال، وربما هناك ثمة أنشطة أمريكية أخرى في أماكن عربية لم يتم الكشف عنها حتى الآن.

السؤال الذي يبدو من حقنا اليوم أن نحصل له على إجابة هو: ماذا تفعل أمريكا في خمس دول عربية؟ وتحارب ضد من؟ ومع من؟ ثم إذا كانت قد قتلت 116 مدنياً بريئاً أمام 2500 مقاتل “غير بريء” في ثلاث دول عربية لا تخوض فيها حرباً معلنة، فكم عدد ضحايا الحرب المعلنة، وكم من المدنيين الأبرياء قتلت أمريكا في كل من العراق وسوريا؟!

أما السؤال الآخر الذي يبدو أكثر إلحاحاً وأكثر إحراجاً، فهو: من أين تقلع المقاتلات الأمريكية؟ وأين تختبئ طائرات الـ«درونز» ما دامت ليبيا واليمن تبعدان عن أمريكا أكثر من 10 آلاف كيلو متر؟).

هذا ما يحدث في بلاد آمنة نسبياً، وفيها دول وحكومات، أمّا البلاد المحتلة فحدّث عنها ولا حرج، أكثر من 10 غارات في يوم واحد وفي مديرية واحدة كم ستخلّف من الضحايا؟ هذا السؤال موجّه إلى الرئيس الأسود القذر الذي استخدم هذا السلاح الفتاك أكثر من سلفه جورج بوش.

استخدم أوباما -ولازال- هذه الأسلحة المدمّرة بذريعة أنها تقتل المتمردين والإرهابيين، ولكن هذا المجرم السفاح لو أتعب نفسه قليلاً وأرسل عيناً لترى الحقيقة لاقشعرّ جلده إن كان في قلبه مثقال ذرة من الإنسانية.

فعشرات الأطفال والنساء والعجزة تحت أنقاض البيوت بعد كل قصف وحشي وهمجي، كثير منهم يقضون حياتهم وكثير منهم يموتون رعباً من فظاعة المنظر، ومن بقي على قيد الحياة فيكون رهين المشفى.

أمّا المؤسسات الأجنبية التي تدّعي الانحياز كـ”يوناما” وغيرها من المؤسسات فلا ترى هذه الجرائم، بل وتخفيها. ثم إذا استهدف المجاهدون الأجانب والصليبيين، يبدأون بالكذب وتلفيق الأخبار بأن المجاهدين قتلوا كذا من المدنيين و…

فإذا كان هذا حال البلاد التي اعترف الأمريكان بأنفسهم بقتل المدنيين والأبرياء في ضرباتهم الجوية، فكيف يكون حال البلاد التي تنفذ فيها عشرات الهجمات الضارية بطائرات الدرونز وتخلف العشرات بل والمئات من الجرحى والقتلى كالحال في أفغانستان؟

لكن شاء الاحتلال أم لم يشأ، فالمحتل سيفنى ويُباد طال الأمد أم قصر. يصدقنا في هذا المجال صمود المجاهدين الأبطال لسنوات، وتنامي قدراتهم من يوم لآخر، فلا يهنأنّ بال المحتلين، ولا يظُنُنّ أنّ الضربات الجوية تفت في عضد المجاهدين، بل إنها تثيرهم لأن يثاروا لإخوانهم من المسلمين بعزيمة راسخة وصمود صلب.