ترامب والمرأة الأفغانية

عماد الدين الزرنجي

 

إن من الذرائع التي تمسكت بها أمريكا وحلفاؤها في احتلال أفغانستان عام 2001 الميلادي، هي وجود انتهاكات واسعة لحقوق المرأة الأفغانية حد زعمهم في البلاد. فشنت هجمة إعلامية غير مسبوقة لإثبات أن المرأة الأفغانية مظلومة ولابد من نجاتها من مخالب الظلم المفروض عليها من جانب الإسلام والسنن والتقاليد الأفغانية. إن استراتيجية استغلال المرأة للنيل إلى الأهداف الشيطانية، كانت ولاتزال أسهل الطرق لتضليل الشباب المسلم وإيجاد الفوضى والبلبلة في الأسر والبيوت المسلمة ومن ثم تمزيق المجتمع الإسلامي. لذلك يقول أحد الصليبيين الذي خاض الحرب مع المسلمين مرارًا وتكرارًا ولم يحصل علي شيء: إن مرأة وكأس خمر يكفيان لهزيمة المسلمين.

يمكن أن الرجل أراد بهذه الكلمة تضليل المرأة ومن ثم افتتان الشاب المسلم بجمالها والتولي عن الإسلام. أما اليوم نفس الكلمة تلقي من جانب الغربيين لكن بمعنى آخر وهو أن المرأة بعد إثارتها ضد دينها وتقاليد مجتمعها كافية للقضاء على الدين و…
ومن هذا المنطلق استهدف المحتلون المرأة الأفغانية المسلمة وإغوائها وإثارتها ضد الدين والمجتمع منذ باكورة الاحتلال. وقد تصدت الأسر المسلمة أمام هذه الهجمة الشيطانية الخبيثة. فلم يحققوا شيئا في الدس على شخصية أخواتنا وأمهاتنا. إلا أنهم جاؤوا بعدد لابأس به من الأفغانيات المقيمة في أوربا وجعلوا منها لقمة إعلامية ليقنعوا العالم أنهم حقا جاؤوا لنجدة المرأة الأفغانية.

أيا كانت الأهداف والنوايا، وأيا كانت البرامج والمخططات، مايهمنا هو النتائج التي تحققت في السنوات الثماني عشر بعد الاحتلال. إن الأرقام والتقارير الرسمية المنشورة من جانب المؤسسات والمنظمات الغربية والمحايدة تنبئ عن النتائج الضئيلة التي حققها المحتلون في مجال حقوق المرأة. وأما الواقع المعايش للمرأة الأفغانية خير شاهد على غدر المحتلين بها واستغلالها للأهداف الاستعمارية.

فإنهم أثبتوا أثناء تواجدهم الطويل في أفغانستان قضية المرأة الأفغانية مهمة مادامت تستدعي المنافع وهي قضية هامشية مهما استدعت المنافع. وقد شاهدنا وشاهد العالم أن المحتلين خلال مفاوضاتهم للسلام مع ممثلي الإمارة الإسلامية تناسوا قضية المرأة فيها وجعلوها قضية هامشية. بل تزايدت الضغوطات على خليلزاد ليضمن اتفاقًا مع الإمارة الإسلامية ولو تحققت ذلك بالتولي إلى المرأة وجميع العملاء داخل أفغانستان.

إن العالم شاهد أن النساء اختفين فجأة من تغطية وسائل الإعلام بعد بدء مفاوضات السلام وقد اعترف العديد من الدبلوماسيين أن حقوق المرأة ليست أولوية قصوى للأمريكان. فهي فكرة جيدة لكنها ليست ضرورية. وذلك لنهاية تاريخ استهلاكها.
وقد تشدد الحكومات الغربية خلال السنوات الماضية علنا على أهمية حقوق المرأة، لكنها لم تفعل القليل جدا لتدعم تصريحاتها. ولن تستمع حكومة ترامب إلى نداء المرأة الأفغانية ولن يعيرها اهتماما، نظرا لكون ترامب بنفسه يكاد لايعير أي اهتمام لحقوق المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية فما بالك في أفغانستان!

من المؤسف جدا أن بعض النساء المتأثرات من زخرف المجتمع الأمريكي وماشاهدناها من حرية المرأة الإمريكية في الأفلام، مازالت ترنوا إلى إمريكا وتستنجدها.

ولاتدري أن في الولايات المتحدة الأمريكية، بلاد ما يسمى بالحرية والعدالة الاجتماعية تظهر اليوم أكثر مما مضى ثغرات عميقة في مجال احترام وتطور حقوق المرأة. تدل على مدى هشاشة حقوق وواجبات الإنسان المقدسة في إمريكا. زاهية ومضيئة الصورة التي تكل علينا من خلالها المرأة الإمريكية. تلك الصورة التي تغري فتيات العالم عموما وبخاصة -بكل أسف- بعض الفتيات في أفغانستان ببريقها الاجتماعي، إلى درجة أننا ننسى فيها أحياناً أنَّ الصورة الإعلامية لا تقدم صدق الواقع لمجتمع يتميز بالفردية والأنانية المطلقة.
صحيح أنَّ المرأة الأمريكية قطعت شوطاً كبيراً في مجال تحقيق المساواة، ولكن إذا قمنا بتحديد معنى المساواة بين إنسان وآخر، نجد أنَّ المرأة في أمريكا، تحتاج إلى أكثر من قانون مدني لتكمل مسيرة هذه المساواة التي لا توجد فعلاً، إلا في وسائل الإعلام وخطابات السياسيين الانتهازيين.

إن المرأة الإمريكية تعاني من مشاكل عديدة في حياتها اليومية. خاصة بعد ما تسلم الحكم ترامب وفرض سياسات تحكمية بالنسبة إلي المرأة. هذا واقع المرأة داخل الولايات المتحدة الإمريكية. فكيف يمكن للمرأة الأفغانية أن توليها إمريكا العناية الخاصة.
أخيرا بعد ما يئس العلمانيون والحركات النسوية الأفغانية الممولة من الخارج عن الإمريكان وغدرها بهم، بدأت وسائل الإعلام هجمة إعلامية واسعة ضد الإمارة الإسلامية. كأن الإمارة الإسلامية هي التي وعدت هؤلاء وعودا فارغة ثم غدرت بهم. مع أن الإمارة الإسلامية سعت ولاتزال تسعى لإعطاء المرأة جميع الحقوق التي تعترف بها الشريعة الإسلامية الغراء.

ليس من دأبنا تزكية الإمارة الإسلامية من الأخطاء التي شوهدت إبان حكمها، التي لايمكن لأي دولة الاجتناب عنها. لكن السياسات التي انتهجتها الإمارة كانت مبنية على احترام المرأة وتكريمها.

الإمارة الإسلامية تعترف تماما بحق تعليم المرأة. وأعلنت مرارًا وتكرارًا أن الفتيات يمكنهنّ الذهاب إلى المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرتها مادامت التفرقة بين الجنسين قائما. إن قادة الإمارة طلبوا من المنظمات غير الحكومية إرسال المزيد من القابلات توفيرا رفاهيات المرأة الأفغانية.

وقد يقول البعض إن الإمارة الإسلامية لن تتفاوض أبدًا مع المرأة الأفغانية لكنها فعلت ذلك في وقت سابق إذ اجتمعت مجموعة من النساء الأفغانيات مع ممثلي الإمارة الإسلامية في أسلو عام ٢٠١٥ وكانت كل هؤلاء النساء مسئولات عاليات المستوى في الحكومة الحالية. وكانت الإمارة هي التي مهدت أرضية هذا الاجتماع. وتقول شكريه باركزي، السفيرة الأفغانية لدى النرويج التي حضرت المفاوضات: “لن يصدق معظم الناس أننا كنا قاسيين جدًّا في حكمنا على حكومة طالبان، لقد كانت تستمع بصبر إلي ما كنا نقوله واحترمته.”
وقد استمع مسؤولوا الحركة لنساء تحدثن خلال الاجتماع الذي عقد في موسكو. وبينوا الإطار الشرعي والقانوني للمرأة في الحكومة التي سوف تتسلم زمامها.

التفاوت الأساسي في الموقف الغربي والموقف الإسلامي حيال المرأة أن الأول موقف سياسي تظاهري لاينطبق مع احتياجات المرأة. أما الموقف الإسلامي موقف واقعي ينطبق مع احتياجات المرأة. لذلك لاتستحي الإمارة الإسلامية من بيان موقفها حيال المرأة.
عودًا إلى البدأ، اقتضت منافع المحتلين أن يتناسوا المرأة الأفغانية وأن لايشاركوها في مفاوضات السلام. إن الأولوية القصوى لهم هو الخروج من المستنفع الذي استغرقوا فيه. ومندوب إمريكا في مفاوضات السلام تحت ضغط شديد لإنهاء المفاوضات وعدم الاعتناء إلى الحقوق التي وعدها المحتلون خاصة حقوق المرأة. لذلك الهجمة علي الإمارة الإسلامية ظلم وتجاهل للواقع. هؤلاء بدل أن يهجموا على المحتلين لغدرهم المرأة الأفغانية، يهجمون علي الإمارة الإسلامية.

عندما نشاهد هذا الواقع نذكر ذاك التصوير الذي بينه القرآن الكريم عن تولي الشيطان عن مناصرة اتباعه يوم القيمة.
قال الله تعالي:”وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” [إبراهيم/٢٢].